دراسة| غياب المسئولية الدولية: تأثيرات أزمة اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط (صافيناز محمد أحمد)

 

صافيناز محمد أحمد*


تعد أزمة اللاجئين السوريين من أخطر الأزمات الإنسانية التي تواجه المجتمع الدولي خلال المرحلة الراهنة، وتمثل كارثة إنسانية متعددة الأبعاد؛ حيث أجبرت الحرب السورية الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات السوريين على مغادرة بلادهم بعدما باتوا يواجهون خيارين لا ثالث لهما، إما البقاء ومواجهة خطر الموت، وإما الهروب إلى الدول المجاورة ومواجهة مستقبل غامض يحتاجون فيه إلى تأمين أبسط احتياجاتهم الإنسانية اليومية من مأكل ومأوى.
ولا تتوقف الآثار السلبية للأزمة على أبعادها الإنسانية فقط؛ بل تمتد تداعياتها شديدة الخطورة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية إلى داخل الدول التي تستقبل آلاف اللاجئين السوريين، لا سيما دول الجوار الإقليمي، وبالتحديد الأردن ولبنان وتركيا والعراق.

الأزمة السورية إذن تُلقي بظلال قاتمة على كلا الطرفين؛ اللاجئون والدول المستقبلة لهم؛ حيث تقدر أرقام اللاجئين الفارين من سوريا حتى الآن بحوالي ستة ملايين، ما بين لاجئ ونازح يعانون ظروفًا إنسانية غاية في الصعوبة، وتعاني في الوقت نفسه الدول المستقبلة لهم ضغوطًا هائلة لاستيعاب هذه الأعداد الضخمة، ما يمثل ضغطًا على الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تقدمها تلك الدول للاجئين.

وقد تتجاوز التأثيرات السلبية للجوء الجماعي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لتشمل الأوضاع السياسية والأمنية، وهو ما قد يؤثر على الاستقرار السياسي والأمني لتلك الدول في الوقت الراهن.

أولا: خريطة اللاجئين السوريين:

ازدادت أزمة اللاجئين السوريين حدةً مع النصف الثاني من العام الماضي بصورة دعت المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الصادر في يونيو 2013 وحتى ديسمبر من العام نفسه إلى وصفها بأنها "أكبر كارثة إنسانية في الأزمنة الحديثة"؛ حيث تشير الأرقام إلى أن حوالي 6 ملايين سوري قد أجبروا على مغادرة منازلهم تمكن حوالي 2.3 مليون منهم، وهم المسجلون في جداول المفوضية (52 % منهم من الأطفال)؛ من عبور الحدود إلى دول الجوار، وبالتحديد الأردن ولبنان وتركيا والعراق، والتي استقبلت مجتمعة حوالي 97% من اللاجئين، وذلك بحلول التاسع من ديسمبر 2013، كما تم تصنيف ما لا يقل عن 4.25 ملايين شخص من النازحين داخليًّا.
في الوقت الذي أقر فيه التقرير بوجود حالات تستدعي نقلها إلى دول أخرى، لا سيما الدول الأوروبية قبل حلول نهاية العام الجاري، يبلغ عددها حوالي 30 ألفًا، معظمهم من النساء، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، والمعوقين، وضحايا التعذيب. في ضوء ذلك أطلقت المفوضية -وفقًا لتقريرها- نداءً عالميًّا لمساعدة اللاجئين السوريين، قدرت فيه حجم المساعدات المطلوبة بحوالي 2,98 مليار دولار أمريكي، ولم تحصل المفوضية على استجابة دولية سوى بما يقدر بحوالي 840 مليون دولار، ويتوقع تقرير المفوضية أن يكون حوالي نصف سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليون نسمة في حاجة عاجلة للمساعدات الإنسانية مع نهاية العام الجاري 2014.

لبنان:

يُعتبر لبنان أكبر الدول المستضيفة للاجئين السوريين، سواء من حيث عدد اللاجئين نفسه، أو من حيث نسبتهم لإجمالي عدد سكانه؛ حيث يبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان والمسجلين في جداول المفوضية حوالي 897.735 ألف لاجئ حتى 5 ديسمبر 2013، وقد ارتفع هذا الرقم خلال فبراير 2014 ليصل إلى أكثر من 927 ألف شخص، وقد يرتفع إلى 1.6 مليون نسمة في نهاية عام 2014 الجاري,
بينما تقدر الحكومة اللبنانية أن عدد اللاجئين السوريين فعليًّا يبلغ حوالي مليونًا ومائتي ألف شخص، وهو ما يفرض ضغوطًا اقتصادية واجتماعية على لبنان؛ حيث يتوقع أن يشكل عدد اللاجئين حتى نهاية العام ما يعادل 37% من إجمالي عدد سكانه، ومن الناحية الاقتصادية فقد أوردت التقارير الصادرة عن البنك الدولي، في إطار تقييم الآثار الاقتصادية لأزمة اللاجئين السوريين على لبنان؛ أن من المتوقع أن تزيد نفقات الحكومة اللبنانية بنحو مليار ومائة مليون دولار خلال الفترة من 2012 إلى 2014، فيما يتوقع ارتفاع نسبة البطالة إلى 20 % في حالة وصول عدد اللبنانيين العاطلين عن العمل إلى 324 ألف شخص، كما تراجع حجم الصادرات اللبنانية، وانخفض معدل النمو من 20 % إلى سالب 1 %، وخسر لبنان ما يعادل مليارًا ونصف المليار دولار من عائداته، مقابل زيادة الإنفاق بما يعادل مليار دولار، وقد بلغ حجم الخسائر الإجمالية للاقتصاد اللبناني حوالي 5ر7 مليارات دولار.
ويحتاج لبنان -وفقًا لتقدير البنك الدولي- حوالي 2 مليار ونصف دولار يجب توجيهها للاستثمار في مجالات البنية التحتية، خاصة الكهرباء، والمياه، والنقل، إلى جانب قطاعي الصحة والتعليم. ويضغط عدد اللاجئين السوريين أيضًا على طبيعة الموارد اللبنانية المحدودة، وعلى مرافق الدولة، والبنية التحتية، وعلى موازنة الدولة، وما يرتبط بذلك من تزايد في نسب الفقر، ومعدلات البطالة، هذا بخلاف التداعيات السياسية والأمنية التي تأثرت بها الدولة نتيجة تصاعد أعمال العنف في المناطق الحدودية المتاخمة لسوريا، لا سيما مناطق شمال شرق لبنان خلال نوفمبر 2013، ومدينة طرابلس خلال ديسمبر من العام نفسه.
وعلى الرغم من تداعيات وجود هذا العدد الضخم من اللاجئين على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ تعتبر لبنان -وفقًا لتقرير المفوضية العليا لشئون اللاجئين المذكور آنفًا- أفضل الدول المضيفة استيعابًا للاجئين، من حيث ما تقدمه من خدمات، ومن حيث حفاظها المستمر على سياسة الحدود المفتوحة، ومن حيث التعاون الإيجابي الذي تبديه وزارات الصحة والشئون الاجتماعية والتربية.

ويعاني اللاجئون السوريون في لبنان من مجموعة من المشاكل، منها ارتفاع تكاليف الحياة اليومية قياسًا بمثيلاتها في وطنهم الأم، كزيادة أسعار السلع، والدواء، والخدمات، وارتفاع معدلات إيجار السكن، فضلا عن وجودهم في مناطق قد لا تتوافر لهم فيها حماية أمنية، لا سيما في بعض المناطق التي تُساند نظام بشار الأسد في مواجهة المعارضة، وتعد مشكلة التعليم من أكبر المشاكل التي تواجه اللاجئين السوريين في لبنان؛ حيث يقدر عدد الأطفال السوريين المسجلين في المدارس اللبنانية -وفقًا لتقديرات المفوضية العليا لشئون اللاجئين- بحوالي 300 ألف طفل، يتلقى حوالي 30 ألفًا منهم فقط بصورة فعلية هذه الخدمة. في السياق نفسه تتجه المنظمات غير الحكومية اللبنانية بالتعاون مع المنظمات الدولية إلى معالجة التوترات الاجتماعية عبر برامج للتوعية بشأن أوضاع اللاجئين، بما يقلل من حدة النظر إليهم من جانب المواطنين اللبنانيين على أنهم سبب في ازدياد تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالدولة.

الأردن:

وفقًا لآخر تقديرات المفوضية العليا للاجئين، بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها في الأردن منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011 وحتى نهاية ديسمبر 2013 ومنتصف يناير 2014 ما يتجاوز 600 ألف لاجئ يعيش حوالي ثلثهم في 6 مخيمات، وتتركز أغلبيتهم في مخيم الزعتري الذي يعد أكبر مخيمات اللاجئين في الأردن، ويتوزع الباقي على المدن والقرى الأردنية في المناطق القريبة من الحدود مع سوريا، بينما تشير إحصاءات صادرة عن إدارة شئون المخيمات التابعة لوزارة الداخلية الأردنية أن عدد السوريين الموجودين في الأردن قبل اندلاع الأزمة وبعدها يبلغ قُرابة مليون و700 ألف شخص.
ويفرض العدد الضخم من اللاجئين على البنية التحتية الأردنية، لا سيما في مجالات الكهرباء والمياه والمسكن والرعاية الصحية والتعليمية؛ ضغوطًا كبيرة، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها الأردن في مجالي المياه والطاقة تحديدًا؛ فإنها حافظت على سياسة الحدود المفتوحة أمام اللاجئين السوريين، شأنها في ذلك شأن لبنان، وهو ما استحسنته المنظمات الدولية المانحة، والمفوضية العليا لشئون اللاجئين، ووفقًا للاستجابة الأردنية للأزمة فإن عملية استمرار الحكومة في تقديم دعمها المتزايد للخدمات والسلع في مجالات الأمن والتعليم والصحة والمياه والغذاء يحتاج لما يقرب من 850 مليون دولار.
وتلقَّى الأردن على مدى السنوات الثلاث الماضية عددًا من المنح والقروض والمساعدات الاقتصادية لمعاونته في تحمل الأعباء الناتجة عن استضافة اللاجئين السوريين، وتأتي أغلبها من دول غربية وأوروبية وخليجية، وحتى نهاية عام 2013 بلغت هذه المنح حوالي 2.1 مليار دولار، وتتوزع هذه المنح لتنفيذ مشاريع في مجالات الطاقة، والتعليم، والصحة، وشبكات المياه، والصرف، والطرق، ودعم الموازنة، وإقامة المشاريع المتوسطة والصغيرة.

وفي يناير 2014 قدم الاتحاد الأوروبي ما قيمته 20 مليون يورو للأردن في إطار مساعدته على مواجهة أزمة اللاجئين السوريين، ويعد ذلك ضمن حزمة من التمويلات الإضافية لتحسين خدمات التعليم، وتنمية المهارات للاجئين السوريين، ضمن مساعدات تقدر بـ400 مليون يورو تم إقرارها في وثيقة الاتحاد الأوروبي المشتركة للتخفيف من أعباء اللاجئين السوريين التي صدرت في يونيو 2013، مقسمة ما بين 250 مليون يورو لدعم عمليات الإغاثة الإنسانية و150 مليون يورو للمساعدات الإنمائية، وفقًا لما أقرته المفوضية الأوروبية في الوثيقة.

ويعاني السوريون في الأردن من جملة مشاكل تتعلق معظمها بغلاء الأسعار، لا سيما أسعار الوقود والغاز بعد قيام الحكومة الأردنية برفع الدعم عن هذه السلع، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، هذا إلى جانب زيادة الإيجارات بما يعادل ثلاثة أضعاف سعرها في عام 2011. فضلا عن نظرة الأردنيين إلى تأثير اللاجئين سلبًا على سوق العمل، خاصةً أن العمالة الرخيصة من السوريين الذين يقبلون العمل بأي مقابل مادي أدت إلى قيام أصحاب الأعمال بتفضيل العمالة السورية على الوطنية، الأمر الذي يقلل من الأجور المدفوعة في سوق العمل، وهو ما أثار غضب واستياء الأردنيين، لا سيما الذين يعانون البطالة.

العراق:

أما في العراق فبلغ عدد اللاجئين السوريين حتى نهاية ديسمبر 2013 حوالي 207.053 يتركز معظمهم في إقليم كردستان العراق، وتشير المفوضية العليا إلى أن أكثر من 60 ألف لاجئ عبروا إلى العراق في شهر أغسطس الماضي فقط عبر عددٍ من المعابر الحدودية غير الرسمية، ومن الجدير بالذكر أن معظم اللاجئين السوريين يتجهون للتوطن في إقليم كردستان، وغالبيتهم من السوريين الأكراد، وفي هذا الإطار اعتبرت منظمة العفو الدولية عدم السماح لغير الأكراد من السوريين بالتواجد في إقليم كردستان العراق وإعادتهم للحدود السورية مرة أخرى انتكاسة لحقوق اللاجئين، واعتبرت العراق من الدول التي لا تتجاوب مع الأزمة تجاوبًا إيجابيًّا، ناهيك عن قيام حكومة الإقليم باتخاذ إجراءات من شأنها تقييد حرية التنقل، والإقامة، والبحث عن فرص عمل.

تركيا:

بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية العليا حتى ديسمبر 2013 بـ536.765 لاجئًا، ويعيش حوالي 200 ألف منهم في مخيمات تخضع لإدارة الحكومة التركية مباشرة، ويتوزعون في 14 مخيمًا حكوميًّا، وتتوقع تركيا أن يتجاوز عدد اللاجئين حاجز 700 ألف شخص خلال العام الجاري، وتسعى لاستيعاب ذلك بالعمل على زيادة عدد المخيمات عبر خطة توسعة تتضمن إقامة 21 مخيمًا جديدًا. وعلى العكس من الأردن ولبنان لم تحصل تركيا على دعم مالي كبير، وتحملت أعباء الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين، والتي بلغت في ديسمبر 2013 حوالي 2 مليار دولار.

وتتمثل أكبر مشاكل اللاجئين السوريين في تركيا في منع الآلاف منهم من الدخول، نظرًا لعدم حملهم جوازات سفر. وسجلت منظمة العفو الدولية في مارس 2013 حالة إعادة قسرية لعدد من اللاجئين إلى سوريا تحت مبررات ارتكابهم جرائم، أو عقابًا على سوء السلوك. كما رصدت المفوضية العليا في منتصف عام 2013 رفض تركيا دخول الآلاف من السوريين عبر الحدود بحجة عدم امتلاكهم جوازات سفر على الرغم من أنهم كانوا يحتاجون لمساعدات طبية عاجلة عبر نقاط العبور الرسمية. أيضًا من أهم المشاكل التي تواجه السوريين هناك أن القوانين التركية الحالية تضع قيودًا كبيرة على عمل السوريين، مما يضطرهم للعمل في مجالات العمل غير الرسمية (السوق السوداء لمجالات التوظيف) وهو ما يؤدي إلى انخفاض الرواتب.

مصر:

يقدر عدد اللاجئين السوريين الموجودين في مصر منذ بداية الأزمة السورية والمسجلين في كشوف المفوضية حتى ديسمبر 2013 ومطلع العام الجاري بحوالي 129.174 لاجئًا، بينما تشير التصريحات الحكومية إلى أن عدد اللاجئين يُقدر بـ300 ألف لاجئ. ومسار اللاجئين السوريين في مصر منقسم إلى مرحلتين؛ الأولى منذ اندلاع الأزمة في 2011 وحتى منتصف عام 2013، وفي هذه الفترة اعتمدت القاهرة سياسة الحدود المفتوحة أمام اللاجئين. أما المرحلة الثانية فبدأت مع شهر يونيو 2013 بعدما تغيرت الأوضاع السياسية في مصر؛ حيث فُرضت قيود أكثر تشددًا على اللاجئين الوافدين كشرط الحصول على تأشيرة دخول قبل مجيئهم لمصر.

ثانيًا: الفشل الدولي في معالجة الأزمة:

تظل معالجة المجتمع الدولي لأزمة اللاجئين السوريين دون المستوى المأمول، سواء فيما يتعلق بدعم اللاجئين أنفسهم، أو دعم الدول التي تستضيفهم، لا سيما التي تعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية كلبنان والأردن؛ إذ لم يتعدَّ حجم تمويل الاستجابة الدولية للنداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين السوريين سوى 50 % من إجمالي 68% حجم تمويل مطلوب خلال عام 2013 الماضي، ثم ارتفع مستوى الاستجابة مع بداية عام 2014 ليصل إلى 64%، كما أن تفاعل المجتمع الدولي مع مسألة توفير الحماية والأمان للاجئين الأكثر ضعفًا، وكذلك تفاعله مع مسألة مساعدة الدول المضيفة على توفير أماكن لتوطين اللاجئين لدواعٍ إنسانية؛ يظل تفاعلا محدودًا.
وتستهدف المفوضية العليا توفير وتأمين ما يقرب من 30 ألف مكان للاجئين على أساس إعادة التوطين خلال الفترة من عام 2013 وحتى نهاية عام 2014، ولم تستجب لهذا سوى 14 دولة، منها 10 دول من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أستراليا، وكندا، والولايات المتحدة؛ حيث تلقت المفوضية وعودًا بتوفير 15.244 مكانًا بهدف التوطين الدائم أو المؤقت. في الوقت نفسه وفي منتصف فبراير 2014 أعلنت اليونيسيف في تقرير حول الأثر المدمر على الأطفال السوريين بعد مرور ثلاثة سنوات على النزاع المسلح أن 5.5 ملايين طفل سوري قد تأثروا سلبًا بالصراع، بالإضافة إلى وجود حوالي مليون طفل عالقين داخل الأراضي السورية تحت القتل والترويع والحصار، وقد قدرت المنظمة أن حوالي 2 مليون طفل أيضًا في حاجة شديدة إلى دعم وعلاج نفسى نتيجة تداعيات الصراع المسلح عليهم.

الموقف الأمريكي:

طالب الكونجرس الأمريكي الإدارة بمنح المزيد من السوريين الفارين من الصراع المسلح حقَّ اللجوء للولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن واشنطن لم تمنح لأي سوري من الفارين من الصراع هذا الحق إلا لحوالي 31 شخصًا فقط، وذلك في أكتوبر 2013، وقد عقد الكونجرس في 7 يناير 2014 جلسة استماع حول أزمة اللاجئين السوريين، والضغوط التي تتحملها دول الجوار في هذا الشأن قبل يوم من انعقاد مؤتمر المانحين في الكويت، واعتبر نواب الكونجرس أن الولايات المتحدة عليها مسئولية أخلاقية نحو اللاجئين السوريين، لا سيما بعدما قوبلت طلبات حوالي 135 ألف سوري للجوء بالرفض، نظرًا للقيود المفروضة على دخول المهاجرين، وما يرتبط بها من تخوفات من دخول عناصر تدعم الإرهاب للأراضي الأمريكية، ووفقًا للأمم المتحدة فإن واشنطن قدمت 1.3 مليار دولار في هيئة مساعدات إنسانية للاجئين السوريين، ومن المتوقع أن تمنح واشنطن عددًا من السوريين حق اللجوء في إطار برامج إعادة التوطين خلال العام الجاري.

في السياق نفسه، حددت شئون السكان واللاجئين والهجرة بوزارة الخارجية الأمريكية مع مطلع فبراير 2014 أربعة أهداف يتم من خلالها معالجة أزمة اللاجئين، وهي: تقديم أكبر قدر من المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين داخل الأراضي السورية عبر الأمم المتحدة، وتقديم حزمة من المساعدات الإنسانية للاجئين في دول الجوار السوري بما يحفز تلك الدول على إبقاء الحدود مفتوحة أمام اللاجئين، واتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها دعم الاستقرار الأمني في الدول المجاورة لسوريا والتي تستوعب العدد الأكبر من اللاجئين لا سيما لبنان والأردن، والهدف الأخير يتضمن تلبية الاحتياجات الدولية اللازمة لحماية اللاجئين السوريين من العنف المرتكب على أساس التفرقة الجنسية.

الاتحاد الأوروبي:

في سياق تفاعل القوى الكبرى مع أزمة اللاجئين خصصت بريطانيا ما يعادل 19 مليون دولار كمساعدات عاجلة للمحافظات الأردنية لمساعدتها في تحمل أعباء استضافة اللاجئين السوريين، وذلك وفقًا لبيان صدر عن السفارة البريطانية بعمان في نهاية أكتوبر 2013. وفي يناير 2014 ازدادت الأصوات المنتقدة للقيود التي تضعها بريطانيا على استقبال اللاجئين السوريين، لا سيما الموجهة للتيار السياسي المحافظ، وطالبت الحكومة البريطانية بتغيير موقفها، والاستجابة لدعوة المفوضية العليا لشئون اللاجئين بالمساهمة في استيعابٍ أكبر للاجئين السوريين، وتوطينهم توطينًا مؤقتًا داخل حدودها. وقد دعت المنظمة الدولية نفسها دول الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف سياستها المعهودة تجاه اللاجئين السوريين القائمة على إبقائهم خارج أوروبا؛ بل وطالبتهم بتوطين ما يقرب من 30 ألف لاجئ في دولهم بحلول نهاية 2014.
وأشارت المنظمة إلى أنها تلقت استجابة من كل من: ألمانيا التي وافقت على استضافة 10 آلاف لاجئ، كما أعلنت النرويج والسويد وفنلندا عن استقبالهم 400 عائلة سورية، ووافقت فرنسا على استيعاب 500 عائلة، بينما رفضت كلٌّ من بريطانيا وإيطاليا استقبال أي لاجئين. كما اعتبرت منظمة العفو الدولية أن الاتحاد الأوروبي قد أخفق في تحمل مسئوليته الإنسانية عالميًّا تجاه الأزمة السورية بعدم اتخاذ إجراءات من شأنها حمل دوله على التخفيف من القيود الموضوعة على عدد السوريين الذين تستضيفهم، ونددت المنظمة كذلك بالإجراءات التعسفية التي استخدمتها كل من اليونان وبلغاريا تجاه السوريين الفارين بحرًا إليهما عبر تركيا، أملا في دخول أوروبا.
وقد انتقدت منظمة العفو الدولية الإجراءات والممارسات التي تستخدمها دول الاتحاد الأوروبي لإبقاء مجتمعاتهم بعيدًا عن مرمى اللاجئين، كما أوضحت منظمة العفو في تقريرها أنه وحتى أكتوبر 2013 حاول 55 ألف شخص اللجوء مباشرة للاتحاد الأوروبي؛ إلا أن الإجراءات التي تُبقي أوروبا كقلعة حصينة منعتهم من الدخول إلى دولها، وبات من الصعوبة بمكان على اللاجئين الدخول لأوروبا عبر الطرق القانونية.

مما سبق يتضح أن أزمة اللاجئين السوريين باتت تمثل كارثة إنسانية عالمية، كما أنها تمثل أكبر نزوح بشري في العالم في التاريخ الحديث، وتفرض بالضرورة على المجتمع الدولي تحمل مسئوليته، لا سيما القوى الكبرى منه تجاه تلك الأزمة عبر تكثيف الدعم المالي، والاستجابة للنداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة في هذا الشأن بما يمكن اللاجئين السوريين من إعادة بناء حياتهم من جديد.

مصادر:

اعتمدت بيانات وإحصائيات هذه المادة على:

* نشرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين الصادرة في (يونيو 2013) بشأن اللاجئين السوريين، وما تلاها من إحصائيات صادرة عنها خلال مطلع العام الجاري 2014.

* البيان الموجز الصادر عن منظمة العفو الدولية ديسمبر 2013.

*باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى