الإرهاب أزمة هذا العصر قراءة موضوعية (حسان القطب)

 

حسان القطب*

الإرهاب كما يبدو واضحاً وجلياً قد أصبح الهاجس الأساس لكافة الدول والشعوب، والأزمة الأكبر التي تقض مضاجع السياسيين والأمنيين والحكومات والكيانات.. وتؤثر على علاقات الدول فيما بينها، كما يترك الخوف منه ومن احتمال انتشاره ضرراً بالغاً على انتقال المواطنين من بلدٍ إلى بلد، سواء بهدف السياحة او الرغبة في العمل إلى جانب التأثير المباشر الذي يتركه القلق من الإرهاب على حركة الهجرة من دولة إلى دولة ومن قارة إلى قارة.. والخوف من الإرهاب دفع بالدول الكبرى كما الدول الصغيرة إلى تنسيق جهودها الأمنية وتطوير علاقات اجهزتها الأمنية من تبادل المعلومات إلى تبادل الخبرات لمواجهة تحديات الإرهاب والحد من تأثيراته.. والتخفيف من أضراره..والإرهاب لم تعد ممارسته حكراً على مجموعة او طائفة او حتى دولة او كيان.. بل أصبح متفشياً بقوة وفي مختلف المجتمعات ومن المتوقع ان يضرب في اماكن عديدة وقد تكون غير متوقعة على الإطلاق حتى ان بعض الممارسات او العمليات الدموية قد تكون غير مفهومة الأسباب او النتائج وحتى الدوافع.. ولكن الروح الإجرامية التي استولت على هذا الفرد او الجهة التي قامت او تقوم بهذا العمل..قد تكون الدافع الأساس في بعض الأحيان، ثم يأتي التبرير لاحقاً..
على سبيل المثال فقد ضرب الإرهاب مؤخراً مدينة بوسطن الأميركية دون سابق إنذار ومن داخل الأراضي الأميركية رغم الجهود الضخمة التي بذلتها الحكومة الأميركية لتحديد العناصر البشرية التي من الممكن ان تشكل نشاطاتها خطراً على الأمن القومي الأميركي ورغم الإمكانيات المتوافرة لمراقبة ومتابعة كل نشاط مشبوه، ولكن القدرة اللوجستية التي تمتع بها من قاما بهذا العمل مكنتهما من تجاوز كل الاجراءات وتجنب كل العقبات والضرب بقوة حيث لا يتوقع احد وفي مناسبة رياضية لا تحمل ابعاد او دلالات سياسية او امنية بل استهدفت مدنيين خلال ممارسة عمل رياضي..إلى جانب أن أصول الشابين اللذين قاما بهذا العمل هي شيشانية ولا مشكلة لشعب الشيشان مع الولايات المتحدة بل إن المشكلة الحقيقية هي بين شعب الشيشان ودولة روسيا الاتحادية..؟؟ كما اعتقلت كندا شخصين اتهمتهما بالانتماء لتنظيم القاعدة المتواجدة قيادته في دولة إيران، وبالتخطيط لتفجير مواقع حساسة في كندا والولايات المتحدة، ثم تلتها عملية اعتقال خلية لتنظيم القاعدة في مدريد عاصمة إسبانيا ووجهت لها اتهامات مماثلة.. وقبل ذلك تم اعتقال خلية لتنظيم القاعدة في دولة الإمارات ووجهت لهذه المجموعة تهم خطيرة بالتمويل والتخطيط وأعضاء هذه المجموعة كما ذكر هم من جنسيات عربية مختلفة..
وفي البداية نود أو يجب أن نتعرف على معنى الإرهاب، مع ما  يحظى به مصطلح (الإرهاب) مــن إجماع دولي على محاربته، وتخطيط محكم لاقتلاع جذوره ونسف أسسه ومكافحة نتائجه، ومع ذلك نلحظ أيضاً عـدم امتلاك أي من هذه الدول لتعريف واضح ومقبول لهذا المصطلح. وقد تبيَّن من خلال استقراء بعض المعاجم العربية الأصلية أنها قد خلت من كلمة (إرهاب )، وهي كلمة أقرها المجمع اللغوي وجذرها (رهب) بمعنى خاف، فمعانيها تدور حول الخوف والتخويف .ولكن ما هو تعريف الإرهاب وهل ممارسة الإرهاب هي حكر على فريق معين وعلى أتباع طائفة دينية محددة، وهل هي عمل جماعي او فردي أو حزبي يحظى يتغطية جمهور واتباع ومناصرين، أو سلوك رسمي يتمتع برعاية حكومية وتغطية من أجهزة رسمية.. في التعريف: " الإرهاب " مصدر، أرهبَ، يُرْهِب، إرهاباً، وهي لفظة تعني: التخويف، وهي في ذاتها ليست محمودة، ولا مذمومة…وقد عرَّف " المجمع الفقهي الإسلامي " الإرهاب بأنه: " العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول، بغياً على الإنسان ( دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه ) ، ويشمل صنوف التخويف، والأذى ، والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف، أو التهديد ، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي، فردي، أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم، أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه: إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، والأملاك العامة، أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية ، أو الطبيعية، للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض، التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) القصص/ 77 ". هذا النص كما ورد في أعمال " الدورة السادسة عشر " بمكة المكرمة، من 21 إلى 26 / 10 / 1422هـ ، الذي يوافقه من 5 إلى 10 / 1 / 2002م .
ومصطلح ( الإرهاب ) ترجمة حرفية للكلمة الفرنسية ( Le Terrorisme ) التي استحدثت أثناء الثورة الفرنسية، وهي ترجمة حرفية أيضاً للكلمة الإنجليزية ( Terrorism) . ويعرّف ( جورج ليفاسير) الإرهاب بأنه: ( الاستعمال العمدي والمنتظم لوسائل من طبيعتها إثارة الرعب بقصد تحقيق أهداف معينة) .وأما المشروع الفرنسي المقدم عام 1972م، للأمم المتحدة فيعرف الإرهاب بأنه: (عمل بربري شنيع )، في حين وصفته ( فنزويلا ) بأنه: ( عمل يخالف الأخلاق الاجتماعية ويشكل اغتصاباً لكرامة الإنسان ).
وفي مقالة عنوانها الإسلام والإرهاب.. كتب الداعية بمركز الدعوة بالمنطقة الشرقية… عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي، قائلاً: إذا ذكرتَ كلمة الإرهاب جاء في ذهن كل أحد من الناس صورة رجل عظيم اللحية قصير الثوب مقطب الجبين وهو بلا شك عربي ومسلم. فقد ارتبط الإرهاب بشكل عام بهذا الدين وأهله وخرجت باقي الأديان والأمم من هذه التهمة…وتأكيداً لهذا الفهم فقد ذكر رئيس وزراء كندا أن: "الإرهاب الإسلامي" يعتبر أكبر تهديد لأمننا.. فقد اعتبر رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر أن ما وصفه بـ"الإرهاب الإسلامي" هو أكبر تهديد لأمن كندا، مشيرًا إلى أن حكومته تنوي إعادة إحياء قوانين مكافحة "الإرهاب" التي أوقف العمل بها قبل سنوات.ونقلت شبكة "سي بي سي" الكندية عن هاربر قوله: إن كندا أكثر أمانًا اليوم مما كانت عليه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، إلا أن التهديد الأكبر لا يزال هو "الإرهاب الإسلامي"، على حد وصفه. وأضاف أنه في حين يعتقد الناس أن (الإرهاب) يأتي من دول مثل أفغانستان والشرق الأوسط، إلا أن هذه التهديدات موجودة في جميع أنحاء العالم، وأشار إلى أن من وصفهم بـ"الأصوليين الإسلاميين" الموجودين في كندا يجب إبقاء العين عليهم. ولفت رئيس الحكومة الكندية إلى أن حكومته تعتزم إعادة إحياء قوانين مكافحة "الإرهاب" التي أوقف العمل بها عام 2007. ومن بين هذه القوانين قانون يسمح للشرطة باعتقال مشتبه فيهم "بالإرهاب" من دون مذكرة اعتقال، واحتجازهم ثلاثة أيام دون توجيه تهم إليهم، وآخر يسمح للقضاة بحبس الشهود المترددين الذين يغيِّرون أقوالهم كثيرًا. وقال هاربر: "نعتقد أن هذه الإجراءات ضرورية ومفيدة. وكما تعلمون نادرًا ما تطبَّق ولكن في بعض الأوقات لابد منها". ومؤخراً ذكرت صحيفة «الشرق الأوسط»… قضت محكمة بريطانية بسجن أحد عشر متهما في بريطانيا على خلفية مؤامرة إرهابية لتنظيم القاعدة على غرار هجمات لندن في عام 2005 والولايات المتحدة في عام 2001. وتم الحكم بسجن عرفان نصير، «الزعيم والقوة الضاربة والرجل المسؤول» وفقا للقاضي مدى الحياة وبحد أدنى 18 عاما. وقال القاضي «حظيت مؤامرتك بمباركة تنظيم القاعدة وعزمت على تنفيذ أهداف القاعدة». وقال القاضي، واصفا المتهم البالغ من العمر 31 سنة بأنه «صانع قنابل ماهر»: «تم التخطيط للإيقاع بكثير من القتلى من قبل فريق من الأفراد المتشددين بشكل كامل وكنت أنت يا نصير، قائدهم». وكانت المجموعة، وهي من برمنغهام ثاني أكبر مدينة في بريطانيا، خططت لاستخدام أجهزة توقيت لتفجير قنابل بداخل ثماني حقائب ظهر في المناطق المزدحمة. وقاموا بجمع المال عن طريق التنكر في شكل عاملين في هيئة خيرية.
من جهته اعتبر وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز أن الاعتداء الذي تعرضت له السفارة الفرنسية في العاصمة الليبية طرابلس، كان يستهدف «تعكير العلاقات الثنائية» بين فرنسا وليبيا مشيرا بشكل خاص إلى أنصار نظام القذافي السابق. وقال عبد العزيز في مقابلة مع صحيفة «لوموند الفرنسية»: «نعتبر أن هدف هذا الاعتداء هو تعكير العلاقات الثنائية المتقدمة جدا بين فرنسا وليبيا. يجب الحفاظ على هذا التعاون ونحن سعداء بأن رسالة فرنسا هي القول إنه لن يكون هناك أي عواقب سلبية على هذه العلاقات».
وفي اليمن رفعت أجهزة الأمن وقوات الجيش في محافظة البيضاء من حالة التأهب الأمني بعد ورود معلومات استخباراتية تشير إلى وجود عناصر مسلحة متطرفة تنتمي لتنظيم القاعدة في منطقة السوداء بمديرية رداع في البيضاء، في إطار سعي التنظيم إلى السيطرة على رداع المدينة التاريخية والمجاورة لمديرية لودر بمحافظة أبين. وتؤكد المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المجاميع تسعى إلى إقامة «إمارة إسلامية» في رداع على غرار ما حدث في بعض مدن وبلدات محافظة أبين وأنها تنتمي لتنظيم «أنصار الشريعة» التابع لـ«القاعدة». وفي موضوع آخر، قالت مصادر محلية في محافظة صعدة، إن جماعة الحوثيين المتمردة قامت بنفي إحدى الأسر بكامل أفرادها عن منطقة رازح، بعد مجيء مجاميع حوثية مسلحة إلى المنطقة لإقناع المواطنين بالانضمام إلى جماعة الحوثيين الذين يطلقون على أنفسهم تسمية «أنصار الله»، غير أن عددا من المواطنين انبروا لرفض الدعوة، مما أدى إلى مقتل اثنين من المواطنين وإصابة آخرين من نفس الأسرة التي جرى نفيها إلى خارج قرية آل علي، كما هو الحال مع يهود آل سالم الذين هجرهم الحوثيون مطلع عام 2007، وما زالوا يعيشون بعيدا عن قراهم ومزارعهم منذ ذلك الحين في العاصمة صنعاء.
وتحت عنوان «جهاديو» سيناء يعرّضون الأمن القومي المصري للخطر.. كتب ماجد الشّيخ…قائلاً: يبدو أن أربعين سنة من الهدوء الذي وسم جبهتي الجولان وسيناء، منذ انتهاء حرب تشرين الأول /أكتوبر، من عام 1973، تشارف على الانتهاء، أو هي تنتهي عملياً في ظل «فوضى جهادية» لا تجد من يستطيع كبحها في غياب «رادع دولتي»، وفي ضوء تصاعد عمليات إطلاق النار والصواريخ وتزايدها، وردود الفعل الإسرائيلية تجاه مطلقيها، خصوصاً في جبهة الجولان وغزة. أما في سيناء فالوضع الناشئ هناك ينذر بما هو أعقد، نظراً إلى تداخل المهام الأمنية بين الجيش الإسرائيلي والجيش المصري، حيث لا يجري التعرض للأمن الإسرائيلي فحسب، بل إن ما يجري يستهدف الأمن القومي المصري.
وفي روسيا الاتحادية اعتقلت قوات الأمن الروسية 140 شخصاً داخل مسجد في موسكو، في اطار حملة للبحث عن متشددين اسلاميين. وقال ضباط من فرع وكالة الأمن الفيديرالي في موسكو إن «ضباطا نقلوا المحتجزين، وبينهم اكثر من 30 اجنبياً، الى مراكز للشرطة جنوب موسكو. ولا مؤشرات الى علاقة حملة الاعتقالات بالهجوم المزدوج الذي استهدف ماراثون بوسطن في 15 نيسان/إبريل، وتتهم السلطات الأميركية شقيقين من اصل شيشاني بتنفيذه، ما ادى الى مقتل 3 اشخاص وجرح 264 آخرين. الى ذلك، قتل 3 مسلحين في اشتباك اندلع مع الشرطة في قرية كوشتيل بجمهورية داغستان شمال القوقاز الروسي. واوضحت الشرطة أن القتلى فتحوا النار على عناصر أمن أوقفوا سيارتهم ليلاً لتفتيشها، فردّ الأخيرون على مصادر النيران وأردوهم.
كما حذر جهاز الشرطة الأوروبية «يوروبول» في تقريره السنوي، من أخطار يمكن أن يشكلها أوروبيون يقاتلون في مناطق نزاع بعد عودتهم إلى دولهم. وأكد أن عام 2012 «شهد زيادة عدد الأوروبيين الذين يسافرون إلى مناطق النزاعات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط لتنفيذ نشاطات إرهابية، ما يعني تنامي خطر النشاطات الإرهابية في المرحلة المقبلة»، مشيراً إلى تغير هياكل الجماعات الإرهابية من شبكات منظمة إلى خلايا صغيرة وإرهابيين منفردين، يتدربون في مناطق نزاعات ويتعلمون تقنيات الاعتداءات من شبكة الإنترنت». وقال مدير جهاز الشرطة الأوروبية روب واينورايت، إن الجماعات الإرهابية ذات التوجه الديني تنتدب رعايا أوروبيين من أجل إرسالهم إلى مناطق نزاع». ولاحظ التقرير أن الأزمة السورية «استقطبت أوروبيين متشددين سافروا للتدرب والقتال، معلناً أن «مئات من الأوروبيين يشاركون في عمليات قتال بسورية، وقد لا يقل عددهم عن 500». وذكر التقرير أن «الجماعات المتشددة ذات التوجه الديني نفذت 6 اعتداءات إرهابية في أوروبا العام الماضي، بينما لم ترتكب أي منها عام 2011. وارتفع عدد الموقوفين المتشددين من 122 عام 2011 إلى 159 في 2012. كما يستهدف المتشددون رعايا أوروبيين خارج دول الاتحاد، حيث خطف رهائن في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وباكستان والصومال لأغراض إرهابية». ويشكل التقرير استنتاجاً مشتركاً لبيانات قدمتها دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى روسيا وكرواتيا وكولومبيا وآيسلندا وسويسرا وتركيا والولايات المتحدة، كما تحصل «يوروبول» على معلومات من مركز التحليل الاستخباراتي التابع للاتحاد الأوروبي، ومكتب منسق شؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد. ويحذر التقرير من «الأخطار الإرهابية المحدقة» بعد تزايد عدد الاعتداءات في دول الاتحاد العام الماضي وسقوط 17 قتيلاً فيها، مشيراً إلى أنه «رغم ضعف قيادة تنظيم القاعدة بتأثير الضربات العسكرية في الأعوام الأخيرة، لا تزال تهديدات الجماعات المتطرفة ضد أهداف مدنية مصدرَ خطر بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، ومصالح الدول الأعضاء في الخارج».
وهنا لا بد من القول ان الإرهاب لا يحمل صفة دينية محددة فقد يكون منتشراً بين عدد غير محدد من ابناء ديانات مختلفة وقد يمارسه البعض حت خلفيات دينية او باتخاذ الدين ستاراً لإخفاء الأسباب الحقيقة أو ارتباط هذا المجموعات بقوى دولية معينة لخدمة مصالحها او لارهاب دول أخرى لذا يجب الإضاءة وتحديد انواع الإرهاب ومدى انتشاره في مجتمعات وبيئات مختلفة ولاسباب متباينة:


الإرهاب الذي يحمل إشارات وعلامات او القائم على دوافع دينية:

–          لا شك بان ما جرى في 11 أيلول /سبتمبر عام 2001، في مدينة نيويورك ضد أبراج التجارة العالمية كان عملاً إرهابياً تغذيه وتدعمه بل تدفع إلى ارتكابه قناعات عقائدية دينية دون شك.. وهذا هو المحرك الأساس لعمل تنظيم القاعدة في مختلف دول العالم التي يتحرك فيها، فهو يعمل على تغذية الروح الجهادية بتعزيز التربية الدينية القائمة على فكر المواجهة بين فكرين وعقيدتين (المواجهة بين الإيمان والكفر) ولا ثالث لهما. وهذا السلوك وهذه المواجهة وتكرار العمليات الإرهابية تحت هذا العنوان وبناءً على هذا الفكر يجعل من صورة العالم الإسلامي بل الدين الإسلامي ومن كل مواطن مسلم سواء كان يعيش في بلاد إسلامية او يعيش في دول مختلطة الأديان والثقافات موضع شك وعنصر متطرف مفترض يجب مراقبته، لأن تحوله نحو التطرف قد يحدث في أية لحظة ودون سابق إنذار..؟

–          الصراع في إيرلندا الشمالية، بين الأقلية الكاثوليكية والأكثرية البروتستانتية، والذي استمر ولا يزال وإن بوتيرة اخف، يحمل في طياته بذور تربية دينية قائمة على التمييز بين اتباع مذهبين مسيحيين، ويجعل من الإختلاط بين اتباع المذهبين قضية صعبة.. وقد عاشت إيرلندا الشمالية فترة امنية صعبة تعرضت خلالها لحملة تفجيرات عشوائية استهدفت مناطق سكنية ومراكز شرطة، إلى جانب عدد كبير من عمليات الإغتيال الديني والسياسي..وطالت مواطنين مدنيين وعسكريين..

–          ما يتعرض له المسلمون في دولة ميانمار (نيبال سابقاً) من حملة تصفية وإبادة وتهجير على يد المتطرفين البوذيين، يشكل عملاً إرهابياً ضد اقلية مسلمة، وفي نفس الوقت تتغاضى السلطات الرسمية عن مواجهة هذه الأزمة الخطيرة وتتجاهل معالجتها بما يتناسب مع خطورتها وتداعياتها المحتملة على دول جنوب شرق أسيا..

–          إعلان إسرائيل انها دولة يهودية، مما يعني ان المسيحيين والمسلمين في هذا الكيان هم عرضة للمضايقات والتعامل معهم على انهم أقليات غير مرغوب بهم في دولة تسعى لتكريس هيمنة طائفة دينية واحدة (اليهود) على مؤسساتها وحتى على الحياة الإجتماعية فيها.. وهذا ما يحدث بالفعل حين نرى المضايقات والتعديات التي تطال ابناء الشعب الفلسطيني من مختلف الأديان في هذا الكيان الغاصب يتعرضون لتهجير قسري من صحراء النقب ومن الأحياء العربية في القدس الشرقية ومن تدمير منهجي لمنازلهم بحجة تامين يهودية القدس بشكل كامل..

أشكال الإرهاب:

بالرغم من محاولات البعض جعل الإرهاب صفة لازمة وملتصقة بتنظيم القاعدة فقط، إلا أن الإرهاب يتخذ الإرهاب أشكالاً متعددة.. وتتحمل مسؤولية انتشاره وتعدده وتفاقمه قوى ودول عديدة..

–          إرهاب الأفراد: من الممكن ان يكون الإرهاب من عمل أفراد، كما جرى في مدينة بوسطن الأميركية حيث تبين بعد التحقيقات الأولية مع أحد الموقوفين انه وشقيقه قد اتخذا قرار القيام بالتفجيرات دون الارتباط بأي جهة او تلقي تعليمات وتوجيهات من تنظيمات متطرفة.. وهذا السلوك هو احد اخطر انواع العمل الإرهابي لانه لا يمكن توقعه او اتخاذ أية إجراءات مسبقة للحؤول دون وقوعه.. ولا يمكن تجاهل عمليات القتل الجماعي اتي تحصل بين الحين والآخر في الولايات المتحدة في المدارس والمجمعات التجارية والتي تودي بعدد غير محدد من الضحايا لأسباب غير مفهومة، او بسبب ازمات نفسية يعاني منها من يرتكب الجريمة بعد حصوله على السلاح المناسب.. ولكن الفرق هو في ان ما يقوم به البعض إنما يكون لأسباب دينية وهو ما يؤسس لصراع بين اتباع الأديان المختلفة .. اما الأحداث الأخرى رغم بشاعتها فإنها تنتهي مع دفن ضحاياها..

–          إرهاب التنظيمات: بدون شك فإن إرهاب تنظيم القاعدة يشكل أحد اخطر التنظيمات الإرهابية، في العالم بأسره، نتيجة قدرته على تنظيم ادائه وتجنيد عناصره ونشر أفكاره مع تزايد انتشار وسائل الاتصال المتطورة (الانترنت وغيرها) وسهولة الحصول على خدماتها في مختلف انحاء العالم..كما ان فكر القاعدة الذي يقوم على مفهوم المواجهة بين فكرين وعقيدتين، جعل من مجرد الاقتناع بهذا الفكر مبرر انتماء وارتباط بهذا التنظيم فكرياً وليس تنظيمياً..ولذلك فإن الكثير من الممارسات والتصرفات والعمليات الإرهابية التي لا شك من ارتباطها بفكر القاعدة قد لا يكون بالضرورة من تخطيط قيادات القاعدة مباشرة.. ولكن يتم ارتكابها ونسجها على المنوال عينه من قبل من يؤمن بهذا التوجه لتخدم روح هذا الفكر وأسسه..وهنا لا يمكن تجاهل التنظيمات والمجموعات التي مارست الإرهاب ولا تزال.. ويجب التذكير فقط ببعض التنظيمات التي ارتكبت اعمال إرهابية في اوروبا والعالم ولأسباب عقائدية ولخدمة مباديء أيديولوجية.. وهي (عصابات الهاغاناه في فلسطين المحتلة والتي قادها حينذاك مناحيم بيغين رئيس وزراء إسرائيل لاحقاً والتي ارتكبت العديد من المجازر بحق أبناء اشعب الفلسطيني بهدف تهجيره من أرضه، وكذلك عصابات الأرغون وغيرها)..(منظمة بادر ماينهوف اليسارية المتطرفة التي عملت في دولة المانيا الغربية إبان الحرب الباردة في سبعينات القرن الماضي)… (الجيش الحمر الياباني اليساري.. والذي قام بعدد كبير من العمليات الإرهابية ضد مصالح الدولة اليابانية والولايات المتحدة الأميركية ومنها نشر غازات سامة في نفق المترو في اليابان).. (الألوية الحمراء في إيطاليا وهي ذات اتجاه يساري وقد اختطفت العديد من رجالات إيطاليا وكان اخطرها اختطاف رئيس وزراء إيطالي سابق "ألدو ورو" وقتله)..(حركة فتح المجلس الثوري.. او ما عرف بمجموعة "ابو نضال") وقد قامت بالكثير من عمليات التفجير والاغتيال لكل المعارضين لها واولئك المؤيدين لنهج وسياسات الراحل ياسر عرفات "أبو عمار" ومنظمة التحرير الفلسطينية..عمليات خطف الرهائن الأجانب في لبنان والتي امتدت لسنوات قبل الإفراج عن بعضهم والعثور على عددٍ منهم مقتول خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي..واليوم هناك تنظيمات ظهرت مؤخراً كالحوثيون في اليمن وما يقومون به من ترهيب وعمليات قتل وتهجير في مناطق صعدة والمحافظات اليمنية المحيطة، ولأسباب دينية.. وما يجري في العراق والباكستان ونيجيريا يؤشر إلى ان تنظيمات مدربة ومنظمة بشكل جيد هي من يقوم بممارسة العمليات الإرهابية وعلى نطاق واسع..

–          إرهاب الدول: لا يمكن تجاهل ان بعض الدول تمارس الإرهاب وعلى نطاق واسع متذرعةً بمواجهة عصابات او بقمع انتفاضات او لضرب مخربين وغير ذلك من الأسباب.. (من مجزرة مخيمي الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها إسرائيل عام 1982، إلى مجزرة قانا في جنوب لبنان والتي تكررت مرتين الأولى عام 1996، والثانية عام 2006..إلى جانب العديد من المجازر التي ارتكبتها قوات إسرائيلية في لبنان وفي دول عربية اخرى خلال حروبها او إعتداءاتها المتكررة، من مجزرة مدرسة بحر البقر في مصر إلى مجزرة مصنع النسيج أيضاً إلى حروب غزة المتكررة والتي سقط خلالها عدد كبير من الضحايا المدنيين).. (حرب دولة صربيا التي شنتها على الدول المحيطة وحتى على ابناء شعبها الذي كان يطالب بحقوقه..(البوسنة والهرسك، الجبل الأسود، كرواتيا، كوسوفو) و(الحرب الروسية على الشيشان وجورجيا) والحرب الأميركية على العراق وافغانستان والتي سقط ويسقط فيها عدد كبير من الضحايا المدنيين نتيجة اخطاء خلال تنفيذ مهمات أمنية او نتيجة دوافع عدائية يحملها الجنود المكلفين تنفيذ هذ المهمات وهذا ما تم التحقيق فيه ولا يزال جارياً في الولايات المتحدة وبريطانيا وحول حوادث وممارسات محددة سقط فيها ضحايا دون مبرر..كذلك ما قامت به حكومة العراق مؤخراً من هجوم على متظاهرين في منطقة الحويجة العراقية فسقط خلالها مئات القتلى والجرحى مما يجعل الدولة العراقية منخرطة بشكل او باخر في ممارسة الإرهابن وما يجري في سوريا اليوم من إطلاق صواريخ سكود من قبل الجيش النظامي على مناطق مدنية او على مدن وقرى سورية يجعل من الدولة السورية متورطة في ممارسة الإرهاب ضد أبناء شعبها، إذ لا يمكن حل ازمة سياسية او امنية بواسطة إطلاق صواريخ باليستية..

إن معالجة ازمة الإرهاب المتفاقمة او على الأقل الحد من تطوره وخطورته، يجب معالجتها بموضوعية وبعيداً عن الاتهام المسبق وتحميل شعوب وطوائف ودول وأبناء اديان مسؤولية ممارساتها، لأن الممارسات الإرهابية هي عمل افراد ومجموعات وبعض الدول التي تسعى لخدمة مصالحها أوترهيب خصومها او تثبيت حضورها كلاعب أساسي على الساحة الإقليمية او الدولية (إيران وكوريا الشمالية نموذجاً).. وإذا كان فكر الإرهاب هو ثقافة مجموعة، فهو بالتأكيد ليس ثقافة مجتمع وليس نتيجة تربية دينية موضوعية، بالرغم من ان البعض يسعى لتغليف تطرفه بالدين وفكره وتعميق الانقسام بين مكونات المجتمع ولو كان المجتمع يحمل طابعً واحداً وانتماءً محدداً بعينه، ليحافظ على تميزه وليفصل بين مؤيده وبين سائر مكونات المجتمع، وخطرالإرهاب قد يكون اكثر خطورة على البيئة التي انطلق منها أكثر منه على الدول المحيطة او تلك البعيدة عنه.. وهذه المعالجة تتطلب تضافر جهود الجميع دون استثناء وليس امنياً فقط بل وسياسياً عبر معالجة الأزمات السياسية التي تعصف بمناطق معينة وبشكل خاص الشرق الأوسط وقضية فلسطين على رأسها، والتي يستغل معاناة شعبها كل من يريد فتح أبواب الصراع في اماكن مختلفة وحتى بعيداً عن فلسطين وساحتها ولكن باسمها وبرفع رايتها.. وكذلك ثقافياً وفكرياً بفتح قنوات حوار ونقاش وتبادل اراء وإعطاء المزيد من الحريات الإعلامية المسؤولة وتلك التي تسعى لبناء وطن ودولة ومؤسسات وليس لتاجيج صراع وفتح قنوات المواجهة.. وبتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية والحد من البطالة وتامين فرص العمل، لأن البيئات الفاقدة لهذه المؤهلات هي المناسبة والحاضنة لكل فكر متطرف يسعى لترغيب من يريد الانتقام من ظروفه الصعبة وممن تسبب بها، او لزرع فكرٍ يفيد بالتغيير ولكن بالقوة وليس بالأساليب الديمقراطية وممارسة العمل السياسي.. وكذلك يجب تعزيز منطق الحوار بين الأديان والفصل بين الفكر المتطرف والفكر الديني ولو كان اصحاب الفكر المتطرف يسعون لتغليف فكرهم بمنطق ديني عقائدي لتعزيز حضورهم ولإعطاء دورهم وممارساتهم مشروعية دينية..تدفع لتعزيز الصراع بين ابناء الأديان وبين الحضارات…

* مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات

المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى