نوافذ

حداثة العنصرية

حداثة العنصرية… “لايمكن تغيير خطوط حمار الوحش” … هي الجملة المعيارية المسكوت عنها لموقف العنصريين تجاه غيرهم. فالعشرون مليون زنجي الذين قتلوا، في محاولة أسرهم كالحيوانات في أفريقيا، بقيت قبورهم في الهواء وفي أسفل المحيط الأطلسي. والعشرون مليون زنجي الذين بنوا المزارع الأمريكية ما زالوا يتوارثون الألم حتى في نظرات بيضاء لبشرة سوداء.

هذان الرقمان حصة أمريكا وحدها من العبيد… وحتى هذه اللحظة لم تقدم اعتذاراً واحداً سوى جملة هامشيه وردت  في قانون إلغاء العبودية قبل نصف قرن.  تلك الأم المفتوك بها، بثرواتها وأبنائها ومستقبلهم ً، وأعني أفريقيا… فمتروكة للفقر، بعد أن فقدت ما يمكن أن يؤخذ منها. وأعطيت استقلالا على خرائب ، ورفعت أعلاما على أنقاض. اما الخامات فهي بقايا منجم.

لقد نفذت أوروبا أيضاً عنصريتها في “تجارات” الملح والعبيد والمعادن، منفذةً فلسفة مؤرخيها وعلماء الأنتروبولوجيا المزيفين فيها الذين يقولون:

“منزلة الأسود من الإنسان كمنزلة الحمار من الحصان… شكلاً وذكاءً.” ومع توالي القرون لم يعتذر أحد أيضاً من أحد ، وظلّت الأم السوداء على حالها:  علم وطني متهتك على أنقاض.

حتى الأمس القريب كان البيض البريطانيون في جنوب أفريقيا ينكّلون بالسود. وفي المنعزلات تسرح فكرة الأبيض عن الحيوان غير الشريك في أرضه إلا لحظة الجرّ للعربة المحملة بالماس من قاع المنجم. إلى أن كان “مانذيلا”، السجين النموذجي في القرن العشرين… الذي، بقوة شعب لا يمكن استمرار عبوديته، استطاع أن يكون رئيساً للجميع… وسامح أعداءه..

…………………….

إن العنصري بدائي. رغم مشهدية المتمدن . فامتلاؤه بمشاعر التفوق والخصوصية تجعلانه قاتلاً وخائفاً ، في آن واحد ، وعندما تسمم القوّة أسلحته يعمم مفهومات سامة عن ضحيته، كأن يقول هتلر عن العرب: “إنهم العِرق الأخير بعد الضفادع” وكان شارون  يقول عنهم: “إنهم صراصير في زجاجة”.

فلسفة العنصري جاءت من مصدري المصادره  والانتهاك : “الأرض وما فيها ، والبشر وما لديهم. الاستيلاء والعبودية. مصدر الثروة وقوة العمل. ” ولم يتردد الاستعمار في إنشاء الكلام عن الفرق بين الألوان. والأجناس والأشكال البشرية… حيث وصل الهجاء إلى لون مسيح أسود صنعه أفارقة على شاكلتهم، بعد دخولهم إلى دين المستعمر بفائض الأذى وصلوات العذاب.

إسرائيل كانت الدولة الثانية في علاقة المصاهرة مع جنوب أفريقيا العنصرية، عندما كان الفصل العنصري في أوجه ويبدو كأنما لا أمل بنهايته… كانت إسرائيل تتباهى بضباطها الذين يدربون هناك فرق الكلاب لمطاردة السود. وكانت جنوب أفريقيا تفاخر أيضاً بكونها مسرحاً لتجارب العمليات الحربية المشتركة النموذجيه ضد مدن محاصرة. ولقد كان سهلاً الوصول إلى قرار الجمعية العامة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية. وذلك في 14 كانون الأول عام 1973 وينطوي القرار على إدانة صريحة للتوأمة مع عنصرية جنوب أفريقيا. إلا أن تقلبات ميزان القوى أدى إلى إزالة هذه التهمة لاحقاً عن الصهيونية وعن إسرائيل (ضمناً) ومع الاعتذار

………….

اليوم… لم تعد العنصرية صفة أسود، أبيض، آسيوي، أفريقي، أوروبي… وإنما أصبح تعريفها: القدرة على التمييز بين البلدان.

وأظن أحد أهم أسماء العنصرية الحديثة هي: الحرب. الحرب التي في جوهرها، التمييز، وشعارها يشبه هذه الجملة :

“الحرب عليكم سهلة  لعشرات الاسباب، من بينها…  أنكم قليلو الأهمية”.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى