واشنطن وطهران.. لعبة وقت على وقع انقسامات أميركية حادة

 

بعد موجة أميركية عالية من التهويل ضدّ إيران، بدأت تتكشف معطيات جديدة تشير إلى انقسامات جدّية داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب حيال التعامل مع المسألة الإيرانية. وتتمحور هذه المعطيات حول نهجين مختلفين، أولهما نهج ترامب نفسه الخائف من الحرب، خصوصاً لناحية تداعياته على مستقبله السياسي. بينما ثانيهما نهج جون بولتون وفريقه الراغب بحربٍ “عقائدية” مع طهران، لها أصولها في المعتقدات المتطرفة التي يعتنقها، والقريبة جداً من الموقف الإسرائيلي ضد إيران. وبين هذا وذاك، يقف مايك بومبيو وزير الخارجية في موقف ثالث، باحثاً عن فرصة مؤاتية لخلافة ترامب في الرئاسة.

وتوحي تفاعلات الأحداث الأخيرة التي شهدتها هذه الأزمة بوجود فروقات جوهرية داخل الإدارة، حيث تشير معظم القراءات التحليلية إلى أن ترامب يريد الضغط على إيران اقتصادياً ومحاصرتها في محيطها الحيوي جيوسياسياً، ومحاصرة حلفائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وتجنب المواجهة المباشرة معها في الوقت نفسه.

وتستند هذه التحليلات إلى وعود ترامب بالانسحاب من الحروب الخارجية، وتخفيف أعباء واشنطن من الأزمات المنفجرة جول العالم، واستخدام الحلفاء بدلاً من التدخل المباشر، فضلاً عن أن قرار الحرب يحتاج إلى موافقة مستبعدة من الكونغرس في الظروف الحالية، مع عدم إسقاط خيار الحرب من يده في حال تعرضت القوات الأميركية المنتشرة في محيط إيران لهجوم مباشر، أو في حال تعرضت المصالح الأميركية في المنطقة لتهديد مباشر وحقيقي، حيث يمكن للرئيس في هذه الحالة اتخاذ قرار الرد مباشرةً من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس. إلى جانب حساباتها الانتخابية التي يزيد قرب الانتخابات الرئاسية في 2020 من حساسيتها.

وفي هذا السياق، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الخميس عن أن ترامب منزعج مما وصفها بـ”خطط حربية” يرسمها صقور الإدارة (بومبيو وبولتون) لجر أميركا إلى حربٍ، تناقض وعوده الانسحابية من الحروب، وقالت الصحيفة إن اجتماعاً عقده ترامب حول إيران صباح الأربعاء سلط الضوء على “تكاليف الحرب مع إيران”.

معلومات أخرى في السياق نفسه أشارت إلى تحذيرٍ وجهه الديبلوماسي الأميركي دايفيد ساترفيلد إلى القادة اللبنانيين من أي ردة فعل يمكن أن تقوم بها المقاومة في لبنان في سياق التوتر الذي تشهده المنطقة، ودعوته لهم للالتزام بسياسة النأي بالنفس عن قضايا المنطقة.

بينما في الوقت نفسه، رُصدت إشارات في الصحافة التركية تشير إلى مخاوف تركية من أن تكون الخطوات الأميركية لحصار إيران تستبطن حصاراً لتركيا ومصالحها في المنطقة، وصولاً إلى التحضير لمحاولة انقلاب عبر أكرم إمام أوغلو وفتح الله غولن. وهي مخاوف تستند إلى بدء رصد عبور أموال سعودية وإماراتية إلى تركيا، ما يعتبر بداية تحضير الأرضية لتحركات مناهضة لحكم أردوغان.

وفي مواجهة خيار ترامب، يتولى كلٌ من وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون شؤون التهديد بالحرب وجر الأساطيل وتحفيز الحلفاء، والتهويل على القادة الإيرانية لدفعهم مرغمين إلى التفاوض على اتفاق نوويٍ مغاير لمضمون الاتفاق الذي وقعه معهم الرئيس السابق باراك أوباما والدول الخمس.

وبين هذا وذاك، لا تبدو المسألة أنها مجرد عملية توزيع أدوار متقنة تدار من قبل واشنطن حيال المسألة الإيرانية، بل إن الخلافات المتّسعة بين المواقف داخل الإدارة نفسها تنعكس في التطورات اليومية وفي تصريحات المسؤولين.

ووفق هذا المنطق، فإن الهدف المركزي لهذه الأدوار المتمايزة هو حصار إيران وخنقها اقتصادياً لتحقيق إحدى نقطتين: إجبار إيران على التفاوض، وتالياً تجميد برنامجها النووي وتغيير سلوكها الداعم لحركات المقاومة في المنطقة، وهو خيار ترامب الذي يعمل من اجله. بينما النقطة الثانية وهي إسقاط النظام في إيران من خلال خنقه اقتصادياً وترويع الإيرانيين لإضعاف إيمانهم بمشروع بلادهم الوطني الثوري، أو من خلال عمل عسكري مباشر، وهو خيار بولتون ويميل إليه بومبيو.

وحول هذه النقطة الأخيرة، فإن انزعاج ترامب من تصريحات مسؤولي إدارته حول النية بإسقاط النظام الإيراني يأتي من باب محاولة الحؤول دون تحشيد الإيرانيين خلف قيادتهم فيما لو أعلن الهدف العلني وهو استهداف بلادهم بصورةٍ مباشرة. ومن جهة أخرى منع إيران من استخدام أوراقها القوية في اتجاهين. الاتجاه الأول، تعطيل أوراق القوة الذاتية من ترسانة تسليح طورتها طهران على مدى سنوات من الاعتماد على الذات، بسبب الحصار المتواصل الذي منعها من الاستفادة من التعاون مع دول العالم المنتجة للتقنية بصورةٍ طبيعية. بينما يتضمن الاتجاه الثاني النفوذ الإيراني في المنطقة والذي يشمل مجموعة من الحلفاء في محور المقاومة، الذين بدورهم يمتلكون أظافر حادة قادرة على إصابة المصالح الأميركية إلى حدٍ موجع، في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها.

أما إيران، فمن خلال رصد تصريحات كبار مسؤوليها تبدو حذرة في ردها، وهي تتصرف على أساس أخذ كل الاحتمالات بجدّية. يصرح قائدها الأعلى السيد علي خامنئي بأن الحرب لن تحدث. وفي الوقت نفسه يقول قائد الحرث الثوري العميد حسين سلامي إن بلاده “على شفا مواجهة شاملة مع العدو” وان المرحلة “مصيرية”.

كل هذا يشير إلى أن اللعبة في أولها. أوراق القوة كثيرة وموزعة اللاعبين، وهي متنوعة إلى ردجة لا يمكن توقع نتيجة أكيدة لها. لكن الوقت قد يكون العامل الأكثر تأثيراً لانتصار أحد الطرفين. ترامب يراهن عليه لرؤية انهيارات مفاجئة في طهران، بينما يراهن الإيرانيون عليه لرؤية لزيادة الشرخ في الإدارة الاميركية قبيل الانتخابات. فيما يزداد توتر بولتون وفريقه الذي يخسر وقتاً ثميناً من دون أن يتمكن من إشعال الحرب.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى