هل يحاول ترامب الهروب إلى الأمام في سوريا؟

التهديدات الأميركية التي تأخذها موسكو على محمل الجدّ، تتخذ ذريعة استخدام السلاح الكيماوي في دوما لحشد العواصم الغربية في التصعيد ضد روسيا وإيران، لكن أزمات انحدار تحالف واشنطن في سوريا وتراجع تأثيره الإقليمي والدولي أمام طهران وموسكو، قد يكشف عجزه عن خوض غمار الحرب تهويلاً بالعدوان لتغيير المعادلات.

ذريعة السلاح الكيمائي في دوما، سبقتها قليلاً ذريعة مماثلة أثناء تقدّم الجيش السوري وحلفائه في الغوطة الشرقية، لكن انسحاب المسلّحين وكثيراً من المدنيين إلى مناطق تسيطر عليها تركيا والمعارضة، لم يكشف قبله وبعده عن دلائل إصابات مزعومة. وتوقفت آلة التحريض التي وصلت إلى الأمم المتحدة في ذروتها، وقد يكون دونالد ترامب قد قطعها عن غير قصد في إعلانه نيّة الانسحاب من سوريا إذا لم تدفع السعودية ودول الخليج الأخرى التكاليف وخدمات الديون.

لم تكن معركة دوما القصيرة الأمد وسهولة استعادتها من “جيش الإسلام”، تتيح الوقت الكافي لصناعة آلة تحريض كيماوي على مستوى الانطلاق والانتشار، لكنها أتاحت استعادة زخم الآلة السابقة في الدوائر الغربية والخليجية التي تلقفتها في محاولة للتأثير على تداعيات تحرير الغوطة الشرقية وانتقال سوريا وإيران وموسكو إلى ما بعد الأزمة في سوريا على المستويين الإقليمي والدولي.

دونالد ترامب الذي يضيق عليه خناق الاتهامات الداخلية في مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي منزل ومكتب محامي ترامب الخاص، مايكل كوهين، أخذت تطنّ في أذنيه صرخات المحافظين الجدد ضد فكرة الانسحاب من سوريا. وهي الصرخات التي يغذّيها في البيت الأبيض جون بولتون وفي وزارة الخارجية مايك بومبيو.

وعلى مدى الأيام الماضية تجنّدت مقالات المحافظين الجدد في معظم وسائل الإعلام المؤثرة مثل “واشنطن بوست” و “نيويورك تايمز” و “يو أس آي توداي” أو موقع “بلومبرغ”، لحثّ ترامب على الاستمرار في سوريا وعدم إخلاء الساحة إلى روسيا وإيران، بحسب تعابير خلاصة الدعوات. لكن ترامب يبدو أنه حظي أيضاً بمأربه من وعود من أموال السعودية والإمارات التي تكثّفت الاتصالات معها، ومن قطر التي زار أميرها واشنطن وتوافق مع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس على العمل معاً “لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة”.

الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يتعثّر في رضوخ الحركات الاحتجاجية لما يسميه “الإصلاحات والتحديث”، ولا سيما في قطاع السكك الحديدية القوي، يحاول أن يصبغ نفسه بما يسميه “الحضور القوي” في الملفات الخارجية، حيث يشبّه نفسه بنابليون بونابارت. فهو قد ساهم في إنشاء حلف مقدّس مع تيريزا ماي في مسألة الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال لمجرد ترجيح مسؤولية موسكو بحسب تعبيره. ولمجرد ترجيح مسؤولية النظام السوري في كيماوي الغوطة، ترد تيريزا ماي التحية بأحسن منها في “العمل مع الحلفاء والشركاء” كما أوضحت في الدعوة لاجتماع مجلس الأمن القومي البريطاني.

مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يعلن عدم استطاعة الأمم المتحدة تأكيد ملابسات هجوم كيماوي في دوما، ويدعو إلى دخول بعثة تقصّي الحقائق في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، كما دعت موسكو ودمشق اللتان تعهّدتا بتأمين وصول البعثة.

وفي تعليقه على التقارير الصحافية يقول ستافان دي مستورا “لسنا في وضع يمكننا التحقق من صحة تلك التقارير”. وهو ما أعلنه الناطق باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ينس لاركي، وكذلك الناطقة باسم منظمة الصحة العالمية فاضلة شعيب.

قد لا تتمكن هذه الدعوات والتعهّدات الروسية والسورية لتسهيل عمل بعثة التحقيق وكشف الملابسات، من قطع الطريق على التهويل بالعدوان، فالجموح للهروب إلى الأمام في التهويل، سببه مراهنة حلفاء واشنطن على استعادة الحضور أملاً بالشراكة في تقرير مستقبل سوريا والمنطقة، ولا يتصل بمعرفة ملابسات الكيماوي التي قد تنقلب على صانعيها. لكن ربما يتحوّل التهديد نفسه من مأزق الهروب إلى الأمام إلى أزمة تفضح عجز تحالف واشنطن عن الحرب لتغيير المعادلات.

ما وصفته نيكي هايلي باستعداد واشنطن للرد إذا لم تردّ الأمم المتحدة، يبدو أنه يعوّل على صواريخ توماهوك في المدمرة “دونالد كوك” التي غادرت ميناء قبرص باتجاه سوريا. وربما ينضم إليها مدمّرة أخرى وشركاء من الطائرات الفرنسية والبريطانية التي قامت بالعدوان المشترك على الرقّة. وقد يصيب عدوان هذه الأسلحة بعض المنشآت الرمزية كوزارة الدفاع، كما ألمحت واشنطن سابقاً، وقد يزهق بعض الأرواح. لكن الصواريخ والطائرات التي يمكن أن تشارك في العدوان إذا طغت أحلام المغامرة على عواصم تحالف واشنطن، معرّضة لإسقاطها وتدميرها ومعرّضة لكسر الهيبة التي يطرحها زعماء الدول الغربية على محك الاختبار.

رئيس الأركان البحرية في القوات الروسية الأدميرال فكتور كرافتشينكو يستخلص من تصريحات الكرملين ووزارة الخارجية الروسية القول “لا أعتقد أن واشنطن ستجرؤ على مهاجمة سوريا بوجود قواتنا البحرية وإنذار رئيس الأركان”.

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى