هل تتحقق أحلام كيسنجر؟ (محمد خليفة)

 
محمد خليفة 

وفقاً لصحيفة “النيويورك تايمز” العدد الصادر بتاريخ 28/9/،2013 نشرت تصوراً لمحلل الصحيفة “روبن رايت” الذي رسم فيه خريطة تظهر فيها خمس دول في المشرق العربي، وهي تتوزع إلى أربع عشرة دولة، وذلك حسب حالات الانقسامات الطائفية والعرقية والمذهبية، وشملت العراق وسوريا وليبيا واليمن ودولاً أخرى . تصورات المحلل تشير إلى أن السيناريوهات تكشف ما يُخَطط، ويدار في الخفاء وخلف الستار، من أجل تقسيم الوطن العربي إلى دويلات، تندمج بعضها قومياً ومذهبياً من أجل تقويض المجتمعات العربية، وترسيخ الاضطرابات فيها، وهذا ما كان أشار إليه في حديث لصحيفة “ديلي سكويب” البريطانية في مانهاتن، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر الذي قال: “إن الولايات المتحدة مضطرة إلى احتلال سبع دول في الشرق الأوسط، نظراً لأهميتها الاستراتيجية والجغرافية بسبب احتوائها على النفط”، وأن الهدف الاستراتيجي النهائي هو إخضاع روسيا والصين، بعد أن تمّ منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة، وبعدها سيقع الانفجار الكبير، والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى أمريكا و”إسرائيل”، وسيكون على “إسرائيل” القتال بكل ما أوتِيت من قوة وسلاح، لقتل أكبر عدد ممكن من العرب، واحتلال نصف الشرق الأوسط . وأما روسيا والصين، فسوف يسقطان إلى الأبد، لنبني مجتمعاً عالمياً جديداً، لن يكون إلا لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية “السوبر باور” .
إن ما يقوله كيسنجر ليس إلا تعبيراً حرفياً عن أفكار الصهيونية العالمية التي، كما قال وليم جاي كار في كتابه “أحجار على رقعة الشطرنج”، ستثير حرباً عالمية ثالثة في المنطقة العربية الإسلامية، بهدف تدمير العرب والمسلمين . وقال جاي كار: “لقد تم زرع “إسرائيل” في فلسطين من أجل تلك الحرب الكبرى التي ستنتهي بها “إسرائيل” والعرب والمسلمون على السواء” هكذا قال الضابط السابق في الجيش الكندي وليم جاي كار منذ نحو خمسين عاماً، وهو ما يقوله كيسنجر اليوم . إنه يتحدث عن قرب وقوع حرب عالمية ثالثة توجه فيها “إسرائيل” ترسانتها ضد العرب وتتصدى الولايات المتحدة لروسيا والصين، والهدف هو القضاء على خصوم أمريكا و”إسرائيل” في العالم، فتنتعش، وفق رؤية كيسنجر، “إسرائيل” وتتحول إلى قوة عظمى في الإقليم، أما الولايات المتحدة، فإنها ستكون القوة المهيمنة على العالم إلى الأبد .
هكذا تخطط الصهيونية العالمية، وهكذا ينطق تلميذها النجيب هنري كيسنجر، الذي لا يرتكز في حديثه على ظلال من الواقع الحالي، إنما يطلق العنان لخياله الجامح، ليتخيل انتصارات حققتها أمريكا و”إسرائيل” على الخصوم في حرب مقبلة لا محالة . ألم يعلم كيسنجر أن روسيا كانت دولة منتصرة في الحرب العالمية الثانية؟ وأن الصين حققت استقلالها ونهوضها الاقتصادي بقوة شعبها، وقد اضطرت الولايات المتحدة إلى الاعتراف بها عام 1972 بعد سنوات طويلة من الاعتراف بتايوان على أنها الممثل الوحيد للشعب الصيني؟
لقد سحبت الولايات المتحدة، تحت تعاظم قوة الصين، اعترافها بتايوان، واعترفت بالصين الشعبية الشيوعية كممثل وحيد للشعب الصيني، ألا يرى كيسنجر بأن ذلك كان تراجعاً واضحاً من الولايات المتحدة أمام الصين؟ الواقع أن القطب الجديد المؤلف من روسيا والصين ومن خلفهما “دول بريكس”، والذي ترى فيه الولايات المتحدة عدواً لها، هذا القطب أثبت وجوده في العالم، ليس لأن الولايات المتحدة سمحت له أن يلعب دوراً صغيراً في إطار المسموح به، بل لأنه بات يمثل قوة لا يُستهان بها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً .
إن روسيا والصين يشكلان مجتمعين مساحة جغرافية هائلة من العالم، فمساحتهما أكثر من 30 مليون كيلومتر مربعٍ، إضافة إلى التعداد السكاني الهائل، فالصين وحدها تضم ملياراً ونصف المليار من البشر . وتملك الدولتان، ولاسيما روسيا، مخزونات طائلة من الأسلحة الخطرة والمتنوعة، فإضافة إلى السلاح الذري الرهيب، هناك سلاح الليزر الذي لا يقل خطورة عن سابقه، لأنه يستهدف حروب الفضاء وخاصة الأقمار الاصطناعية، والصواريخ العابرة بومضات كهربائية قاتلة تكفي لإصابة الولايات المتحدة بالعمى، وخاصة بالنسبة إلى العين الباصرة، وهي الأقمار الاصطناعية .
ولا شك في أن الولايات المتحدة تملك نفس السلاح وبكميات هائلة، لكنها إذا دخلت في مواجهة مفتوحة فسوف تقاتل وحدها في جبهات واسعة جداً، لأن أوروبا الغربية عاجزة عن فعل أي شيء . وأما “إسرائيل”، فهي أيضاً لن تقدر على التقدم خطوة في الأرض العربية، وإذا فعلت فسوف تنهمر عليها الصواريخ كالمطر، وخاصة على منشآتها الذرية والحيوية الأخرى، مما سيؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة لن تستطيع احتمالها مطلقاً . أضف إلى ذلك الكلفة الاقتصادية الهائلة لحرب كونية، والتي ستشكل ضربة قاصمة للاقتصاد الأمريكي المترنح، ويكفي ما تعانيه الولايات المتحدة اليوم من شبح إعلان الإفلاس إذا استمر التناحر بين الجمهوريين والديمقراطيين .
إن الاعتقاد بقدرة أمريكا على الانتصار في أية حرب كبرى مقبلة فيه الكثير من الوهم -خذ أفغانستان، وما جرى من سحل للجنود الأمريكان في الصومال مثلاً- والقوة لا تعني التهور فالذكي هو الذي يقدر قوة عدوه، فيحذره وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليه، والغبي هو الذي يعتد بقوته متجاهلاً قوة خصمه، كما كان حال الامبراطور الفرنسي نابليون الثالث الذي سمع بأن بروسيا تجهز نفسها للحرب ضد فرنسا، فأخذ نابليون يضحك ويستهزئ ويقول:” هل من المعقول أن تفكر بروسيا الصغيرة، والتي لا تكاد ترى بالعين، بغزو فرنسا القوة القاهرة”، ولأنه لم يقدر العواقب، ولم يحسب لعدوه حساباً، فقد دفع ثمناً باهظاً، عندما اندلعت الحرب بين بروسيا وفرنسا عام ،1870 وبعد عام من القتال، انتصرت بروسيا، وفر نابليون الثالث هارباً .
هناك مثل صيني يقول: الانتظار مئة سنة خير من الدخول في معركة خاسرة . فهل تعي الولايات المتحدة حقيقة المخاطر؟ أم أن اندفاعها وراء “إسرائيل”، وأذنابها من المفكريين، أعماها عن حقائق الواقع، ودروس التاريخ؟

صحيفة الخليج الإماراتية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى