شرفات

حقيبة أحمد زلفا !

حقيبة أحمد زلفا !… شغلت الهجرة إلى بلاد القارة الأمريكية وخاصة أمريكا اللاتينية قريتنا زمنا طويلاً، ولم تكن أسماء تلك البلاد تلفظ كما تلفظ اليوم ، فالأرجنتين هي (الأرخنتين) وأمريكا هي (أمالكا) وفنزويلا هي (بنزويلا)، لكن لا أعرف من أين جاء المهاجر العائد من الأرجنتين أحمد زلفا بكلمة (البليخة) ، وهو يحكي عن حقيبته المقفولة التي جاء بها من هناك، وتشبه حقيبة (السمسونايت) المعروفة هذه الأيام!

شغل أحمد زلفا القرية بعودته، فالجميع يحكي عنه وعن نتائج هجرته التي زادت عن ستة أعوام ، وكان يستقبل الزوار يومياً ويحكي لهم عن بلاد الأرخنتين وكيف حفر مع اثنين من طرطوس نفقا (تونيل) بطول 500 كم مترا خلال أسبوع، وأخبرهم أن العملة في الأرخنتين (متلتلة).

كان فضول الزوار ينصب على الأموال التي جمعها في هذه الهجرة ، وخاصة أن كثيرين من أهل القرية كانوا يرغبون باستقراض مبالغ قليلة لسد حاجاتهم ريثما يأتي موسم القمح في أواخر الصيف.

وكان أحمد زلفا حريصا على ( البليخة) ، فكلما اقترب منها شخص ، يسحبها ويؤنبه ويدعوه أن يتركها، ثم ينقلها إلى مكان بعيد عن متناول الأيادي ، ولذلك تحولت البليخة إلى سر الأسرار، فهذا يعني أنها مليئة بالمال، ولولا ذلك لما خاف عليها أحمد زلفا، ولما حرص على أن لا يفتحها أحد !

حلقت خيالات أهل القرية بمحتويات الحقيبة، وراح بعض السكان يحلمون بمشاريع يتشاركون فيها معه، وقال المختار في محاولة لسد الطريق على الجميع :

ــ الأموال التي جاء بها أحمد زلفا يجب أن تسخر لخدمة القرية !

وعلق مسعود إبراهيم وهو ابن عم أحمد على كلام المختار :

ــ والله يا مختار ابن العم أولى بالشغل مع أحمد ..

غضب المختار، ورفع صوته محتجاً :

ــ كل أهل القرية أولاد عم وأولاد خال .. يعني كيف حنّ دمك عليه وأنت لم تسأل عن أمه من سنة سافر إلى الأرخنتين؟

صمت مسعود بعد أن ردد :

ــ أمرك يا مختار ، أمرك . القرية أولى !

وذات ليلة ، طرق مسعود باب أحمد زلفا، وكان نائماً فاستيقظ بخوف ، ثم فتح الباب وهو يسأل :

ــ مين عم يدق الباب؟!

رد مسعود بهمس :

ــ ابن عمك ، ابن عمك مسعود!

فتح الباب، ودخلا إلى المضافة ، وجلسا على الأرض ، فقال مسعود :

ــ عين المختار ع البليخة !

فسأله أحمد زلفا :

ــ خير ، ما حاجته بالبليخة ؟!

ــ أنت أدرى !

هز أحمد زلفا رأسه ، ونظر إلى زاوية الغرفة حيث أخفى الحقيبة، وكأنه يطمئن على مكانها، وهمس وهو يتحايل على مسعود :

ــ المختار يأمر ، وكل شيء بأوانه حلو!

خرج مسعود من المضافة، وهو يحدث نفسه :

ــ أحمد أخفى الحقيبة في زاوية الغرفة ، ولابد من إقناعه بعدم مشاركة المختار.

وكبرت الأحلام، وصار بعض السكان يزعمون أنهم شاهدوا الحقيبة، وأن أحمد زلفا فتحها أمامهم ، فإذا بالنقود الورقية مكدسة فيها إلى درجة أن واحداً منهم توقع أن تزيد الكمية على عشر ورقات أم طربوش ، وهو اللقب الذي رافق الخمسمائة ليرة سورية زمنا طويلاً .

وادعى آخرون أنه عرض عليهم إقامة مشروع في أرض الوادي، أو في ضهر الصخر. ومنهم من قال إن شراكة ستتم مع أحمد لفتح دكان لبيع الحلاوة الطحينية والقضامة ، لكن أحمد زلفا لم يكن يعلق على ما يسمعه ، وشرع يفكر بما حل بأهل قريته، فإذا بفكرة جهنمية تسيطر على رأسه :

ــ سأشاركهم جميعا !

غص بيته بأولئك الذين يجمعون بعض الأموال، وسارع بعضهم إلى إعطائه ما معهم، والكل يرددون العبارة نفسها:

ــ نحن أولاد عم . والتجارة ربح وخسارة !

أما مسعود فلم ترق له كل هذه التطورات ، فذات مساء وكانوا يسهرون في مضافة أحمد زلفا، استغل مغادرة ابن عمه المكان، وقام إلى زاوية الغرفة، واختطف الحقيبة من مكانها الذي وضعت فيه وهو يردد :

ــ البليخة موجودة ولازم نعرف ما جمعه ابن العم في الغربة !

ونهاه الجميع ، وخاصة شركاء أحمد الذين أعطوه ما يملكون :

ــ عيب يا مسعود . الزلمة خارج الغرفة ، عيب مالك حق ، هذا عمل شائن!

لكن مسعود خلع القفل وفتح البليخة، فوجد فيها قبعة وربطة عنق ، وكان أحمد زلفا قد دخل وفوجئ بما فعله مسعود، فصاح :

ــ له، له .. يا ابن العم عم تسرقني قدام أهل القرية !

فتعالت الأصوات :

ــ يسرق ماذا يا أحمد زلفا ؟ البليخة فارغة ، لا يوجد فيها إلا رسن وجرن قماش قد راسك !

وشرعوا بضربه ، وأحمد يردد :

ــ أنا ما حكيت  ، ما حكيت عن البليخة وما فيها. أنتم الطمّاعون ، عملتوا من بليخة احمد زلفا قصة !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى