نوافذ

ثرثرة حب

“الإنجاز الأسمى للغريزة هو…الحب”

________________________________________

جزء من الحب يمكن تسميته “اللجوء” وهو الذهاب إلى شخص، والطلب إليه أن يقبل اللجوء إليه، لأنه يحبه، ويقول له هذه الجملة: “أنا أحتاجك لأني أحبك. ولا أحبك لأني أحتاجك”.

ولكن الكتاب المفضل، لدى كل هواة قصص الحب، ليس ذلك المؤلف من ألف وسبعمائة صفحة، تراق فيها كميات من الدموع، والقليل من الرحيق… وإنما تلك المنمنات الصغيرة الواقعة بين دغل مشجر وآخر، كعشبة ضئيلة الخلود.

في كل مرة يبحث فيها العاشقون عن أمثولتهم، يدركون أن الولادة من الفم هي للكلام، وللأغنية، وليس لإنجاب دزينة من القصص المؤلمة، المروية في أماكن متفرقة من العالم. لقد أنجزت الحيوانات غريزتها، وهي ثابتة على الدوام بين معلف حبوب وأنثى، بين قطعة من كتف الغزال،وتفرغ ليوم إنجاب كامل. ولكن الإنسان لم ينته بعد من تأليف هذه السيمفونية لتمجيد غريزة الحيوان وإعلائها إلى الدرجات الحنونة من السلم الموسيقي. ولن ينتهي من لوحة العناق.الانسان سيظل يبدع الحب تلو الاخر في نوع من التوسل الى الحرب ، وقد اعجزها استيعاب المزيد من الكراهيه .

حين أجاب طفل عن سؤال أخته الصغيرة: ما هو الحب؟

قال: أنت تأخذين قطعة الشوكولا من حقيبتي كل يوم ، وأنا أحرص على وضع قطعة بديلة في نفس المكان كل يوم…هذا هو الحب.

أما تلك الام التي بحثت عن قلب ابنها في صدر فتى آخر، بعد أن جرى التبرع به في أحد المشافي… فهي لم تطلب سوى لمسة واحدة على الصدر الذي يؤوي القلب الذي ينبض في مكان آخر. ليس هناك، بالطبع إمكانية أخرى للحب، إجرائياً في هذه الحالة، ولكن الأم ذهبت مباشرة أبعد من اللمسة، إلى حديقة البيت وزرعت وردة. وأطعمت فراخ البط بسخاء أكثر.

ولقد سئل الشاعر: ما هو الشيء الذي جعلك تصبح شاعراً؟ قال: مات أخي الصغير، وبعد بضعة أيام اكتشفت أمي آثار دعسات قدميه أمام المنزل. فسيجتها بالأحجار كي لا تمحوها الريح.

ومنذ تلك اللحظة عرفت الحب، وهو البوابة العليا للشعر.

تلميذ فرويد، إريك فروم…يفتش عن الحب في خفايا النفس البشرية…فلا يجده. ثم يكتشفه في أماكن أبسط … أماكن تؤمن به بوصفه إحدى أهم أدوات العيش، وإحدى أهم مفردات اللغة التي تجعل البشر يتفاهموم ويبدعون. وكاد فروم يقول إن الحب بيئة، خيار، إرادة، لغة، مهارة، إتقان، الحب جواهرجي، وسمكري في وقت واحد.

الحب فكرة الغريزة، موسيقاها، لوحتها، الحب لا يسكن السفالة ، إن له جناحين للهرب، من عتبات الانحطاط.

الحب ، على نحو ما ، مهنه .

أما الكلب الإيرلندي، الذي يتربع تمثاله وسط العاصمة، لأنه بقي ينتظر صاحبه الميت، أربعة عشر عاماً على باب الدائرة التي يعمل بها، وظل كذلك حتى مات…

فهو الحب الصامت الآتي ليس من الغريزة وحسب، وإنما من المنطقة  الملهمة في ذاكرة الحيوان.

أختم ثرثرتي بذاكرة الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، الذي عاش سنواته الأخيرة في دمشق…وأحبها:

ياسورية ما أنت غير خريدةٍ

قد أكثّر العشاق فيك جمالُ

هذا الجمال جرّ عليك مصائباً

إن الجمال على ذويه وبالُ

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى