هل سورية قادمة على الاستقرار فعلا؟!

دمشق ــ خاص ببوابة الشرق الأوسط الجديدة

الذي يعيش داخل سورية هذه الأيام، وقد استعادت الدولة مناطق كثيرة مما كانت خارج سيطرتها، إضافة إلى معطيات سياسية وإقليمية ودولية، يكتشف أن شيئا جديدا يجري على قدم وساق فيها يوحي بنقلة نوعية في سياق الحرب السورية .. وإذا كان لابد من ربط هذا الشيء الجديد مع المعطيات الإقليمية والدولية ، فإن الاكتشاف يتحول إلى رأي بأن البلاد قادمة على مرحلة ما يمكن تسميتها تجاوزا : “مرحلة مابعد الحرب”.

ماهي ملامح هذا الشيء الجديد، وهل هو من القوة بحيث يؤسس لتلك التسمية، أو على نحو أدق هل هو بداية لمرحلة من الاستقرار تتجه نحوها سورية ؟!

من المفيد هنا البناء على العامل الأمني الداخلي، الذي اتسع تلقائيا مع عودة سيطرة الدولة على مناطق كانت تسيطر عليها مجموعات مسلحة معارضة أو مجموعات إرهابية ، فالعامل الأمني الداخلي لم يكن ليتم على هذا النحو لولا أن تهيأت ظروفه التي يحتاجها والتي ارتدت ثوب اجتماعات أستنة المتتالية، ثم هيأت لاجتماع سوتشي الذي لم ينجل الضباب جيدا بعد عن مسألة نتائجه التي ستفرض نفسها على الحل النهائي في اجتماعات جنيف، وهي اجتماعات جرى تراجع أهميتها تلقائيا مع تقدم الاجتماعات الأخرى التي أطلقتها ماسمي بالدول الضامنة!

وعلى هذا الأساس يمكن مراقبة النشاط الروسي بعناية، وهو نشاط ما انفك يؤسس لخطوات جدية تتعلق بمرحلة مابعد الحرب في سورية التي نسأل عنها ، والنشاط الروسي يعمل بشروط محددة صعبة، لكنه ينجح حتى الآن بتقديم حلول يمكن القول أنها في الاتجاه الصحيح، والغريب في الأمر أن النشاط الروسي يعمل ضمن ظرف استثنائي هو التردد الأمريكي حينا، والمعارضة الأمريكية حينا آخر، أي أن النشاط الروسي غير منسق بشكل كامل مع الجانب الأمريكي الذي يترقب الأحداث في سورية ويتدخل بشراسة إذا لزم الأمر.

الحديث عن استقرار سورية في ضوء هذه المعطيات يترافق حكما مع إجراءات على الأرض في سياسة الدولة السورية داخليا ، مع تحييد الجانب السياسي مؤقتا. وأهم هذه الإجراءات التي يترقب السوريون نتائجها باهتمام :

أولا : طرح مسألة إعادة الإعمار، والشروع بوضع خطط على هذا الصعيد، والخطط تترافق مع وضع أسس أبرزها الاتجاه إلى إفساح المجال أمام الدول الصديقة (فقط) للمساهمة في هذه المسألة والاستثمارات المتعلقة فيها. ويلاحظ أن الجانب الروسي طرح مؤخرا على الأوروبيين موضوع المشاركة في إعادة الإعمار وكأنه يريد القول إن على الغرب تغيير منهجه المتعلق بسورية والمعنون بأصدقاء الشعب السوري والذي عزف على إسقاط الدولة السورية وبناء دولة جديدة.

ثانيا: التحولات التي تجري في القوى السياسية المعارضة والمجموعات المسلحة المنضوية في اتفاقات أستنة والتي سعت إلى توحيد صفوفها في فترة سابقة كمعارضة موحدة ، واتجاه هذه التحولات إلى الاعتراف بالدولة السورية وانتقاد المرحلة السابقة في اللجوء إلى السلاح ضدها ، ويؤسس هذا المعطى لمفاهيم جديدة تتعلق بالحل وتتطلب تفهما من قبل الدولة السورية .

ثالثا : اتجاه الحكومة السورية، ورغم الإنهاك التي يتسم به أداؤها ، إلى سد الثغرات في المناطق التي عادت، ويمكن الانتباه إلى مايجري في مشاريع الري والكهرباء والزراعة والصناعة في مناطق محتلفة تبدأ من دير الزور وضفاف بحيرة الأسد الجنوبية الغربية وصولا إلى الجنوب السوري.

رابعا : التركيز على مرجعية المؤسسات وإعادتها للعمل سريعا رغم الظروف السيئة (في بعض المناطق لايوجد مقرات صالحة لإعادة تنشيط هذه المؤسسات) بحيث يجد السكان أن الحل الوحيد في النجاة من الحرب السورية هو العودة إلى الدولة التي سعت الحرب إلى إسقاطها بكل رموزها وهويتها السياسية .

خامسا: تنشيط سياحي داخلي شجاع أثمر عن اتجاه السكان إلى فرض أمر واقع (انفراجة) يعيد سمات الحياة الطبيعية إلى مختلف المدن السورية وخاصة العاصمة.

وهناك مسائل أخرى يمكن ملاحظتها، إلا أن النقطة التي ينتظرها الجميع ، والتي قد تعيد المسألة إلى البداية تتعلق بالشأن السياسي الذي تتجه إليه البلاد، وطبيعة التوجهات التي تؤسس لسورية مابعد الحرب، ويمكن القول بصراحة أنه لايوجد قوى على الأرض مؤهلة لهذه المرحلة، حتى الآن على الأٌقل ، ولا يعمل على هذا الصعيد سوى الدولة ، وماينتج عن النشاط الروسي المنتظر في اجتماعات أستنة وسوتشي التي قيل أنها ستكون موحدة في منتصف الشهر القادم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى