جنرالٌ إسرائيليٌّ: الكيان أوهن من شنّ حربٍ حقيقيّةٍ على غزّة لأنّ القيادة تفتقِر لوسيلةٍ “بيع” تكلِفتها للجمهور وانتشار الأسلحة المُتقدمّة بين المنظمات يمنع جيش الاحتلال من حسم الحروب

 

قال الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط غرشون هكوهين، إنّه يمكن رؤية ظاهرة الإحجام المتزايد عن الذهاب إلى الحرب وإلزام القوات البريّة بالقتال في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في إسرائيل، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ المُواطنين، وعلى نحوٍ مُتزايدٍ، يُطالِبون صُنّاع القرار بانتهاج الوضوح الكامِل بشأن الغرض من الحروب التي من المتوقع أنْ تُحارِب فيها جيوشهم، على حدّ تعبيره.

وتابع قائلاً إنّه في مقال نُشر مؤخرًا في المجلة العبريّة “ليبرال” الشهريّة تمّت مُناقشة قضية أنّه في عصر نتنياهو لا يُمكِن لكيان الاحتلال شنّ حربٍ حقيقيّةٍ في قطاع غزة، لأنّه ليس لدى القيادة أيّ وسيلةٍ لـ”بيع” تكلفتها للجمهور الإسرائيليّ.

ولفت الجنرال في الاحتياط، الذي يعمل باحثًا كبيرًا في مركز بيغن-السادات للأبحاث الإستراتيجيّة في تل أبيب، لفت إلى أنّه على الرغم من أنّ إحجام نتنياهو عن الذهاب إلى الحرب قد يكون مرتبطًا بنمطه المثاليّ في صنع القرار، إلّا أنّه يتوافق مع الاتجاه العالميّ، مُضيفًا أنّ كلّ شيءٍ أساسيٍّ قد تغيّر في ظاهرة الحرب، خاصّةً فيما يتعلّق بالقوات البريّة، وهذا الأمر هو مصدر قلقٍ لجميع الجيوش، مُوضِحًا أنّه حتى روسيا تُبدي ضبط النفس في استخدامها للقوات البريّة في سوريّة، كما قال.

ورأى أنّ التغيير له علاقة بعاملين رئيسيين: الحرب البريّة أصبحت أكثر تعقيدًا بسبب التركيز المُتزايد على المناطق السكنيّة المكتظة بالسُكّان وظهور تهديداتٍ جديدةٍ للقوات المهاجمة: الأوّل، الصواريخ المتقدّمة المضادّة للدبابات، المناطق المفخخة بالمتفجرات، والراحة المحصنة تحت الأرض، والثاني من الصعب بشكلٍ متزايدٍ استخدام القوات البريّة لتحقيق هدفٍ استراتيجيٍّ واضحٍ وقابلٍ للتنفيذ، وهذان العاملان متشابكان ويكثفان تقلب القادة بشأن خوض الحرب، قد يعرفون كيفية بدء الحرب، لكنّهم لا يعرفون كيف ستتطوّر أوْ كيف ستنتهي، قال الجنرال هكوهين.

وأردف قائلاً: كان الإحجام عن الذهاب إلى الحرب واضحًا منذ زمنٍ طويلٍ مثل العالم القديم، ولكن في العصر الحديث، مع التغيير في طبيعة الحرب، أصبح أكثر شيوعًا بشكلٍ كبيرٍ، لافِتًا إلى أنّ انتشار الأسلحة المُتقدمّة بين المنظمات شبه العسكريّة غير الحكوميّة (مثل صواريخ كروز في أيدي الحوثيين في اليمن)، جعل كسب الحرب وتحقيق هدفها أقل يقينًا حتى بالنسبة لجيوش القوى العظمى، على حدّ تعبيره.

وأشار الجنرال الإسرائيليّ أيضًا إلى أنّه مع ضعف العلاقة بين القوّات المُشارِكة في ساحة المعركة والنتيجة الإستراتيجيّة المرجوة ، شهدت العقود الأخيرة أيضًا زيادةً في إمكانية فقدان السيطرة على الحرب، على سبيل المثال، تمكّن الجيش الإسرائيليّ من خلال غزو جنوب لبنان والوصول إلى بيروت في حرب لبنان الأولى (1982)، من تحقيق الطرد المرجو لقوّات منظمّة التحرير الفلسطينيّة من لبنان، ومع ذلك فإنّ هذا الإنجاز ذاته خلق الظروف لظهور حزب الله، الذي أصبح القوة المهيمنة هناك، فيما وجد الأمريكيون أيضًا أنفسهم في أفغانستان والعراق يتنافسون مع واقعٍ مُعقدٍ خرج عن نطاق السيطرة تمامًا، قال هكوهين.

وهكذا، تابع، أصبح التحدّي الرئيسيّ هو صياغة هدفٍ واضحٍ للقوة البريّة للمناورة، مُشدّدًا على أنّ المبدأ القتاليّ الأساسيّ للجيش الإسرائيليّ فيما يتعلّق بهدف الهجوم هو: الهجوم يسعى لتغيير الواقع السياسيّ الاستراتيجيّ القائم من خلال فرض السيادة الإسرائيليّة على الأراضي التي تمّ احتلالها، لكن هل هذا الهدف واضح بما فيه الكفاية؟

وأردف أنّ السعي إلى احتلال الأراضي من أجل ضمّها هو هدفٌ بسيطٌ، لافِتًا إلى أنّه في حرب جزر فوكلاند (1982)، التي كانت تهدف إلى إعادة الجزر إلى السيادة البريطانيّة، كانت الصلة بين الإنجاز العسكريّ والهدف السياسيّ واضحة، وهكذا كان تصوّر معظم الإسرائيليين للحرب التي دارت في شهر حزيران (يونيو) من العام 1967، كما أكّد.

لكن، استدرك الجنرال هكوهين، عندما يُعتبر احتلال الأراضي مؤقتًا، تثور أسئلةً حول الغرض منها والفائدة التي يمكن توقعها منها، أوْ كما قال الرئيس السوريّ د. بشّار الأسد: تتمتّع إسرائيل بقدرةٍ تدميريّةٍ كبيرةٍ، ولكنْ لديها قدرة أقل على تحقيق أهدافها العسكريّة، وبالتالي قدرة أقل على تحقيق أهدافها السياسية. نتيجة لذلك، فإنّ إسرائيل تنتقِل من فشلٍ إلى آخر، واليوم لا توجد معركة إسرائيليّة في أراضي الآخرين، اليوم المعركة الإسرائيليّة في الجبهة الداخليّة للكيان، على حدّ تعبير الرئيس الأسد، والذي استشهد بأقواله الجنرال هكوهين.

واختتم مقاله بالقول إنّ التعقيد المُتزايد للوصول إلى هدفٍ عمليٍّ جرّاء الهجوم البريّ يجعل من الصعب للغاية اتخاذ قرار شنّ مثل هذا الهجوم، لأنّه بينما قد يكون السُكّان على استعدادٍ لدفع ثمن الحرب، فإنّهم في الوقت عينه يُطالِبون بالوضوح والاتفاق على السؤال الأساسي: لماذا؟، على حدّ تعبير الجنرال هكوهين.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى