من يسعى إلى تخفيض سكان العالم إلى 500 مليون نسمة؟ الحقيقة والوهم في ألواح جورجيا الغامضة ومقررات لوغانو المتطرفة ومشروع “لقاح بيل غيتس”

 

فجأة ومن جديد فتحت وسائل الإعلام أبوابها أمام أحاديث تتقاطع ما بين الغموض والشك، الحقيقة والخيال، وهو أمر طبيعي جداً في أزمنة المحنة، وفجأة كذلك عادت الأصابع تشير إلى ألواح جورجيا الغامضة، وتعيد قراءة سطور تقرير لوغانو الأكثر إثارة في العقدين الماضيين، بما فيه من رؤى مالتوسية تربط بين مستقبل العالم وعدد سكان الكرة الأرضية، وأضحى الجميع في حالة تساؤل مستمر: هل كورونا هي الفصل المكمل والمتمم للمؤامرة الكونية، أم أنها استراتيجيات الأقطاب الدولية الكبرى، تلك التي تعمل جاهدة للحفاظ على مكتسباتها التاريخية، وتدافع عنها بطرق مشروعة تارة، وبفوقية إمبريالية ليبرالية كما سيسميها أحد المؤرخين المعاصرين تارة أخرى؟

 مهما يكن من أمر الجواب، وقبل الخوض في غمار هذه القصة، وحتى لا يتهمنا البعض بأننا نروج لغموض، أو نثير الذعر، عبر تبني نظرية المؤامرة، دعونا نتفق على أن أصحاب نظرية التاريخ المتآمر ومعهم أصحاب نظرية الهيمنة العذراء، كلاهما يثير الغبار والدخان، من حول الواقع الحالي… لماذا؟

لأن العلاقات الدولية صراعات وقوى، ومصالح تمارس فعلها بالنار، وتندفع إلى سباق الحياة بأقصى سرعة يسمح بها العقل والعلم، وهي تجرب فرض إرادتها بكل الوسائل علناً وسراً، إقناعاً وقسراً، حرباً مكشوفة وتربصاً في الظلام، ومن هنا فإن التاريخ يصعب اعتباره مؤامرة مستمرة، وفي اللحظة عينها يصعب إطلاقاً اعتباره فردوساً للأطهار.

كورونا الوباء الفتاك القاتل

على حين غرة ضرب فيروس كورونا العالم، من غير تأكيد حتى الساعة من أين جاء، ومن دون مقدرة على التنبؤ بمساراته ومساقاته المستقبلية، وإلى أين يمضي، وبينهما يسقط الآلاف، وربما لاحقاً الملايين، وبخاصة في ظل عدم المعرفة الكافية للمنشأ، وهل هو طبيعي أم مخلّق أو مصنّع، ناهيك عن الضبابية التي تحوم من حول وسائل مجابهته، فلا أمصال أو لقاحات تبدو ظاهرة في الآفاق، ولا أدوية لمعالجة المصابين. وبين هذا وذاك تروج القصص التي يتفتق عنها العقل البشري، وجميعها تدور حول فكرة “الداروينية الاجتماعية”، وهي النظرية التي ظهرت في المملكة المتحدة وأميركا الشمالية وكذا أوروبا الغربية في سبعينيات القرن التاسع عشر، وتدعى تطبيق المفاهيم البيولوجية للانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح، على علم الاجتماعي والسياسة.

وعلى الرغم من أن المصطلح اكتسب اسمه من عالم الأحياء الشهير البريطاني تشارلز داروين، إلا أن الأفكار التي يشير إليها سابقة لصدور مؤلف داروين “أصل الأنواع”، ويتم وصف أعمال العديدين بالداروينية الاجتماعية مثل “روبرت مالتوس” و”فرانسيس كالتون” مؤسس نظرية تحسين النسل في نهاية القرن التاسع عشر.

يدّعي البعض أن هذه النظرية تشجع العنصرية، معتمدة على أفكار “أرتو دي كوبينو” السابقة لنشر داروين لنظريته والتي تتعارض مع نظرية داروين بشكل مباشر.

في هذا الإطار، يضحى من الطبيعي أن يتحدث البعض شفاهة ومن غير تأصيل علمي، أو حفر عميق تاريخي وسيسيولوجي عن أفكار من نوعية القلة التي تحكم العالم، وكيف أن فيروس كورونا هو بداية المخاض، لإحداث انهيار عالمي اقتصادي، ومن ثم ظهور حكومة عالمية موحدة. ووسط هذ الطرح يكثر الحديث عن مسألة العلاقة بين حال ومآل سفينة البشر في بحر كورونا الهائج، وبين تعداد سكان الكوكب الأزرق، كما أن هناك من يعتبر الأمر خرافات وضرباً من ضروب الخيال والقناعة بالمؤامرة، بل إن الأمر وصل حد القول إن الفيروس هو أحد  أعمال مؤسسة “جافي” التابعة لبيل غيتس، ولهذا استقال الرجل من منصبه في مايكروسوفت ليتفرغ لقصة الأمصال واللقاحات، والحديث يطول عن أفكار من هذه الشاكلة والتي ينظر إليها على أنها مثيرة للشفقة عند عقول ضعيفة البنية والتكوين، غير أن أي بحث علمي موضوعي يقتضي أن يترك فيه المرء هامشاً من الشك، فليس كل ما هو ظاهر على السطح هو الحقيقة الكاملة، وهناك دوماً وراء الأكمة ما وراءها.

سر ألواح جورجيا الغامضة

يمتلئ العالم بالمعالم الأثرية التاريخية، بعضها يعود إلى آلاف السنين، فيما بعضها الآخر حديث العهد لا يتجاوز أربعة عقود، مثل ألواح جورجيا، الواقعة في مدينة ألبرتا، بالولايات المتحدة الأميركية، والتي طفا الحديث عنها على السطح من جديد بالتزامن مع جائحة كورونا.

باختصار نحن أمام ألواح عدة حجرية غرانيتية مصنوعة بدقة وفخامة، خمسة ألواح، يبلغ طول الواحدة منها 4.9 متر، ويزن 20 طناً، في الوسط يتمركز لوح آخر، تحيط به أربعة ألواح مستطيلة، محفورة على اللوح المتوسط رسالة بلغات مختلفة قديمة وميتة، البابلية واليونانية والسنسكرينية والهيروغليفية المصرية، ومنقوش على أوجهها الأمامية رسالة بلغات معاصرة الإنجليزية، الإسبانية، السواحلية، الهندية، العربية، العبرية، الصينية، الروسية.

السؤال الرئيسي من الذي قام ببناء هذه الألواح ولأي غرض، ثم ما هي الرسائل المنقوشة على جدرانها وماذا تعني؟

البحث المعمق يؤكد أن من يقف وراء هذا العمل مجهول، وإن كان يرمز له C.R، أما الشركة المنفذة فهي شركة “ألبرتون لأعمال الغرانيت” أهم وأكبر شركة غرانيت حول العالم.

بالقرب من الأحجار الغرانيتية الضخمة هناك بلاطة على الأرض منقوش عليها العبارة المثيرة التالية: LET  THESE  BE GUIDESTONES TO AN AGE OF REASON  أي: لتكن أحجار هذا النصب السبيل إلى عصر الرشد.

لكن عن أي رشد يتكلم صاحب الألواح المثقبة بثقوب تتقاطع والنجوم والكواكب، والشمس والقمر، ما يدلل على أن الأمر أهم وأخطر من كونه “أداة فلكية ضخمة” كما أخبر C.R  صاحب ورئيس شركة ألبرتون “جو فندلي”؟

هنا نقترب من السر الغامض، الذي وصفه البعض بأنه دستور الماسونية، وقال فريق آخر إنه مانفيستو المسيح الدجال، لا سيما أنها عشر نقاط وكأنها تقابل الوصايا العشر الأولى في التوراة.

أما الرسالة أو الوصايا فهي كالتالي:

ابقوا عدد الجنس البشري أقل من 500 مليون نسمة في توازن دائم مع الطبيعة.

وجهوا التناسل البشري مع تحسين اللياقة البدنية والتنوع.

وحدوا الجنس البشري بلغة جديدة معاصرة.

تحكموا بالعاطفة وبالعقيدة وبالتقاليد وبجميع الأشياء بمنطق معتدل.

إحموا الناس والدول بواسطة قوانين عادلة ومحاكم منصفة.

أتركوا الدول تحكم داخلياً مع تصفية النزاعات الخارجية في المحكمة العالمية.

تجنبوا القوانين التافهة والموظفين العديمي الفائدة.

وازنوا ما بين الحقوق الشخصية والواجبات الاجتماعية.

شجعوا الحقيقة، الجمال، الحب، لإيجاد التوافق المطلق.

لا تكونوا سرطاناً فوق الأرض، افسحوا مجالاً للطبيعة، افسحوا مجالاً للطبيعة.

ملاحظات عدة تتخفى وراء هذه الجدران الغرانيتية التي طلب “روبرت كريستيان” CR  أن توضع بطريقة ومن مواد تواجه أعتى الكوارث الطبيعية التي يمكن أن تضرب الأرض هناك، وفي مقدمها أنها صنعت عام 1980، أي في أوج الحرب الباردة بين حلفي الناتو ووارسو، وقد كان سيف “ديموقليس” النووي معلقاً على رقاب العالم، فهل كان صانع ألواح جورجيا يتوقع حرباً نووية مهلكة أم كوارث طبيعية إيكولوجية مدمرة تقضي على غالبية البشر؟

يمكن تفهم كل ما تقدم من خلال تسع وصايا، أما تلك التي توصي بالاحتفاظ بعدد الجنس البشري عند حدود 500 مليون نسمة فقط وفي توازن دائم مع الطبيعة، فهي التي تثير الجدل والشك حتى الساعة، وربما لهذا تعرض النصب عام 2008 إلى محاولة تشويه بشكل رسمي، من خلال طلاء حجارته بطلاء البولي يوريثان، والكتابة على جدارنه بعبارات من نوعية “الموت للنظام العالمي الجديد”.

أما أغرب الأشياء في هذا البناء فهو الحديث عن كبسولة زمنية مدفونة تحت اللوح المتوسط، بها تواريخ ترتبط بمسيرة الإنسانية، الأمر الذي يعيد للأذهان قصة الفيلم الأميركي الذي أخرجته هوليوود للعالم عام 2009 بعنوانKNOWING  من بطولة الممثل الشهير نيكولاس كيدج.

هل نحن أمام سردية خفية لحكومة عالمية كما يذهب البعض؟

من له المقدرة على تنفيذ توصيات “ألواح جورجيا الغامضة” على ذلك النحو إن لم تكن هناك أياد خفية، وحكومة عالمية تدير المشهد من وراء الستارة كما يؤمن فريق كبير في الغرب، وليس في الشرق، حيث نتهم دوماً بأننا أصحاب فكر المؤامرة.

أحد أفضل الكتاب والباحثين الغربيين، الذين غاصوا عميقاً جداً في أسس بناء الولايات المتحدة الأميركية نائب وزير الدفاع الكندي في زمن الحرب العالمية الثانية “وليم غاي كار”، صاحب العديد من المؤلفات الشيقة والشاقة في الوقت ذاته، ومنها كتابه الشهير “الضباب الأحمر فوق أميركا”، وقراءته وتحليل شفراته، تؤكد لنا بما لا يقبل الشك، أن المشهد الأميركي طليعة العالم الجديد، ويحمل في السر أكثر بكثير جداً مما هو ظاهر في العلن.

يرى “كار” أن هناك من قام بغسل عقول الأميركيين منذ زمن بعيد جداً، زمن الجنرال “ألبرت بايك” والقس اليسوعي المنشق “وايزهاوبت” في نهاية القرن الثامن عشر، وقد كانا الأساس الذي بنى عليه “التنويريون” رؤيتهم للولايات المتحدة الأميركية، وهي رؤية تتقاطع طولاً وعرضاً مع أفكار “البيوريتانيين” من الآباء المؤسسين لأميركا، أولئك الذين اعتبروا أراضي غرب المحيط الأطلنطي، حيث الهنود الحمر سكانها الأصليين بمثابة “أرض كنعان الجديدة”، والهروب إليها من أوروبا القرون الوسطى، ذات الصراعات الأيديولوجية والدوغمائية شبيه بهروب بني إسرائيل من أرض مصر إلى فلسطين بحسب الرواية التوراتية.

“الضباب الأحمر فوق أميركا” عمل استغرق من مؤلفه 35 سنة من البحث في حال المؤسسات القومية الأميركية، أدرك فيها أن هناك من يتبنى في الداخل الأميركي فكرة الحكومة العالمية الموحدة، كدرب وحيد لحل الخلافات الاقتصادية والسياسية والدينية، وأن كافة المنظمات التي لديها تطلعات دولية قد تم تنظيمها وتمويلها وتوجيهها والسيطرة عليها من قبل النورانيين منذ عام 1786، هؤلاء الذين ينوون سراً اغتصاب سلطات الحكومات الوطنية، الواحدة تلو الأخرى ومن ثم فرض ديكتاتورية شمولية، لا ينجو من آثارها الكارثية أحد… لماذا يتم استدعاء “كار” وغيره من أصحاب الآراء التي عملت جاهدة على إيقاظ الأميركيين بخاصة، وشعوب العالم برمتها في هذا التوقيت الكوروني المثير للخوف والقلق دفعة واحدة؟

لأن هناك توجهات يراها البعض حول العالم مثيرة للتساؤل، تجري في الداخل الأميركي وتدور حول نقطتين:

أولاً: الأسباب الرئيسية وراء تحول نشاط رجل مايكروسوفت الأشهر “بيل غيتس” من مجال عالم الكمبيوتر والبرمجيات الذي جعله من كبار أثرياء أميركا والعالم، إلى الاستثمار في مجال اللقاحات الطبية.

هنا يحدث ربط ما بين تصريحات بيل غيتس عن ضرورة تطعيم كل سكان العالم ضد وباء كورونا، وبين فكر رجل الاقتصاد “روبرت مالتوس”، الباحث الإنجليزي الشهير في أواخر القرن التاسع عشر، والذي لفت النظر إلى أن سكان العالم يتزايدون بمتوالية هندسية (2، 4، 8، 16) في حين أن موارد العالم تتزايد بمتوالية عددية (2، 4، 6، 8)، بالتالي فإن موارد الكوكب لن تكفي الجميع، ولكي يحافظ الأغنياء على حياتهم ومواردهم بنفس النمط والمعدل من الوفرة والثراء، فإن أعداد سكان العالم يجب أن يتم التحكم فيها.

ثانياً: مشهد تداخل الذكاء الإصطناعي في واقع حال ومآل البشرية، والتظاهرات اليوم في الداخل الأميركي والأوروبي ترفض فكرة التطعيم ضد كورونا، لا سيما إذا اقترنت بإدخال روبوت غير مرئي، في شكل شريحة، للتعايش الدائم ومراقبة عمل أعضاء الجسد، بل أيضاً مراقبة أفعاله وسلوكياته، بالتالي التحكم التام من قبل رواد العصر التوليتاري الرقمي في جسد الإنسان وتفكيره وسلوكياته.

هل تقودنا وصايا ألواح جورجيا الغامضة، والأغرب منها توجهات بيل غيتس وشركاه، إلى قناعة ما بأن كورونا هي الخطوة التمهيدية لما بعد النظام العالمي الجديد، ذاك الذي بشر به جورج بوش الأب في أوائل التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟.

مرة جديدة إن لم يكن التاريخ كله مؤامرة فإن المؤامرة موجودة في بطون التاريخ، وما يرجح رأياً في مقابل آخر، المزيد من الأدلة العقلية والنقلية إن جاز التعبير، ومن هنا تبقى عملية إعادة قراءة والنظر من جديد في تقرير لوغانو أمراً شديد الأهمية ومطلوباً على وجه السرعة في حاضرات أيامنا… فماذا عن ذلك التقرير؟

تقرير لوغانو والحفاظ على الرأسمالية

حين خرج المفكر الياباني الأصل الأميركي الجنسية، “فرانسيس فوكاياما” على العالم برؤيته التي ضمنها فكرة نهاية التاريخ بالوصول إلى الرأسمالية، تلك الفكرة  الشمولية التي لا تقل خطورة عن طرح “الرايخ الثالث”، لأدولف هتلر، لم يكن في واقع الأمر إلا إضافة جديدة في سياق “الطغمة الحاكمة”، تلك التي تحدث عنها “دافيد روثكبوف” الكاتب الأميركي، في كتابه الذي يحمل الاسم ذاته، ومنها جماعة المحافظين الجدد، أصحاب الفكر اليميني، الذي يؤمن بتفوق الرجل الأبيض، والذين سطروا في نهاية تسعينيات القرن العشرين وثيقة “القرن الأميركي”، والتي هي أشد هولاً مما توافر لهتلر من أدوات سيطرة وهيمنة عالمية اقتصادية ودعائية، وعند أصحابها أن القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون قرناً أميركياً بامتياز، وأن لا يشارع أو ينازع أحد واشنطن في الهيمنة على مقدرات البشرية.

في الوقت عينه كانت هناك جماعة أخرى من الخبراء من أنصار اليمين الأميركي ومن لف لفّهم من أوروبا، يلتقون في مدينة “لوغان” السويسرية عام 1996، ليبلوروا مشروعاً من أجل الحفاظ على سيطرة الجنس الأبيض على العالم… فما هي خلاصة التقرير بعد فض أضابيره للعالم؟

وثقت “سوسان جورج” مدير شؤون الشرق الأوسط في الأمم المتحدة في تسعينيات القرن المنصرم، ومساعد مدير المعهد عبر القومي في واشنطن، قصة هذا التقرير في كتاب شهير لها يحمل عنوان The Lugan Reort “تقرير لوغانو… الحفاظ على الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين”.

التقرير هو خلاصة نتاج عمل بحثي لعقول سياسية وعسكرية، استخباراتية واقتصادية، سكانية وبيولوجية، وقد جاءت النتيجة في نهاية الاجتماع لتفيد بأن الرأسمالية في صورتها الليبرالية الآنية، لن يقدر لها أن تبقى على حالها هذا لفترات زمنية ممتدة، طالما بقيت أعداد البشر تتزايد على هذا النحو الذي نراه، الأمر الذي لا بد معه أن يتم استنزاف موارد الكوكب الأزرق، ومصادر الطاقة، والتلوث البيئي، تلك التي تحمل الاقتصاد العالمي ما لا يتحمله، ولهذا فإن الحد من تنامي الأجناس الأخرى قد يكون هو الحل، حتى يستقيم الوضع الاقتصادي العالمي بخلاصه من الأفواه الجائعة… هل خطوط تقرير لوغانو ترتبط بحبل سري مع التوصية الأولى المحفورة على الغرانيت في ألواح جورجيا، والتي تشير إلى ضرورة إبقاء سكان العالم عند حدود 500 مليون نسمة وفي توازن مع الطبيعة بشكل دائم؟

لوغانو والتخلص من ملايين البشر

في الجزء الثاني من تقرير لوغانو نجد صنّاعه يقدمون لنا معادلة تتحكم في التأثير في كوكب الأرض، ومساقات الإنسانية، معادلة تتكون من ثلاثة عناصر:

الاستهلاك (س)، التكنولوجيا (ت)، السكان (ك)، ولأن العنصر الثالث هو جوهر القضية، لذا يهتم العمل بتحليله وتفكيكه بالأرقام، والتي كانت على النحو التالي في العام 1996:

يعيش الآن على سطح الأرض ستة مليارات نسمة، أي ضعف ما كان عليه الحال عام 1970، حين كانوا وقتها نحو ثلاثة مليارات فحسب، ويولد يومياً 360 ألف طفل أكثر من 90 في المئة منهم في العالم الثالث، مما يضيف للعالم مكسيكاً أخرى كل سنة، وهنداً أخرى كل 12 سنة.

إحدى النقاط التي يتوقف أمامها تقرير لوغانو، هي معدلات الوفيات والمواليد حول العالم والتي كانت متقاربة طوال التاريخ، غير أن المشهد في العقود الأخيرة تغير لسببين:

أولاً: زيادة نسبة الخصوبة عند غالبية سكان قارات العالم الست.

ثانياً: تقدم أحوال الرعاية الصحية وانخفاض معدلات الأوبئة والأمراض المتوطنة، ومعنى ذلك زيادة كبرى في عدد سكان العالم بشكل دوري.

كان الحديث في التقرير يهدف للوصول إلى مرحلتين، الأولى عام 2000، والثانية عام 2020، والهدف الرئيس هو عودة سكان العالم إلى تعداد عام 1975، أي 5 مليارات نسمة.

وحتى يعود الرقم إلى هذا الوضع، كان لا بد من العمل على تخفيض سكان الكرة الأرضية، غير أن السؤال: أين ينبغي أن يحدث مثل ذلك الانخفاض؟

نص التقرير كالتالي: “في الوقت الحالي يسهم العالم المتقدم بأقل من 10 في المئة من حالات الميلاد حول الكرة الأرضية، و23 في المئة من الوفيات العالمية، وهكذا فمن بين 81 مليون نسمة يضافون في العالم الفقير، فإن صافياً يبلغ مليون نسمة فقط يضاف إلى العالم الغني، كما أن بعض البلدان المتقدمة مثل ألمانيا ينخفض فيها عدد السكان الوطنيين فعلاً، ويمكن أن يعزى أي نمو سكاني لحالات الولادة في الجاليات المهاجرة وحدها”.

يكمل التقرير: “الرقم الذي ينبغي أن نركز عليه هو الـ81 مليوناً الصافية التي تضاف كل سنة إلى سكان العالم في البلاد الفقيرة، ووفقاً للتقديرات المتحفظة، فإنه إذا لم يتغير شيء، فإن هؤلاء الـ81 مليوناً سيصبحون 90 مليوناً بحلول عام 2005 و100 مليون في عام 2020.

الخلاصة القاتلة عند جماعة “لوغانو”، كالتالي: “لكي نصل إلى هدف 4 مليارات في عام 2020، لا بد من أن ينخفض سكان العالم بمتوسط يبلغ 100 مليون نسمة كل سنة لمدة عقدين، وينبغي أن يحدث تسعة أعشار التخفيض أو أكثر في البلدان الأقل تطوراً، وينبغي بذل الجهود في كل من زيادة الوفيات، وتخفيض الخصوبة بنسب تختلف مع الوقت والفرصة”… هل كان لأصحاب هذا التقرير أن يغفلوا الصين في قراءتهم ذات التوجهات العنصرية الأشد فتكاً من رؤية هتلر والنازية وموسوليني والفاشية؟

عن الصين والعقبة الكبرى

لماذا لم يظهر كورونا في مكان آخر حول العالم، كالهند أو روسيا، أو أميركا اللاتينية على سبيل المثال؟

عند واضعي تقرير لوغانو أن أكبر عقبة أمام الأهداف الطموحة للحد من السكان في كلمة واحدة، هي الصين، فواحد من كل خمسة أشخاص على الأرض صيني، ولكل ما يحدث هناك أهمية بالغة لبقية العالم، ولو أننا من أجل الوصول بسكان العالم إلى 4 مليارات في عام 2020 قد قيمنا كل بلد على أساس نسبي، فسيكون على الصين أن تخفض عدد سكانها من 1.2 مليار إلى 800 مليون وحجم هذه المهمة مذهل… هنا على القارئ أن يتنبه إلى الجملة التالية بحسب نص التقرير: “سيكون على الصين أن تخضع بشكل ما لإستراتيجيات الحد من السكان”.

ماذا يعني ذلك؟

الجواب ربما يفتح الباب بصورة أو بأخرى لقراءة مغايرة حول الذي جرى في “ووهان” تحديداً، لا سيما أن هناك إشارات عميقة إلى أنه من غير المحتمل أن تذعن الصين لإنذارات الحرب، على الرغم من وجود جيش محترف قوي يزيد على 3 ملايين رجل، كما أن الصين الآن أكبر منتج للحبوب، ولذا فإن مجاعة من النوع الذي قتل نحو 30 أو 40 مليون نسمة في أوائل الستينيات ليست خطراً جدياً.

الكارثة في تقرير لوغانو جهة الصين، أنه يفتح الباب للتشكيك في عدد سكان الصين بالفعل، إذ يتساءل: “كم عدد سكان الصين؟ ويجيب رسمياً 1.2 مليار، أما في الواقع فلا أحد يعرف، فقد بدأت الصين ما تسميه سياسة الطفل الواحد في عام 1979، وساعدت على بقاء الوهم في العالم الخارجي بأن هذه السياسة تنفذ بالفعل، لكن هذا بعيد من الحقيقة، وبخاصة في المناطق الريفية، وقد يكون على موظفي الحكومة اتباع القواعد، لأن من السهل عقابهم، لكن عشرات الملايين من الأسر الريفية لا تولي اهتماماً كبيراً للمراسيم الحكومية، فالجبال مرتفعة والأمبراطور بعيد، كما أن للمسؤولين الحزبيين مصلحة كبرى في الإبلاغ عن انخفاض معدلات المواليد في أقسامهم… فهل كورونا هو بديل آخر لتخفيض عدد سكان الصين؟

إذا صح هذا الامر، فكيف يتجاوز عدد الوفيات من جراء الفيروس الشائع 85 ألف أميركي، ولا يرقى المشهد  في الصين إلى أربعة آلاف ضحية، إن لم تكن هناك جولة ثانية للفيروس داخل الصين، كما يتوقع كثير من العلماء، وهناك من الأخبار ما يشير إلى أن ووهان انتكست ثانية، ولا أحد يعرف حقيقة المشهد داخلها  وتعداد الوفيات والمصابين.

جورج كينان وحكام العالم الجدد

يمكن للباحث في الإشكالية التي نحن بصددها أن يتوسع بشكل كبير للغاية، غير أننا نود أن نختم ببعض الإشارات الواردة في مؤلف “جون بيلغر” الكاتب والصحافي الاستقصائي الأسترالي في صحيفة “غارديان” البريطانية، حول حكام العالم الجدد، أولئك الذين تتسق رؤاهم للعالم، مع وصايا ألواح جورجيا ومقررات “تقرير لوغانو”.

من بين هؤلاء ما قاله “جورج كينان”، المخطط الإستراتيجي الأميركي، وأحد أهم العقول الأميركية، التي بلورت التعاطي مع الاتحاد السوفياتي، وعنده: “إننا  نستحوذ على خمسين في المئة من ثروات العالم، ولكن ليس لدينا سوى 56.3 في المئة من عدد سكانه، في مثل هذا الموقف تكون مهمتنا الحقيقية في الفترة المقبلة هي الإبقاء على هذا الوضع من التفاوت، وحتى يتسنى لنا ذلك، لا بد لنا أن نتحلل من كل المشاعر العاطفية… ينبغي أن نتوقف عن التفكير في الحقوق الإنسانية، وفي رفع مستويات المعيشة وإقرار الديمقراطية”.

أما المؤرخ  البريطاني الشهير “نيل فيرغسون”، فيرى أن لغة الإمبريالية  الليبرالية على حد تعبيره، يمكن أن تكون جيدة، ووحدها أميركا هي القادرة على قيادة العالم الإمبريالي الجديد.

وفي الخلاصة: أين الحقيقة وأين السراب؟

المثل اللاتيني الشهير يقول إن الحقيقة هي وضع متوسط بين تطرفين، وهذا يتسق مع مقدمة الحديث، التاريخ ليس مؤامرة بالكامل، ولا فردوساً للأطهار بالمطلق، وفي المنتصف حقائق وأكاذيب، وشعوب تفقد حياتها في مباراة غير متكافئة على خريطة الشطرنج الإدراكية الأممية.

الإندبندنت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى