شرفات

حكاياتي مع المسؤولين :حمام مكتب سيادته !

أنا محظوظ دائما، وإلا من أين جاءتني هذه السمعة الطيبة بين المسؤولين، والسبب أنه بين يوم وآخر أسمع أن صديقي فلان الفلاني أصبح مسؤولاً، أو أن المسؤول الفلاني سأل عني وأراد التعرف عليّ، وهذه ميزة يعتبرها البعض قوة في المجتمع أما أنا فلم أشعر بهذه القوة أبداً

وتدرجت مسؤوليات أصدقائي إلى أن تجاوزت مرتبة وزير، حتى أن أحدهم صار مسؤولاً كبيراً في دولة عربية غير نفطية، مع أن رائحة النفط أجمل من رائحة الحبق هذه الأيام !

حاقت بي دائرة الحساد والمستفيدين، وانهالت علي في بعض الأحيان طلبات التوسط لأمور شخصية، وهذا يعني أن البعض سيظن أن أموري ستمشي أينما اتجهت، وأن آخرين سيسارعون إلى ترويج اسمي لحل المشاكل .

ياحسرة ، لم أستفد من أي مسؤول وصل إلى موقع مهم، بل إن بعضهم أساء لي من دون أن يدري، ومن كل هذه العلاقات الطيبة مع المسؤولين ، أسعدتني نقطتان الأولى أن واحدا من هؤلاء كان يقدم لي بعض زجاجات العطر التي تأتيه من هنا وهناك ، وبقيت سنوات أستهلك تلك العطور بعد أن توقف عن إرسالها لي.

والثانية، تتعلق بالمتة، والمتة في بلادنا شراب معروف، وصل سعره في الحرب إلى أكثر من الضعف بكثير ، فقد كان كيلو المتة في بداية الحرب 100 ليرة ، وعند اندلاع الحرب اشتريت أربع أرباع من حماة بمائة ليرة، وأعطاني البائع (مصاصة) مع كل ربع. واليوم وصل سعر كيلو المتة إلى عشرين ألفا ، أي زاد السعر 200 مرة ..

ولهذا قصة ثانية، ولكن النقطة التي تتعلق بصديقي المسؤول الذي تولى منصبه في ذروة أزمة المتة هي أنني زرته في مكتبه لأقدم له التهنئة، وكنت قد شربت ابريقين من المتة بعد أن حصلت على علبة بالواسطة، لذلك ما أن جلسنا حتى استأذنت بالخروج ، فأصر علي بالبقاء، مما اضطرني أن أبوح له بالسر ، فضحك وقال : أدخل إلى الحمام هنا في المكتب!

فدخلت، وكانت المفاجأة !

سأحكي لكم كم كنت سعيداً في هذا الحمام : أولاً كان مضاءً بأكثر من طريقة، نظيفاً لماعاَ معطراَ في جهاته الأربع، وكان دافئا أكثر من كل البيوت التي زرتها في الآونة الأخيرة..

كانت المياه تتدفق في صنابيره نظيفة عذبة، وعلقت في بعض الزوايا ثلاثة أنواع من المحارم ، وثلاثة أنواع من المنظفات، وعلبة بف باف مقاومة للحشرات، ويمكن للزائر أن يرى وجهه في مرآة لماعة وهناك مشط وفرشاة شعر ونوعين من المياه: الدافئة والباردة.

وفي صدر الحمام ميكروويف توهجت إشارته الخضراء، وكان الحمام واسعاً أكبر من مكتبتي التي تختزن آلاف الكتب، والتي ألّفتُ فيها نحو عشرين كتابا في الأدب والنقد والرواية والقصة والدراما.

المهم في الأمر أن دهشتي في المكان جعلتني أخرج من دون أن أقضي حاجتي، وعندما خرجت قلت له : هذا الحمام يفتح الشهية على التخطيط لأعمال كثيرة نحتاج إليها، لذلك اعذرني ياصديقي ، فمن المعيب أن أستخدمه لأقضي حاجتي التي سببتها المتة!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى