تنازل عن الخصوصية أم التزام بالعالمية

الحفل الرئيسي لمسابقة جمال الكون، تشاهده أكثر من 200 دولة عبر الأقمار الصناعية وكل وسائل الاتصال الأخرى في العالم.. أي أنه يضاهي ويفوق أكثر الأحداث والاحتفاليات تأثيرا وأهمية في حياة البشرية من حيث الأبعاد السياسية والاجتماعية والرمزية والثقافية، فلا تضاهيه، لا جوائز نوبل ولا معالجة الكوارث البيئية و لا حتى الانتخابات الأمريكية، بل أنّ هذه الاحتفاليات والتظاهرات نفسها، أصبحت تستثمر المتوجات على عرش الجمال في سبيل أن تعطي لنشاطها زخما إعلاميا وهالة دعائية، ولعلّ خير دليل على ذلك هو المرشح الحالي للرآسة الأمريكية، ملياردير العقارات الأميركي رونالد ترامب، مالك الشركة المنظمة لمسابقة ملكة جمال الكون.

تاريخ الاحتفاء بالجمال قديم قدم الحضارات البشرية، وتمجيدها لفكرتي الخصوبة والديمومة، ففي أسطورة عشتار الفينيقية الي تقول إحدى صلواتها ” أيتها المخصبة لأرحام النساء وخيال الشعراء ” أي أنّ الخصوبة لم تكن هي وحدها المرتبطة بعملية الإنجاب، بل بشيء أرقى من ذلك، وهو عملية الإبداع بمفهومها الشمولي الأرقى.

العرب ـ ومثل كل الشعوب التي ساهمت في الإرث الحضاري للبشرية، وإن كان بدرجات متفاوتة ـ لهم رأيهم (أو آراؤهم) في مسألة الجمال و”مؤسسته ” أيضا، ذلك أنّ مسابقة اختيار الفتاة الأجمل، قديمة ولا يمكن حصرها في تاريخ أو بلد معينين، لكنّ الثابت في عصرنا الحديث أن هذه التظاهرة قد أخذت شكلها الرسمي والاحتفالي للمرة الأولى في المملكة المتحدة من قبل ايريك مورلي عام 1951 ، وحاليا زوجته جوليا مورلي، هي الرئيس المساعد لمؤسسة ملكة جمال العالم، والتي تعقد سنويا في إحدى مدن العالم بمشاركة فتيات من مختلف مناطق العالم كما تشارك دول من العالمين العربي والإسلامي مثل مصر ولبنان وتركيا وماليزيا واندونيسيا.

أمام التحفظات التي تسببت في تعثر حضور بلاد عربية كثيرة في هذه التظاهرة العالمية، نظمت أول مسابقة رسمية لملكة جمال العرب بأمريكا عام 2010 ، والتي قام بتنظيمها رجل الأعمال المصري أشرف الجمل بولاية أريزونا الأمريكية ، والتي وصفت كونها ذات طابع ثقافي يبعد بكثير عن مسابقة ملكة جمال العالم المعروفة ، حيث لم تتضمن مسابقة ملكة جمال العرب أي مقايس موضوعة مسبقا لجمال الجسد أو مواصفاته وكذلك لم يكن بها مسابقة لملابس الأستحمام ، وإنما تميزت بالتركيز علي الثقافة العامة والشخصية واللباقة وحسن المظهر. وتقام المسابقة سنويا خلال شهر أكتوبر من كل عام.

توالت محاولات تنظيم مسابقات للجمال في العالم العربي مع مراعاة الخصوصية الثقافية والتقاليد الاجتماعية والضوابط الدينية، فمنذ ما يقارب العام، أطلقت آية محمود التي تعمل في مجال تصميم أزياء المحجّبات، دعوة إلى السيّدات في مصر لتتويج أجمل فتاة محجّبة بلقب الملكة، في مسابقة تشارك فيها الفتيات على غرار ما يقام في مسابقات ملكات الجمال. وقد لاقت هذه الدعوة إقبالاً كبيراً من قبل الفتيات والسيّدات في مصر. وعلى الرغم من أنّ المسابقة تهدف إلى لفت نظر السيّدات إلى جمال الملابس الواسعة والحجاب الطويل الذي لا يظهر الشعر أو الرقبة، كما ترتدي الكثير من الفتيات في مصر، فإنّ الدعوة قوبلت بهجوم من السلفيّين، الذين اعتبروها أحد مظاهر التبرّج، وكذلك لاقت هجوماً مماثلاً من العلمانيّين الذين انتقدوا الإعلان عن المسابقة قائلين: “كيف تغطّوا زينة المرأة”، في إشارة إلى الرأس.

لبنان، البلد العربي الأكثر فاعلية ومشاركة في مسابقة ملكة جمال الكون، وقد سبق له أن نال تتويجا عالميا بفضل جورجينا رزق، يشهد اليوم سجالا حول فكرة ارتداء المايوه، وقد اعترض العديد من متتبّعي مسابقات الجمال العالمية على الفكرة، مؤكّدين أنهم لن يشاهدوا مسابقة ملكة جمال العالم بعد اليوم، وتسلّحوا بضرورة تمتّع المرأة بلياقة بدنية وجسمٍ جميل، فيما دعم قسمٌ آخر خطوةَ إلغاء “البيكيني”، لأنها تجعل العالم يركّز على جمال المرأة الداخلي وعلى ثقافتها وإنجازاتها ورؤيتها، واعتبروا أن لباس البيكيني يدفع النساء إلى الاستعانة بالجراحات التجميلية للحصول على شكل جسم معين، حتى لو بدا مزيّفاً.

وأوضحت المنظّمة المسؤولة عن تنظيم المسابقة لمتتبّعيها أنها تسعى إلى عدم التركيز على مواصفات المرأة الجسدية، لكنها لن تغفل أجسام المتباريات كلياً، مؤكدةً أنها ستحوّل عرض “البيكيني” إلى عرض ألبسة بحر، تختلف هذه الأخيرة عن البيكيني بأنها ألبسة قد تتضمن التنانير والقُمصان الضيقة والفساتين الصيفية، ما يحوّل عَرض لباس السباحة، إلى منافسة في الموضة.

عرض جمال الأجساد لا يغفل ـ وإن كان بطريقة أقل ـ الجوانب المعرفية والميولات الإنسانية للمتسابقات، فقد أوضح رئيس إدارة مسابقة ملكة جمال لبنان ريشار فرعون أن منظّمة ملكة جمال العالم بدأت منذ عدّة سنوات بالطّلب من المتباريات في مسابقتها فيلماً قصيراً عن أهدافهنّ، تعرض فيه الملكة أهدافها وقضيتها التي ستعمل لأجلها، ويؤكد أن مسابقة ملكة جمال العالم تركّز بشكلٍ أوّلي على أعمال ملكة الجمال في وطنها، وعلى أن مشاريعها الخيرية تجري مسابقات صغيرة قبل المسابقة الأساسية الأخيرة، ومنها ومسابقة تخص هدف الملكة وقضيتها.

تنوعت وتطورت الأذواق في تقدير الجمال الأنثوي فبعد أن كان يعد المجتمع في الماضي المرأة الممتلئة هي الأجمل، أصبحت الرشاقة وحتى النحافة الزائدة في بعض الأحيان هي رمز المثالية لدى المرأة العصرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى