خيارات إردوغان الصّعبة.. الأعداء في كلّ مكان

 

يسعى إردوغان لنقل المعركة إلى ملاعب المعارضة، وهو يخصص الجزء الأكبر من أحاديثه للهجوم على حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، ويتهمهما “بالتحالف مع الإرهاب“.

يتعرّض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كلّ يوم تقريباً لهجوم عنيف من رئيس وزرائه السابق أحمد داوود أوغلو ووزير اقتصاده السابق علي باباجان، اللذين يحمّلانه معاً مسؤوليّة كلّ المشاكل التي تعانيها تركيا على الصّعيدين الدّاخليّ والخارجيّ.

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تتوقع لحزب المستقبل بزعامة داوود أوغلو وحزب الديموقراطية والتقدم بزعامة باباجان أن يحصلا معاً على حوالى 6-7% من مجموع أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية في حال إجرائها الآن، فإن الجميع يعرفون جيداً أن أقوال الثنائي المذكور باتت تخلق المشاكل الجدية لإردوغان داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، وآخر مثال على ذلك الضجة التي أثارها عضو المجلس الاستشاري الأعلى في القصر الرئاسي بولنت أرينج، عندما تحدث عن ضرورة الإصلاحات الديموقراطية وإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم صلاح الدين دميرطاش، الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي، ورفاقه الموجودون في السجون منذ 4 سنوات. ولم يتأخر إردوغان في الرد على أرينج بشدة، وهو ما كان كافياً بالنسبة إلى الإعلام الموالي له ليشن حملة مسعورة ضده، متهماً إياه “بالخيانة الكبرى والتآمر على زعيمه والغدر به“.

ولم يتذكّر هذا الإعلام أن أرينج شغل مناصب وزارية في جميع حكومات إردوغان بعد العام 2003، ثم أصبح رئيساً للبرلمان، وهو من أهمّ مؤسسي حزب العدالة والتنمية، ومعه الرئيس السابق عبد الله غول، ونائب رئيس الوزراء الأسبق عبد اللطيف شنار، وعلي باباجان، وآخرون.

وقد تخلص إردوغان منهم جميعاً بعد أن اعترضوا على سياساته الداخلية والخارجية، وخصوصاً بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية، وقام بتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، فسيطر على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والقضاء والمال، وعيّن نفسه رئيساً للصندوق السيادي، كما عين صهره برات ألبيراق نائبا له، وما زال في هذا المنصب على الرغم من استقالته أو إقالته من منصبه كوزير للخزانة والمالية.

وكان سلوك إردوغان هذا كافياً بالنسبة إلى رفاقه السابقين، ليقولوا عنه إنه “تحول إلى حاكم استبدادي ديكتاتوري يسعى للتخلص من جميع معارضيه عبر المحاكم التي يسيطر عليها، وهي تتجاهل بدورها قضايا الفساد التي طالته وطالت عائلته”، والقول هنا لرفاقه السابقين، وفي مقدمتهم رئيس وزرائه السابق أحمد داوود أوغلو.

وأياً كانت انتقادات رفاقه السابقين واتهاماتهم له سياسياً وشخصياً، فإن إردوغان يتهرب من الرد عليهم مباشرة، مرجّحاً على ذلك التخلّص من كلّ المقربين منهم داخل الحزب الذي لا يجرؤ أحد فيه على الإعلان عن رأيه بصوت عالٍ، وخصوصاً في ما يتعلق بالقضايا الحسّاسة، ومنها المشكلة الكردية أو استقلالية القضاء وقضايا الفساد والفشل في السياسة الخارجية.

كما يسعى الرئيس إردوغان لنقل المعركة إلى ملاعب المعارضة، وهو يخصص الجزء الأكبر من أحاديثه للهجوم على حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، ويتهمهما “بالتحالف مع الإرهاب”، أي حزب الشعوب الديموقراطي المحسوب على حزب العمال الكردستاني، وهو ما يرضي شريكه في تحالف الجمهور دولت باخشالي، زعيم حزب الحركة القومية، الذي يفقد إردوغان من دونه الأغلبية في البرلمان، كما سيفشل في الفوز في انتخابات الرئاسة القادمة، علماً أن جميع استطلاعات الرأي تتوقع لإردوغان المدعوم من الحركة القومية أن يحصل على حوالى 42-44% مقابل 56-58% لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو منصور ياواش رئيس بلدية أنقرة.

وجاءت الرسالة الّتي بعث بها علاء الدين جاكيجي، رئيس إحدى عصابات المافيا، لزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، “مهدداً إياه بالقتل”، لتزعج الكثيرين في أوساط العدالة والتنمية، بعد أن أعلن باخشالي تأييده لجاكيجي، وقال عنه إنه “رفيق دربه”، داعياً إلى “رفع الحصانة عن كليجدار أوغلو ومحاكمته بتهمة الخيانة الوطنية”.

ولم يكتفِ إردوغان بكل هذه التحركات على المستوى الحزبي داخل العدالة والتنمية، وعلى المستوى الرسمي كرئيس للجمهورية، بل اتهمته أوساط المعارضة بالعمل على خلق المشاكل داخل حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، فقد أعلن محرم إينجا الذي نافس إردوغان في انتخابات الرئاسة في حزيران/يونيو 2018 عن تمرده على كمال كليجدار أوغلو الذي رشحه باسم الشعب الجمهوري لانتخابات الرئاسة. وقال إينجا إنه سيشكل حزباً سياسياً جديداً، حاله حال مصطفى ساريجول، وهو رئيس بلدية سابق من حزب الشعب الجمهوري، وسبقهما أوزتورك يلماز.

وكان يلماز قنصلاً في الموصل عندما سيطر داعش على المدينة واحتجزه لمدة مئة يوم مع موظفي القنصلية. وتم إخلاء سبيله في إطار صفقة مع أنقرة، قيل آنذاك إنها أخلت سبيل العديد من عناصر داعش المعتقلين في تركيا. وكان يلماز قد دخل البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، وأصبح فجأة نائباً لرئيس الحزب للشؤون الخارجية.

ورغم أنَّ استطلاعات الرأي لا تتوقع لهؤلاء الثلاثة أن يشكّلوا خطراً على الشعب الجمهوري في الانتخابات القادمة، فقد كان الحزب الجيد الهدف الآخر بالنسبة إلى إردوغان. وقد قالت عنه زعيمة الحزب إنه يقف وراء التمرد الذي أعلنه عضو البرلمان آوميت أوزداغ، الّذي اتهم أكشانار “بالحوار والتنسيق مع حزب الشعوب الديمقراطي، الإرهابي”.

ويعرف الجميع أنّه أدى دوراً أساسياً في الانتصارات التي حققها مرشحو تحالف الأمة الذي يضم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد. وقد فازوا العام الماضي في أهم المدن الرئيسية، ومنها إسطنبول وأنقرة وأضنة وإنطاليا وأزمير ومرسين، وفيها عدد كبير من الناخبين الكرد.

وأياً كانت حسابات الرئيس إردوغان ضد أحزاب تحالف الأمة، فالخوف الأكبر بالنسبة إليه هو احتمالات أن ينضم حزب المستقبل بزعامة داوود أوغلو وحزب الديموقراطية والتقدم بزعامة باباجان إلى هذا التحالف، والاتفاق على مرشح مشترك ينافسه في الانتخابات القادمة.

وتكتسب كل هذه التحركات أهمية إضافية لتوقيتها الزمني الذي يصادف إفلاس سياسات إردوغان الخارجية والداخلية، وخصوصاً على الصعيد المالي، بعد أن فشلت أنقرة بسبب نظامها السياسي في الحصول على قروض عاجلة من المؤسسات المالية العالمية والغربية عموماً، مع استمرار انتقادات العواصم الغربية للرئيس إردوغان في ما يتعلَّق بالديموقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان، والسيطرة على الجهاز القضائي، ووضع الصحافيين المعارضين في السجون، وهو ما تحدث عنها جو بايدن بداية العام الجاري، عندما اتهم الرئيس إردوغان “بالاستبداد”، وأكد “ضرورة التخلص منه من خلال دعم المعارضة الداخلية، حتى تهزمه في الانتخابات القادمة”. وكان هذا الحديث كافياً بالنسبة إلى زعيم الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو والرئيسين المشتركين لحزب الشعوب الديمقراطي بارفين بولدان ومدحت سنجار، ليهنئا بايدن في الأيام الأولى من الإعلان عن فوزه.

ومع انتظار الموقف المحتمل لبايدن بعد تنصيبه رسمياً، فالجميع يتوقع المزيد من التوتر على صعيد السياسة الداخلية، مع المعلومات التي تتوقع أيضاً المزيد من الضغوط الأوروبية على إردوغان بعد قمة الاتحاد الأوروبي في 10 و11 من الشهر الجاري، فقد بات واضحاً أن أوروبا لم تعد تتحمل تصريحات أنقرة ومواقفها وتصرفاتها، والتي يرى فيها الكثيرون فيها بأنها “استفزازية وعدائية وتهدد أمن أوروبا واستقرارها، كما تهدد الأمن والاستقرار في ليبيا وسوريا وأرمينيا والبلقان ودول أخرى”، وهو ما أشار اليه الرئيس الفرنسي ماكرون والزعماء الأوروبيون أكثر من مرة، وآخرها البيان المشترك لكل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا حول ليبيا.

وسيدفع كل ذلك الرئيس إردوغان إلى تكثيف محاولاته عبر الوسطاء للتودد إلى الرئيس بايدن، إيمانًا منه بأنه في حال كسب رضاه، فالأمور ستكون أسهل بكثير بالنسبة إليه ليواجه أعداءه في الداخل ويضمن البقاء في السلطة. وسيساعده ذلك على الاستمرار في تطبيق مخططاته ومشاريعه السياسية والعقائدية والاستراتيجية في سوريا وليبيا والشرق الأوسط والقوقاز والبلقان، بعيداً من مضايقات الرئيس بوتين، وهو السبب في مشاكله مع الحليف الأول أميركا. ويعرف إردوغان أنه من دونها لن يستطيع أن يستمر في سياساته الحالية طويلاً، والأعداء في الداخل والخارج يضيقون الحصار عليه من كل حدب وصوب!

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى