كتاب الموقعنوافذ

خوف وتخويف

“خوف وتخويف  … النباح على القمر وراثة الكلب لعواء الذئب!”

منذ البداية الأولى للأحداث في سورية… كان واضحاً أننا، جميعاً، سنقع في أخطاء حتمية، من عدة أصناف، متدرجة النوع واللون… ومن الخطأ البسيط إلى الخطيئة القاتلة.
في التسميات لدينا: “الثورة السورية” و” الحراك الشعبي” و””الانتفاضة”.
ومع كل أسبوع كان هناك تسمية عنوانية لهدف المظاهرات. ولكن الهدف الأعلى، ومنذ البداية، كان واضحاً أيضاً: “إسقاط النظام”! وهو شعار أكبر مما يحتمله النظام، الذي سيدافع، في نهاية المطاف، عن نفسه وبكل الوسائل، حتى لو أدى الأمر إلى ما لا يحتمل من الخسائر. وهو، في الوقت نفسه، شعار أكبر مما تستطيعه الانتفاضة ( وما شئتم من التسميات) بدون الحد الأعلى غير المحتمل من الخسائر. وهذا ـ في معادلة معلومة الطرفين ـ هو الحيّز المتاح لنقطة الصفر… أي الخراب العمومي!
إن ما يتطور من أحداث، كل يوم، يرينا بوضوح، شكل ومعنى وهوية الضحية ( الناس العاديين) ويرينا بوضوح حجم وعمق وهول التضحية ( الدم السائل من كل حدب وجدب وجسد) وهنا ستنتشر مجموعة الأعمال الكاملة، المألوفة عادة… للأخطاء: البلاد والعباد، وتبقى الآلهة في باريس باريسية!
ستقع المعارضة “السلمية” الداخلية في خطأ تقدير قدرة البلد على التحمل، تحمل كل أنواع الاختناق الاقتصادي والمعيشي. وبالتالي في وضع وسائل الضغط موضع التوقيت الصحيح للمحاورة أو المفاوضة!
ستقع المعارضة الخارجية في خطأ المراهنة على ” قيادة ” شارع منتفض ليست هي قيادته. وفي خطأ المراهنة على “خارج” ليست هي المؤثر الفاعل فيه. وثمة خطأ آخر ـ ظهر في مؤتمراته ـ هو توحيد ما لا يوحد ، وجمع ما لا يجمع.  فثمة من هومتهم بالتحالف مع الشيطان، وثمة من يتوهم أن حليفه المؤكد هو…الرحمن!
وستقع المعارضة ( التي لا أعرفها أنا شخصياً) ، وهي الشارع المنتفض الثائر الغاضب المطالب…الذي على حق في كل شؤون التعبير عن استيائه مما هو فيه، ومما هو واقع عليه… في خطأ الاستثمارات الجانبية، غير القابلة للمنع وللردع… كالاستثمار في القوى، والسلاح، والتهريب، وانحرافات الضمائر، وعشوائية الأهداف. وصولاً إلى التدمير الذاتي، وتعميم الخوف المتطور إلى ما نسميه “رعب الحياة اليومية” من مفاجآت. بحيث يكدس تجار الحديد (الحديديون منذ زمن) مرابح إضافية من اندفاع المواطنين المفرط لتحصين بيوتهم بالحديد…( وكان السوري يفاخر بالنوم في حديقة، أو على مصطبة، أو بدون باب مغلق!)
إن حادثة قطار حلب دمشق إشارة إلى أسوأ القادم، كما كانت بعض المذابح والاعتداءات إشارة إلى المضي، بعيون مفتوحة وحارقة، إلى السلاح.
الآن يوجد في سورية سوق ـ كسوق الخضار ـ لبيع كل أنواع السلاح. وقد ارتفعت أسعار “حتى” خردق الصيد وبواريد الصيد البدائية. وقد يكون هناك سوق لأفخاخ الضباع والألغام ضد الأفراد.
هذه التجربة السورية الفريدة في قوة احتجاجها ، الصبورة على دفع  ثمن أحلامها، الخالقة وعياً جديداً لطرائق جديدة في ثقافة حياتها… من الراجح أن يجهضها تطرفها، وأن يحرفها راكبو خيلها، وأن يمزقها اختراع “كراهيات” غير مألوفة في المجتمع السوري، وأن تعود ثقافة: ” مائة عام بإمام ظالم، ولا يوم دون إمام !”
أما أنا فدائماً أقع في مقص نقاشات (سادت وبادت) لأنني كنت أتهم، في حرص، الحركة الوطنية السورية بأن لديها شهادة “بورد” بتخصص محدد، هو ” تضييع الفرص السانحة”! أحياناً بسبب خطأ وصف الواقع، أحياناً بسبب تقدير حجم الواقعة، أحياناً بسبب الضعف الآتي من القمع المتواصل لشل الحركة فيها…ولكن دائماً بسبب التشرذم (باسم التعدد) وسوء دراسة موازين القوة (باسم اللحظة الراهنة).
أرجو ألا يتهم أحد أحداً بالتخويف مما هو قادم . إذ من حق الجميع، وقد رأيناهم بقلوب مرتجفة، يسألون عن المجهول في المعلوم. من حقهم أن تكون لديهم ما نسميه: المخاوف المرعبة

*تنويه:

أستأذن بنشر هذين المقالين القديمين ، الأول هنا، مكتوب في الشهر السابع من عام 2011 ـ أي بعد أربعة أشهر من بدء الأحداث في سورية، والثاني في الشهر الثامن من العام ( ينشر في الصفحة القادمة من الموقع).
وقد يكون التطور المتسارع للأحداث، مطحنة التوقعات، وهي مطحنة بلا طحين عند الكتاب والصحفيين، إلا أنها مطحنة بشر ومدن عندما يتعلق الأمر بقراءة الواقع، وكتابة الوقائع على الأرض… من قبل السياسيين والعسكريين وصناّع المصائر البشرية، في هذا العالم!
بقدر لا بأس به من النزاهة… يمكن رؤية الأشياء كما هي، الأمر الذي لا يتوفر، للأسف، عند الكثيرين في الحقل المغناطيسي للمصالح!

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى