تحليلات سياسيةسلايد

ديمقراطية إردوغان.. التوتر في اتجاه خطِر!

تشهد الساحة السياسية والإعلامية التركية نقاشاً مثيراً بعد أن تحدث البعض من الإعلاميين الموالين لإردوغان عن احتمالات حظر نشاط حزب الشعب الجمهوري، وملاحقة زعيمه كمال كليجدار أوغلو والبعض من قيادات الحزب قضائياً، ووضعهم في السجون.

حديث الإعلاميين هذا رافقه هجوم عنيف جداً من الرئيس التركي على زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو وحليفته في تحالف الأمة، زعيمة الحزب الجيد مارال أكشانار. فلا يفوّت إردوغان أي مناسبة، داخلية كانت أو خارجية، من دون أن يهاجم كليجدار أوغلو وأكشانار، وبأعنف الكلمات والأوصاف والألفاظ والعبارات، بما فيها تلك التي تستهدف كرامتيهما وشرفيهما.

ويتهم إردوغان في كل أحاديثه كليجدار أوغلو وأكشانار بالتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي، الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، في محاولة منه لكسب تعاطف الشارع الشعبي وتضامنه ودعمه، بحجة أن” الكردستاني” تنظيم إرهابي وعدو الأمة والدولة التركيّتين. هذا الأمر فشل فيه، على الأقل حتى الآن، حيث أثبتت جميع استطلاعات الرأي المستقلة تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية، مقابل زيادة ملحوظة في شعبية الحزب الجيد وحزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي.

واستبعدت كل الاستطلاعات أيضاً الفوز للرئيس إردوغان في الانتخابات المقبلة، وتوقعت لمنافسيه، ومنهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، أن يحصلوا على ما لا يقل عن 58٪ من الأصوات مقابل 40-42٪ لإردوغان.

وتدفع مثل هذه الاحتمالات إردوغان إلى مزيد من التوتر والعداء تجاه أحزاب المعارضة وكل المعارضين، بميولهم وانتماءاتهم السياسية والاجتماعية كافة، ويتعرّضون جميعاً لهجوم عنيف جداً من إردوغان وحليفه زعيم الحركة القومية دولت باخشالي والإعلام الموالي لهما معاً. ويكتسب الهجوم الإعلامي طابعاً مسعوراً من دون حدود، ما دام القضاء لا يحرك ساكناً ضد هؤلاء، وخلافاً لكل من يتفوّه ولو بكلمة واحدة ضد إردوغان، حيث يلاحقه القضاء بتهمة الإساءة إلى رئيس الجمهورية، كما يلاحق القضاء معارضي إردوغان من الصحافيين والأكاديميين والمثقفين والفنانين وغيرهم، ومن دون أن يكون هذا الهجوم كافياً بالنسبة إلى إردوغان وإعلامه للحدّ من نشاطِ أحزاب المعارضة وقواها، والتي تستغل فشل إردوغان في السياستين الخارجية والداخلية، وأهمهما الأزمة الاقتصادية والمالية الخطيرة التي تتوقع لها قيادات المعارضة أن توصل البلاد الى حافة الإفلاس التام مع استمرار تراجع قيمة الليرة التركية بما لا يقل عن 15٪ خلال شهر واحد فقط، وهو ما انعكس بشكلٍ خطير جداً على ارتفاع أسعار كل الخدمات والمواد الأساسية وغلاء المعيشة ثم البطالة والفقر والجوع الذي تحول الى ظاهرة يومية.

وتتوقع المعارضة لإردوغان وحكومته أن يفرضا سلسلة جديدة من الضرائب لتغطية العجز في الموازنة، وهو ما سيثقل كاهل المواطن الذي سينتقم من إردوغان في أول انتخابات مقبلة. ويدفع مثل هذا الاحتمال إردوغان إلى السعي من أجل خطط “جهنمية”، بتوصيف المعارضة، لضمان بقائه في السلطة، ومهما كلفه ذلك. وضمن هذه المساعي، يسعى وسيسعى إردوغان لشق وحدة الصف بين أطراف تحالف الأمة الذي يضم حزب الشعب الجمهوري (28٪) والحزب الجيد (14٪)، وبشكل غير مباشر حزب الشعوب الديمقراطي (10٪)

وتتوقع الاستطلاعات لحزب التقدم والديمقراطية بزعامة علي باباجان (3٪) وحزب المستقبل بزعامة داود أوغلو (2٪)، ومعهما الحزب الديمقراطي والسعادة، أن تتفق مع تحالف الأمة ضد تحالف الجمهور الذي يضم حزب العدالة والتنمية (30٪) والحركة القومية (8٪) إضافة إلى حزب الوحدة الكبرى.

كما تتوقع المعارضة لإردوغان أن يفرض رقابة صارمة على الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، مع العمل على تغيير قانون الانتخابات في آخر لحظة، مع احتمالات تأجيل أو إلغاء الانتخابات بمبررات أمنية، داخلية وخارجية، وهو من صلاحيات إردوغان وفق الدستور. كما تتحدث المعارضة عن احتمالات تزوير الانتخابات، كما جرى في استفتاء 16 نيسان/أبريل 2017. وقام إردوغان بناء على هذا الاستفتاء بتغيير النظام السياسي ليصبح رئاسياً، فسيطر على كل أجهزة الدولة ومرافقها ومؤسساتها، وأصبح الحاكم المطلق للبلاد. واتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو آنذاك الهيئة العليا للانتخابات بتزوير النتائج عبر موافقتها، بعد إغلاق صناديق الاقتراع، على اعتماد بطاقات الاقتراع غير المختومة، وعددها أكثر من مليوني بطاقة.

ويبقى الحديث عن احتمالات حظر نشاط حزب الشعب الجمهوري وملاحقة قياداته قضائياً السيناريو الأخطر بالنسبة إلى مستقبل تركيا، لأن أتاتورك هو الذي أسّس هذا الحزب الذي حكم البلاد حتى نهاية الحرب العالمية الثانية بمفرده. وقد لا يكون هذا القلق كافياً لردع إردوغان عن التفكير بهذا الأسلوب، بعد أن وضع الزعيمين المشتركين لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش وفيكان يوكساكداغ وعدداً من قادة الحزب في السجون، قبل خمس سنوات، وضمَّ إليهم نحو أربعين من رؤساء البلديات المنتخبين عام 2019، من دون أن يكون ذلك كافياً بالنسبة إلى أنصار وأتباع الحزب للخروج الى الشوارع، لأنهم يعرفون أن السلطات لن ترحمهم، مع أن عددهم كان 5.86 ملايين صوّتوا للحزب في انتخابات حزيران/يونيو 2018.

وفي جميع الحالات، ومع استبعاد أي احتمال لإجراء الانتخابات المبكرة في ظل الظروف الداخلية والخارجية الصعبة التي تعيشها البلاد، يعرف الجميع أن إردوغان لا ولن يقبل بأي شكل من الأشكال بالهزيمة وتسليم السلطة لأعدائه. فهو يعرف أنهم سيلاحقونه بتهم كثيرة، أهمها الفساد الخطير، وتورطه في ملفات خارجية، وأهمها علاقاته مع المجموعات المسلحة في سوريا وليبيا.

ومن دون أن يكون واضحاً، على الأقل حتى الآن، موقف واشنطن من مجمل تطورات الداخل التركي، مع التذكير بأن الرئيس بايدن كان قد تحدث نهاية 2019 “عن ضرورة التخلص من إردوغان ديمقراطياً”، بعد أن وصفه “بالاستبدادي”.

ويطرح الإعلام العديد من السيناريوهات المستقبلية، ليس فقط بالنسبة إلى موقف واشنطن المحتمل، بل أيضاً موقف العواصم الغربية، وحتى موسكو، والتي يقال إنها جميعاً قد تغض النظر عن بقاء إردوغان في السلطة، ومهما كانت سلبياته، ما دامت المستفيدة منه بشكل مباشر أو غير مباشر. ويقول المدافعون عن هذا الرأي إن العواصم المذكورة ترجّح التعامل مع الحاكم المطلق إردوغان بدلاً من رئيس جديد أو حكومة ائتلافية جديدة بعدة أحزاب متناقضة، واتفاقها حتى في القضايا المصيرية لن يكن سهلاً أبداً.

ويرى البعض في مثل هذا السيناريو سبباً كافياً لاستمرار إردوغان في سياساته الحاليةِ داخلياً وخارجياً، ما دامت العواصم المذكورة تكتفي بالاستنكار والتنديد، من دون أن تتَّخذَ أي إجراء عمليّ ضدّ أنقرة.

ويعرف الجميع أن إردوغان يخطط للبقاء في السلطة، مستخلصاً الدروس من تجارب الأنظمة في الدول العربية والإسلامية، وبقاؤها في الحكم أو سقوطها منه كان في معظم الحالات رهن الإشارة الأميركية.

وهذه هي الحال بالنسبة إلى عدنان مندرس الذي جعل من تركيا (1950-1960) “ولاية أميركية”، فأطاحه العسكر وأعدموه، فيما لم تحرّك واشنطن ساكناً، وهو ما فعلته مع شاه إيران وحسني مبارك وزين العابدين بن علي وآخرين في دول أخرى، ما زال لأميركا فيها حسابات وحسابات!

الميادين نت

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى