هل ستنجح زيارة الشيخ بن زايد المُفاجئة للسعوديّة في تبديد الخِلافات المُتفاقمة بين الرياض وأبو ظبي؟ ولماذا غاب “صديقه” الأمير بن سلمان عن استقباله في المطار؟ وما هي فُرص نجاح دعوة العاهل السعودي لأطراف الأزمة في عدن للقاء الحِوار بجدّة؟

 

كان وزير الداخليّة اليمني أحمد الميسري الأكثر شجاعةً وجرأةً عندما اعترف بهزيمة “قوّات الشرعيّة” أمام زحف نظيرتها التابعة للمجلس الوطني الانتقالي المدعومة بـ400 عربة إماراتيّة مدرّعة، الذي تكلّل بالاستيلاء على جميع المراكز العسكريّة والقصر الرئاسي في المعاشيق، مُؤكّدًا أن هذا الهُجوم “قضى على ما تبقّى من سيادة الحُكومة الشرعيّة في عدن”.

والأخطر من هذا الاعتراف اتّهام السيد الميسري في تغريدات على حسابة الرسمي “تويتر” للحليف السعودي بالصّمت أربعة أيّام على هذا الهُجوم، “وحليفنا يذبحنا من الوريد إلى الوريد، دون التدخّل لحمايتنا وسط صمت مُريب للرئاسة اليمنيّة”، وبلَغت حالة الغضب واليأس التي انتابته “لدرجة تقديمه التهنئة لدولة الإمارات على هذا الانتصار، مُؤكّدًا أن قوّاته حاربت بأسلحة بدائيّة، ومتوعّدًا بأنّها لن تكون المعركة الأخيرة”.

تغريدات الوزير الميسري المليئة باليأس والإحباط ترسم صورةً صادقةً للوضع الراهن في مدينة عدن التي من المُفترض أن تكون العاصمة المؤقتة للحكومة “الشرعيّة” التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي المُقيم في الرياض، ولكن يبدو أنه، أيّ الرئيس هادي، قد خسِر العاصمتين الدائمة والمؤقّتة الأمر الذي يعكِس مدى ضعفه في مُواجهة خصومه، سواء المجلس الانفصالي في عدن، أو حركة “أنصار الله” الحوثيّة في صنعاء.

وسط هذه الأجواء دعت المملكة العربيّة السعوديّة إلى عقد اجتماع للأطراف المتحاربة في عدن، واختارت مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر للتفاوض للتوصّل إلى تسويةٍ للخلافات فيما بينها، وحطّ الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد إمارة أبو ظبي الرحال في مكّة المكرّمة للقاء العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ووليّ عهده الأمير محمد بن سلمان، للمرّة الأولى مُنذ الإعلان عن سحب نسبة كبيرة من القوّات الإماراتيّة في اليمن.

زيارة الشيخ بن زايد كانت مُفاجئةً، وعكس الاستقبال الذي جرى له في مطار جدّة الذي غاب عنه “صديقه” الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد (استقبله الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع)، حالة “الفُتور” في العلاقات السعوديّة الإماراتيّة، وبين المُحمّدين أيضًا، سواء بسبب الانسحاب الإماراتي، أو استيلاء قوّات الحزم الأمني التابعة للمجلس الانتقالي المُؤقّت على قصر معاشيق الرئاسي.

من الصّعب علينا أن نعرف ما جرى في اللّقاءات التي تمّت في الغُرف المُغلقة بين الضيف الإماراتي ومُضيفيه العاهل السعودي ووليّ عهده، فالمعلومات الشّحيحة التي بثّتها وكالتا الأنباء الرسميّة للبلدين (واس السعوديّة ووام الإماراتيّة) غلب عليها طابع المُجاملة، ولكن كان لافتًا ان الأخيرة، أيّ الإماراتيّة، نقلت عن الشيخ بن زايد دعوته للأطراف اليمنيّة المُتنازعة في عدن إلى اغتنام دعوة السعوديّة للحوار، والتعامل الإيجابي معها، لأنّ الحِوار هو السبيل الوحيد لتسوية الخِلافات بين اليمنيين”، فهل تعني هذه الدعوة وجود استعداد لديه للضّغط على حُلفائه في المجلس الانتقالي المؤقّت تقديم تنازلات في الحِوار المُنتظر والتّراجع عن مكاسبه على الأرض؟

صحيح أنّ الشيخ بن زايد أكّد، وحسب الوكالة نفسها، “أن العلاقات بين الإمارات والسعوديّة الشّقيقة كانت ولا تزال، وستَظل، علاقات متينة وصلبة لأنّها تستند إلى أسس راسخة ومتجذّرة من الأخوّة والتضامن والمصير المشترك”، مثلما قالت الوكالة أيضًا، ولم تتطرّق إليه نظيرتها السعوديّة، لكن هذا كلّه لا يخفي حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن “التحالف العربي” الذي يجمع البلدين تحت مظلّته في حرب اليمن قد “تضعضع”، إن لم يكُن قد انهار كُلِّيًّا بعد الصّدامات في عدن، وسحب مُعظم القوّات الإماراتيّة من اليمن، وإعادة اللّحمة إليه، بالصّورة التي بدأ عليها قبل أربع ونصف السّنة، تبدو شبه مُستحيلة في رأينا.

السيد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، رحّب بالدعوة السعوديّة للتّفاوض في جدة، ولكنّه لم يكشف مُطلقًا عن قُبوله بالشّرط السعودي، أيّ سحب قوّاته من جميع الأماكن التي سيطرت عليها في الهُجوم الأخير، بما في ذلك قصر المعاشيق، وربّما يُريد استخدامها كأوراق ضغط في المُفاوضات القادمة إذا قدّر الله لها ان تُعقَد.

نعود إلى العبارة الأهم التي وردت في تغريدات السيد الميسري، وزير الداخليّة اليمني في حكومة الرئيس هادي، التي قال فيها “إن هجوم قوّات المجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات قضت على ما تبقّى من سيادة الحكومة الشرعيّة”، ونقول إنها قد تلخّص بطريقةٍ أو بأخرى ليس نهاية العمر الافتراضي لهذه الحكومة، وإنما أيضًا تحكم بالتعثّر المُسبق لمحادثات جدّة، لأنّ السيّدان الزبيدي ونائبه السيد هاني بن بريك قد لا يتنازلا مُطلقًا عن مكاسب المجلس الانتقالي التي قرّبته من تحقيق طُموحاته بانفصال الجنوب، أو عدن على الأقل، ولهذا تظل الآمال بنجاح أيّ حوار في جدّة محدودةً إن لم تكن معدومةً، اللهم إلا إذا قرّرت دولة الإمارات التخلّي كُلِّيًّا عن المجلس الانتقالي، ووقف دعمها وتسليحها لقوّاته، وهذا أمر موضِع شك.

لا نعتقد أنّ السيد الميسري سيبقى طويلًا في منصبه كوزير داخليّة بعد تغريداته الجريئة هذه التي أحرجت الحُكومتان اليمنيّة والسعوديّة لمصداقيّتها، وعلينا أن نتذكّر أنّه ليس عُضوًا في حكومة سويسريّة أو أوروبيّة مُستقلّة تتمتّع بسيادة مُطلقة.. ونحنُ في الانتظار، وكُل المُفاجآت وارِدة.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى