خالد القيش… معلّم!

 

تقول الشاعرة والكاتبة الأميركية مايا أنجيلو (1928 ــــ 2014) : «إذا لم تحب شيئاً ما قم بتغييره، وإذا لم تستطع عليك تغيير أسلوبك». هذه الجملة المرجعية يمكن سحبها بسلاسة نحو ميدان التمثيل، والعمل انطلاقاً منها على أساس أن الممثل في بلادنا، الذي يضطرّ أحياناً للعمل قرابة 90 ساعة تلفزيونية سنوياً، يحتاج للتغيير بتواتر دائم على السوية الأدائية لدى مقاربة شخصياته.

فمهما تجدد، ستبقى لغته التجسيدية واحدة، وسيعثر على هوّية واضحة المعالم في ما يخصّ أدواته التعبيرية، إضافة إلى محدودية إمكانية التنويع الغني في الشخوص التي يسعى لتقمّصها، بخاصة أن الأمر في الوطن العربي متروك بنسبة كبيرة منه إلى قرار جهات إنتاجية شبه أمّية، ومجموعة من المخرجين الموظفين لتنفيذ أوامر هؤلاء المنتجين!

انطلاقاً مما سبق، حرّي بالممثل التلفزيوني الحرص على التغيير الدائم وفقاً لما تمليه الشخصية التي سيلعبها. أما لدى التقارب مع أعرق نظريّات فن الأداء، فإن النتيجة تملي الحاجة الماسة لصوغ تماهٍ ساطع ومستمر بين العناصر النفسية، والمظهر الخارجي أو الشكلي للشخصية.

 وإن وسّعنا العدسة لتنسجم مع قواعد الحياة المطلقة، فإن تغيير الشكل يمنح طاقة إيجابية لأي إنسان. هكذا، نجح النجم السوري الشاب خالد القيش (1977) في أبرز اختبار خلال مشواره المهني وقد وافق على أداء شخصية العميد عصام في «دقيقة صمت» (سامر رضوان وشوقي الماجري).

 الرهان تركّز على أن يكون مقنعاً أوّلاً على مستوى شكلي للعب دور عميد في الشرطة، لكنّ المبرر واضح باعتباره واحداً من أقطاب الفساد في الدولة، ينتمي لسلك الشرطة، فمن الطبيعي أن يكون من أصغر الضبّاط في البلاد. على أيّ حال، بعد فهم الشخصية بمنطوقها الداخلي، قفز الشاب الوسيم نحو الشكل وترك للماكياج لعبته البارعة.

 فإذا به يخطو أبعد من التوقّعات، وينجز بضربة معلّم دوراً هادئاً متوازناً ينأى بنفسه تماماً عن أيّ مبالغات أو انجرار نحو الـ show off على حساب الرصانة الأدائية، لرجل مسيطر يفهم تماماً أنّه تحت المجهر في كلّ لحظة ووقت. غالباً يطلّ العميد عصام بطل العمل بزيّ الشرطة، ونادراً ما ينحاز للبدلة الرسمية، ينهمر صوته كزلزال مدّو في الغابة لدى صعقه بحدث فرار محكومَين بالإعدام من قبضته وقتل مرافقه الشخصي، ويوحي لمحدّثه بخطورته المهيبة… بدءاً من المشية، مروراً بطريقة الكلام، والتحّكم بعضلات الوجه، وبقية المفاتيح الأدائية، يرمي بطل «ياسمين عتيق» (رضوان الشبلي والمثنى صبح) أمامنا على الشاشة، نماذج واقعية ناصعة أتيح لنا فرصة معاينتها حياتياً عن قرب!

حتى هذه اللحظة، يحصد القيش ما يعتبر «بيضة القبّان» في رمضان، بإسكاته كلّ الأصوات المستعلية التي راهنت ربما على فشله، وجرّبت في ما بعد سحب البساط نحوها بذريعة أنها صاحبة الفضل في اختياره. علماً أن المقارنة وضعته في خانة «اليكّ» بعدما تسرّب للإعلام ترشيح النجم الأردني إيّاد نصّار للدور ورفضه التصوير في سوريا بسبب ظروف الأزمة، ومن ثم رفض النجم السوري بسّام كوسا للدور بسبب أجره العالي!

المأخذ الوحيد هذا العام على نجم الموسم دون منازع، أن شخصية بهذا الثقل تحتاج لتفرّغ تام، ولو على حساب الجانب المادي والعلاقات العامة. لذا لن يكون أحد بحاجة مشاهدته كضيف في أعمال أخرى هي «مسافة أمان» (إيمان السعيد والليث حجو) و«الحلّاج» (أحمد المغربي وعلي علي) و«بقعة ضوء» (مجموعة كتّاب وسيف الشيخ نجيب). أصلاً، ستكون المقاربة عبثية بين سيادة العميد حوت المال والجاه والسلطة، وأي حضور بسيط في مطارح ثانية!

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى