شرفات

تشابه أسماء : اللهم مرة واحدة تكفي!

لا أعرف ما الذي دفعني لأرتدي طقم العرس الأسود، وربطة العنق المذهبة التي توحي بأنني أحد الأثرياء المستجدين في هذا البلد، والجميع يعرفون أنني تزوجت قبل تفجيرات نيويورك بنصف عقد من الزمن، وإلا فأنا لا أستطيع شراء طقم أسود وربطة عنق مذهبة !

ركبت سيارتي السوداء، وكان المطر قد أزال عنها ماتراكم من غبار وأوساخ، فإذا بي أبدو كمسؤول من مسؤولي هذه الأيام : طقم أسود وسيارة سوداء وحذاء لميع وربطة عنق مذهبة !

وفي ذلك اليوم كنت قد حلقت ذقني، ومشطت شعري إلى الخلف، فإذا أنا من أباطرة هذا الزمن، الذين يثيرون الانتباه .

وفجأة حصل ما حصل !

ــ هوب . وقّف عندك !

حاجز!

وأنتم تعرفون ماذا يعني الحاجز، وأنا أخاف من خيالي، فكيف من الحاجز!

توقفت عنده، ورميت التحية مبتسما، فحدق بي العنصر بفراسة الأعراب أيام زمان، ثم تراجع نحو الخلف ورمق السيارة بإعجاب، وعلى الفور التزمت النظام كأي مواطن صالح، وأخرجت هويتي، وقدمتها له، فأخذها مبتسماً، وكأنه يعرف اللعبة ، قرأ اسمي في الهوية، وهز رأسه ، وقال :

ــ هذه اول مرة يُستجاب لدعائي، تصور منذ الصباح وأنا أدعو الله أن يجمعني بك، وهاقد جمعني بك !

سقط قلبي من مكانه ، فأنا لم أخرق النظام أبداً، ولست مطلوبا لأي حاجز، بدليل أنني مررت قبل يوم واحد فقط على ثلاثة حواجز، ولم يسألني أحد أي سؤال ، وخمنت : ” هذه المرة راحت عليّ!” .

همستُ  في سري:

ــ اللهم لا أطلب منك رد القضاء، ولكن اللطف فيه .

وسألته :

ــ خير ؟

هز راسه بدهاء ، وقال :

ــ لا تخبي حالك أستاذ !

ــ معاذ الله ، فأنا أعطيتك هويتي ، وكل شيء واضح فيها!

ــ نعم كل شيء واضح، من قال لك أن الأمور ليست واضحة !

وتغير حديثه فجأة :

ــ يا أستاذ .. مالنا غيرك . بيدك الحل والربط !

دُهشتُ، فما الذي أوقعني بهذا الحاجز؟ وماذا يقصد من كلامه؟ فإذا به يقترب من النافذة ، ويهمس بتودد ظاهر:

ــ أعرف أنك سيادة الوزير !

بلعت خوفي، وحلَّ بدلا عن الخوف نوع من القلق ، فعلقت على كلامه :

ــ أي وزير ؟!

قهقه رجل الحاجز، ثم عاد إلى الهمس :

ــ دخيلك يادكتور ، معاملة أخي عندك، ولا تحتاج إلا إلى توقيعك !

ضحكت ، وقلت له :

ــ فهمت . بسيطة ، بسيطة ..

وسألته :

ــ هل الطلب معك ؟!

أخرج طلبا من جيبه، وبسطه أمامي، ورجاني أن أوافق على تعيينه . فقرأت الطلب، وهمست في أذنه :

ــ يحتاج إلى طابع وصورة هوية وتسجيل بالديوان!

ردد باحترام :

ــ حاضر . حاضر.

فقلت له :

ــ أرسله إلى مكتبي ، وأنا أتابع الموضوع ، ولكن قل له أن يخبرني أنه شقيقك ، ألست أنت مسؤول الحاجز ؟!

فرد بفرح :

ــ نعم . نعم .

وهنا طلبت منه بسعادة :

ــ أرجوك دعني أمر ، لقد تأخرت على الوزارة !

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى