جملة اعتراضية لمـاذا يـقـتـل مـرسـي المــصــــــريــيــن؟ (علاء الاسواني)

علاء الاسواني

لا يستطيع محمد مرسي أن يزعم أن الملايين الذين يطالبون بإسقاطه هم فلول نظام مبارك أو ليبراليون ويساريون معادون للإسلام السياسي. الحق أن أصوات «الإخوان» قد عجزت وحدها عن إنجاح مرسي في انتخابات الرئاسة، والذين أوصلوه الى مقعد الرئاسة في الجولة الثانـية هم ثمانية ملايـين مـصري، كلـهم من خارج «الإخوان»، بالإضافة الى عدد كبير من الثوريين الليبراليين واليساريين الذين قاموا بتدعيم مرسي حتى لا يعود النظام القديم على يد منافسه شفيق.
كل ما يتردد عن مؤامرة ليبرالية يسارية إذاً محض هراء، كما أن تصوير ملايين المعارضين لـ«الإخوان» باعتبارهم فلولا للنظام البائد، كذبة غبية، فلو كان نظام مبارك يملك ملايين المؤيدين لما سقط أصلاً.. كل هذه أساطير يخدع بها «الإخوان» أنفسهم وأتباعهم ليخفوا حقيقة أنهم باتوا مكروهين من الشعب المصري الذي خدعوه وقمعوه وقتلوه.
في اليوم التالي لتنصيبه رئيساً دعا مرسي القوى الثورية الى اجتماع في القصر الرئاسي، حضرته، فوجدت ممثلين لكل أطياف العمل الوطني من أقصى اليسار الى أقصى اليمين. أثناء الحوار الذي دار بيننا قبل لقاء مرسي، لمست عند الجميع، بلا استثناء، تفاؤلاً بأول رئيس مصري مدني منتخب واستعداداً صادقاً لمساعدة الرئيس، حتى ينجح وتتحقق نهضة مصر على يديه. لكن الرئيس مرسي انحدر الى الفشل بسرعة لم يتوقعها أنصاره وخصومه على السواء. بعد أسابيع قليلة فوجئ المصريون بأن مرسي رئيس منتسب غير متفرغ، رئيس غائب عن الواقع منفصل عن الأحداث، وكأنه خارج لتوه من مغارة، أو كأنه يعيش في واقع افتراضي ذهني بعيد عن الحياة اليومية. اتضح للجميع أن مرسي ليس صاحب قرارات الرئاسة وإنما تأتي إليه من مكتب الارشاد معدة سلفاً ليفض غلافها ثم يقرأها وكأنها صادرة عنه. اكتشف المصريون أنهم لم ينتخبوا رئيساً لمصر وإنما مندوباً لـ«الإخوان المسلمين» في الرئاسة.. هناك فيديو وصورة يعبران عن هذه الحالة. الفيديو يصور بعض «الإخوان المسلمين» وهم ينحنون على الارض ليتسابقوا من أجل تلبيس مرشد «الإخوان» حذاءه، بينما يقف فضيلته ماداً قدمه الكريمة لأتباعه حتى ينجزوا مهمتهم الجليلة.. وصورة نرى فيها مرسي وهو يشب على قدميه ليقبل رأس خيرت الشاطر (حاكم «الإخوان» الفعلي). هكذا هي علاقة مرسي بمرشده بديع ورئيسه الشاطر. خاب أمل المصريين في رئيسهم المرؤوس، ثم تضاعفت خيبة الأمل عندما بدأ الرئيس يتنصل من وعوده واحداً تلو الآخر. لا يتسع المجال هنا لاستعراض وعود مرسي الزائفة، فقد تعود على أن يعد ولا يفي بوعوده وهو لا يخجل إطلاقاً من أن يقول شيئاً ويعمل عكسه.. ثم اكتشف المصريون أن مشروع النهضة التي طنطنت له آلة «الإخوان» الإعلامية ليس إلا كلاماً في الهواء. فقد مرسي مصداقيته بسرعة بالغة وشيئاً فشيئاً اتضح المشهد: «الإخوان» ومن ورائهم السلفيون والإرهابيون التائبون (الجهاد والجماعة الإسلامية) لا يعتبرون وصول مرسي للحكم فوزاً ديموقراطياً بمنصب الرئيس، بل هو في رأيهم نصرٌ إلهي على أعداء الإسلام (الذين هم بقية الشعب المصري)، وبالتالي فقد قرروا استعمال الديموقراطية باعتبارها سلماً خشبياً يصعدون به الى السلطة ثم يركلونه بعيداً حتى لا يلحق بهم أحد.
إن ما يسعى «الإخوان» لتحقيقه هو ببساطة إعادة ترتيب أوضاع الدولة المصرية بحيث يظلون الى الأبد في الحكم، وهم يريدون استعادة الخلافة الإسلامية. هنا يكفي أن يقرأ الانسان قليلا عن الفظائع التي ارتكبها الاحتلال العثماني لمصر والجرائم الوحشية التي قامت عليها الدولة الأموية والدولة العباسية ليعرف ان الحكم الاسلامي الرشيد، طيلة 15 قرناً، لم يوجد إلا لمدة 31 عاما (29 عاماً للخلفاء الراشدين وعامان لعمر بن عبد العزيز).. الخلافة الإسلامية فـكرة قد تكون جــميلة لكنها قطعاً غير قابلة للاستعادة لأنها لم توجد أساساً. لكن مشايخ الاسلام السياسي يحشدون أتباعهم تحت شعار الخلافة، مستغلين جهلهم بالتاريخ وعواطفهم الدينية الجياشة. الخلافة الاسلامية مثل طواحين الهواء التي حاربها دون كيشوت في رواية سرفانتس، وهو يتخيل أنه يقهر جيوش أعداء وهميين لا يوجدون إلا في خياله.
«الإخوان» إذاً يرتبون للبقاء في السلطة الى الأبد، ولذلك فقد تحول مرسي الى دكتاتور وأصدر اعلاناً غير دستوري ليعطي نفسه صلاحيات مطلقة تمكنه من فعل أي شيء يريده، ودمر النظام القضائي بأن حصن نفسه وقراراته من أية ملاحقة قضائية. وقد سمح مرسي لأتباعه بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا حتى تنتهي اللجنة التأسيسية الباطلة من كتابة الدستور الباطل الذي تم إعداده في مكتب الإرشاد.. سقط القناع عن وجه مرسي فذهب المصريون في احتجاجات سلمية أمام قصر الاتحادية، فإذا بخيرت الشاطر يرسل بميليشياته المسلحة ليهاجموا المعتصمين في «الاتحادية» ويقبضوا عليهم ويعذبوهم ببشاعة. وسقط شهداء من المعتصمين و«الإخوان» ذنبهم جميعاً في رقبة مرسي ورئيسه الشاطر.. تصاعدت المقاومة ضد الدكتاتور الجديد لسبب بسيط: أن المصريين قد قاموا بثورة قدموا خلالها آلاف الشهداء وعشرات الألوف من المصابين، لا يمكن بعد كل ذلك أن يقبلوا استبدال دكتاتور بآخر. على أن استبداد «الإخوان» لا يشبهه إلا فشلهم في ادارة الدولة.. فبعد مذبحة الأطفال في حادثة قطار أسيوط فشل مرسي في اتخاذ أبسط الإجراءات من أجل منع تكرار المذبحة، فتوالى سقوط الشهداء في قطارات الموت ثم ارتفعت الأسعار، واستمر الكساد وظل مرسي يتوسل صندوق النقد الدولي حتى يمنحه قرضاً وقدم الشاطر مشروع الصكوك الإسلامية الذي يؤدي الى بيع مصر لمن يدفع أكثر، وهنا حدثت المفاجأة، فقد رفض مجمع البحوث الإسلامية مشروع الصكوك لأنه مخالف للشريعة الاسلامية، وبرغم ذلك ظل «الإخوان» مصممين على تنفيذ المشروع المخالف للشريعة، التي يتشدقون بها، وهذا دليل على أن الاستمرار في الحكم عند «الإخوان» أهم من الدين ذاته. هكذا انكشف «الإخوان» أمام الشعب بانتهازيتهم وكذبهم وفشلهم وعجزهم، فلم يعد أمامهم إلا القمع. كان الحل أن يستعمل مرسي وزيراً للداخلية، يعيد سياسات حبيب العادلي الإجرامية، ويقتل المصريين بوحشية حتى يعيدهم الى قفص الخوف والإذعان.. من يشاهد قتل المصريين في الأيام الأخيرة لا بد أن يتساءل: هل قتلت اسرائيل خمسين فلسطينياً في يوم واحد؟ هل قتلت اسرائيل الفلسطينيين بالرصاص وهم يشيعون موتاهم الى قبورهم؟ لقد تفوق «الإخوان المسلمون» على إسرائيل في القتل، لكن الفرق أن اسرائيل تقتل من تعتبرهم أعداء إرهابيين، بينما مرسي يقتل مواطنين مصريين، كثيرون منهم انتخبوه للرئاسة، بل واحتفلوا بفوزه، وهم لا يعلمون أن مرشحهم الفائز هو الذي سيقتلهم رمياً بالرصاص…
لماذا يقتل مرسي المصريين؟! الإجابة التقليدية لأنهم يهاجمون منشآت الدولة. ألا يمكن الدفاع عن المنشآت بدون قتل الناس؟ ألا يحدد القانون إجراءات متدرجة للتعامل مع المتـظاهرين بدءاً من قـنابل الغـاز وخراطيم المياه ثم الإنذار وإطلاق الرصاص في الهواء وأخيراً إطلاق الرصاص على أطراف المتـظاهرين حتى يتم منعهم من دون قتلهم؟ هل كان صعباً على ضباط الشرطة أن يصوبـوا بنادقهـم الى أقدام الـناس بـدلاً من صدورهم ورؤوسهم؟! ألا يمكن أن نحافظ على أرواح مواطنين مصريين ثم نقبض عليهم ونحاكمـهم كما يحدث في أي دولة محترمة؟ عشرات الشهداء من المدنيين وشهيدان من الشرطـة سقـطوا في يومين وسالت دماؤهم لتلطخ أيدي «الإخوان» الى الأبد. مرسي يقتل المصريين على أمل إدخالهم في حظيرة «الإخوان» التي عاش عمره فيها، لكن الثورة بددت الخوف الى الأبد. المصريون مهما قتلهم مرسي لن يذعنوا ولن يخافوا…
بعد أن قتل مواطنيه، يخرج علينا مرسي، ليلقي بياناً عقيماً ركيكاً فلا يعتذر عن إزهاق الأرواح ولا يسعى الى اجتياز المحنة التي تسبب فيها، وإنما يرفع إصبعه في وجوهنا مهدداً بالمزيد من القتل. ولا ينسى مرسي أن يشكر رجال الشرطة القتلة، وكأنه يدعوهم الى قتل المزيد من المصريين .المؤسف أن هذه الاستهانة بأرواح المصريين تصدر عن مرسي الذي يقدم نفسه باعتباره رجلاً متديناً يقرأ القرآن ويصلي في الجوامع ويتكلم عن الدين ويطلق لحيته تأسياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لقد أثبت مرسي أن الإسلام الحقيقي العظيم الذي نعتنقه ونعتز به يختلف الى حد التناقض مع الإسلام الذي يتبناه «الإخوان المسلمون».. بعد التهديد والوعيد ينهي مرسي بيانه البائس بدعوة للحوار. ما هو هذا الحوار وما فائدته بعد أن نفذ مرسي تعليمات مكتب الإرشاد كلها فينا بدءاً من تعطيل القانون الى فرض دستور «الإخوان» على مصر كلها الى تزوير الاستفتاء الى القتل المتواصل للمصريين..
علام نتحاور ياأخ مرسي ولماذا؟ ألحق أن مرسي لا يحتاج الى الحوار وإنما الى التقاط صورة للحوار. لقد فقد «الإخوان المسلمون» سمعتهم ومصداقيتهم في الداخل والخارج، وهم يحتاجون الى تزيين صورتهم القبيحة باجتماعات زائفة شكلية يقدمون فيها أنفسهم للعالم باعتبارهم منفتحين على القوى الثورية. يا مرسي، لو أردت إنقاذ نفسك من المحنة التي أوقعت مصر فيها، عليك أولاً أن تعود الى الحق وتلغي الدستور المشبوه الذي فرضته على المصريين بدون إرادتهم. اذا أردت أن تنقذ نفسك من مصير مبارك عليك بمحاكمة قتلة المصريين، سواء كانوا من الشرطة أو الجيش أو المدنيين. لن يتحقق الاستقرار إلا بالعدل ولن يتحقق العدل إلا بإرجاع السلطة الى الأمة التي انتخبتك ووثقت فيك، فانقلبت عليها وعطلت القانون وتحولت الى دكتاتور تمارس أعتى السياسات الفاشية الوحشية من أجل استقرارك في الحكم.
إن الشهداء الذين سقطوا في مدن مصر المختلفة دماؤهم في رقبة مرسي. الغريب أننا نحاكم مبارك بتهمة قتل المتظاهرين، بينما مرسي يرتكب نفس الجرائم، ولا زال يملك من الجرأة ما يجعله يخرج علينا ليهددنا بالمزيد من القتل. يا مرسي أنت وجماعتك تنتمون الى الماضي والثورة تنتمي الى المستقبل. لا أنت ولا رئيسك «الشاطر» ولا مرشدك محمد بديع سيكون بمقدوركم ان تمنعوا المستقبل وتقضوا على الثورة. لقد تواطأتم على الثورة من البداية وكذبتم وعقدتم الصفقة مع العسكر على حساب الشهداء من اجل الاستئثار بالحكم الى الأبد وبأي طريقة.. إقتل يا مرسي المصريين وامعن في القتل، ولكن إعلم ان القتل لن يحميك من مصيرك ولن يقضي على الثورة. رسالتك وصلت يا مرسي وبقدر قتلك للمصريين فإن رد الثورة عليك سوف يصلك قريباً.. أقرب ما تتصور.
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى