كتب

توسان لوفرتور… أو سبارتاكوس الأسود محرِّر هاييتي

 

لا شك في أنّ كثيراً من القراء سمعوا باسم سبارتاكوس الذي قاد ثورة «العبيد» في الإمبراطورية الرومانية. انتفاضة انتهت بهزيمتهم وقتل قادتهم. وفي ظني أن بعض القراء سمعوا عن ثورة الزنج في جنوبي العراق، وثورة الرقيق في مكة، لكن في ظني أنّ قلة سمعوا عن «بطل» هذا المؤلف الموسوعي واسمه توسان لوفرتور الملقب بسبارتاكوس الأسود، الذي قاد ثورة على نظام العبودية في هاييتي وقادها نحو الاستقلال عن فرنسا. ويُروى عن الإمبراطور نابليون قوله إبان نفيه في جزيرة سانت هِيلِينا: «جوزفين هي التي جعلتني أفعل ذلك. هذا أكبر خطأ ارتكبته عندما كنتُ حاكماً. كان يجب أن أبرم صفقة معه وأن أسميه نائباً لملك سان دومينغو (سُميت هاييتي لاحقاً – ز م)». بالمناسبة، اسمه الأصلي هو توسان بريدا نسبة إلى إقطاعية السُّكَّر التي وُلد فيها.

سبارتاكوس الأسود أو الملوّن هذا، أثّر في مجموعة من قادة العالم الثوريين وفي مقدمتهم الرئيس الكوبي الأسطوري الراحل فيدل كاسترو، إضافة إلى حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة ومجموعة من الحركات الثورية ضد الاستعمار. كما أثّر كثيراً في كاتب «سبارتاكوس الأسود: حياة توسان لوفرتور الملحمية» (ينغوين ـ 2021) سودهير هازارسينغ المؤرخ البريطاني وبروفسور تاريخ محاضر في «جامعة أوكسفورد»، وهو من أصول المارتنينيك، ووُلد في المستعمرة الفرنسية السابقة موريشيوس. إذ قال المؤلّف إن عقبات عديدة واجهته عندما بدأ بكتابة هذه السيرة، خصوصاً في ظل عدم توافر أي وثائق موثوقة تربطه بأي أحداث أو مجموعة أو مشاعر معيّنة قبل عام 1791، وكثير مما أعلنه هو عن نفسه لاحقاً كان من الواضح أنه كان متسقاً مع وضعه كقائد ثوري فرنسي بارز.

كانت تسكنه رؤية سياسية – رؤية جمهورية متحمّسة – وكان ملتزماً تماماً بمثل الأخوَّة قبل أن يتمكن من تحويل رؤيته إلى حقيقة. كان عليه أن يقاتل من أجل إسبانيا، التي أعلنت الحرب على فرنسا بعد إعدام لويس السادس عشر عام 1793. وصرّح ذات مرة: «أنا توسان لوفرتور، ربما سمعتم باسمي. أنتم تعلمون، أيها الإخوة، أنني قمت بالانتقام، وأنني أريد الحرية والمساواة أن تسودا في سان دومينغو».

يقول الكاتب: «لقد استفدت بالكامل من أرشيف توسان، بما في ذلك رسائله وتقاريره وخطبه. تتمثل أكبر مساهمة لمؤلفي في أنه يعطيه صوتاً مرة أخرى من خلال تحليل طريقة تفكيره، وتسجيل تعابيره المفضّلة وحسّ الدعابة والقوة لديه. كما تكشف الوثائق الأرشيفية أشياء جديدة ومهمة عن أفعاله وأفكاره، ولا سيما استراتيجيته العسكرية، ونظام الحكم المحلي الذي صاغه، وعلاقاته مع المبعوثين الفرنسيين، وسياسته الخارجية، وفكره الدستوري. كما أني ألقيت الضوء على دوره في ثورة 1791، وهو الموضوع الذي قسم المؤرخين حتى الآن». كما تحدّى الكاتب «الروايات الفرنسية القياسية للثورة الهاييتية [و] إلغاء الرق، التي عادة ما صورت تلك الأحداث على أنها نتاج «الرياح المحفّزة» للثورة الفرنسية». الأدلة التي في متناول اليد تظهر الدور المركزي الذي أداه التمرد المسلح في الحصول على الحقوق، ويقترح أن توسان كان مؤيداً قوياً لقضية الإلغاء منذ البداية، في حين اعتبره بعض المؤرخين متردداً بسبب وضعه «المتميز» في مزرعة برِدا. تفكيره كان متقدماً على تفكير حاشيته ومعاصريه، ومفهومه للأخوّة أكثر راديكالية بكثير من مفهوم الثورة الفرنسية لأنه تضمن المساواة العرقية مساواة كاملة، ولن تدرك فرنسا رؤيته للحكم الاستع ماري حتى منتصف القرن العشرين».

أدّى الشعور بالقدرة المطلقة إلى أن ينجرف توسان إلى السلطوية في نهاية حياته حيث حظر عبادة الفودو، وذهب إلى حد حظر الطلاق ومطالبة العسكريين بطلب الإذن منه قبل الزواج.قال أحد النقاد: «نعم، لقد تم نصب تماثيل توسان في فرنسا وتم دفنه في البانتيون في عام 1998. هذه السيرة الذاتية الملوّنة تشيد بالجمهوري الذي مات من أجل مثله العليا وكشف مبادئ التنوير في الحرية والمساواة والأخوّة إلى الأم التي لم تكن ممتنّة للغاية لذلك».

يكتب الكاتب البريطاني الموريشي سودهير هازارسينغ سيرة رائعة من غابة الوثائق الأرشيفية، خاصة رسائل توسان الخاصة ويثبت أن حياته وإنجازاته لم تكن ثورية فحسب، بل كانت أيضاً رحيمة وإنسانية وأخوية ومحترمة من قبل جميع مجتمعات محبوبته سان دومينغو.

يخلص الكاتب إلى أنّ «سبارتاكوس شكّل مصدر إلهام لعصرنا»، واستعرض نقدياً الكيفيّة التي تناولت شخصيته في مختلف الأعمال الأدبية.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى