نوافذ

حراس الفضيلة

حراس الفضيلة …بعد أن قلت “السلام عليكم” وردّ الاثنان “وعليكم السلام” ناداني أحدهما: يا عم تعال وهات هويتك.

استغربت. ما الذي خطر للشرطي في هذا الموقف؟ قلت ربما ينفذ مهمته بدقة. وربما ليستمتع بالسلطة، وربما ليتسلى.

لكنني ، بعناد قديم آت من رغبة قديمة، عمرها من عمر الأحكام العرفية في بلاد العرب…تلك الرغبة في أن يأتي اليوم الذي يعتبر فيه “كل شخص بريء حتى تثبت إدانته” و “كل شخص حر حتى يعتدي على حريات الاخرين” إلى آخر هذه العائلة المعقدة والبسيطة من الأحلام المتمدنة…

بعنادي هذا قلت لا أحمل هوية. وعندما بدأ يحاصرني قلت: ولست مواطناً من هذا البلد! وهنا أعطيته كل مبررات الشك. ولكنني سألته: لماذا بعد السلام والمرور، وأنا في طريقي العريض المكشوف… خطر لك أن تسألني: قال: “شممت رائحة الخمر منك”!

قلت: هل أنت حارس فضيلة؟ أم إمام جامع، أم مندوب المته ؟ وفي هذا البلد مسموح شرب الخمر.

المهم… بين أخذ ورد، وصلنا إلى المخفر. وكان دائماً ضرورياً الوصول إلى المخفر في حوادث سخيفة لكي، على الأقل، تلتقي بضابط يمكن أن يرى الحجم السخيف للمشكلة. فيقول لك لا تؤاخذنا… وتذهب إلى النوم، ولكن بعد التذكير بهزيمة حلمك الصغير: ألا يسألك أحد من أنت؟ لمجرد أنك وحيد تمشي في ليل مدينة أصبحت لا تطاق إلا… ليلاً!

تذكرت شريعة جعفر نميري الذي ألقى في يوم واحد، في مياه النيل مما قيمته 5 ملايين دولار من المشروبات الكحولية المصادرة من الفنادق، بعد إعلانه سيادة الشريعة. (طبعاً مع احتفاظه بمكتبة المشروبات في قصره… من كل الأصناف). وقد دارت كل حوارات المفكرين الدينيين، عندئذٍ، حول عدد الجلدات لشارب الخمر. هل هي 30 أم 40 جلدة، أم أكثر؟

فيما كان السودان يغرق في الديون التي هي نفس مبالغ السرقات والفساد والحروب العبثية…

لكن أطرف المناقشات سادت تلك الأيام: هل يجوز شرعاً الاستعانة بتكنولوجيا الكشف عن كمية الخمر في دم الشاربين…؟ هل شارب الكثير مثل شارب القليل؟ وهل يتساويان في عدد الجلدات؟

لا يتوهمن أحد بأن الطالبانية، والقاعدية، وجند الله وكل هذه الفصائل… قد جاءت من العدم. ولكي لا تكون آلة تفريخ الجلد وقطع الرؤوس بالفؤوس* يجب الإصرار على إعادة مهمة الثواب والعقاب إلى صاحبها الكبير… الله! أما في الأرض فدعوا القانون على مقاس العيش الحر المشترك بين مؤمن وسواه… حتى لا نقول بين شارب وسواه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*فيما بعد انفلت كل أصحاب البلطات/ هذا المقال مكتوب في عام 2010

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى