شرفات

رجعُ الطرف في قلعة شيزر: أربعون ثانية في الزلزال السوري!

عماد نداف

أخافتني قلعةُ شيزر عندما زرتُها قبل أكثر من عقد من الزمن، تلك القلعة الخالدة التي تنتصب في تحد كبير للتاريخ في سيرة العز والهزائم، وفي تحد مدهش للكوارث عندما اهتزت بعنفوان تحت وقع الزلزال الكبير الذي قضى على كل سكانها .

أخافتني، لكنها أدهشتني.

فعلت ذلك بي، وأنا أشاهد موقعها الجغرافي وحدودها من تحت، وأنا أدور بجوار نهر العاصي الشاهد على صعودها وانهيارها، لكن الدهشة كانت أعظم عندما دخلت إليها، وتنقلت في أرجائها لأتعرف على حدودها التي لم يستطع التاريخ محو معانيها.

كأن بإمكان قارئ التاريخ أن يتخيل تلك الأصوات الخائفة التي ترامت في أرجائها وهي تهتز تحت ضربات الزلزال الكبير وهو يمسكها بعنف وقسوة لتنهار جدرانها ومبانيها فوق أصحابها.

تمددت قلعة شيزر كصفحة من تاريخ بعيد على تلة مشرفة على الجهات الأربع ، في جهتي الشرق والشمال يلتف حولها نهر العاصي حارساً أميناً يعرفه الزمن بغزارة مائه ونقائه ومقدرته على ضخ الحياة أينما مشى، وحيثما تدفقت مياهه عبر الزمن.

وفي الجهة الغربية من القلعة ثمة خندق مخيف يحضنها، وكأن الله خلقه من أجلها، وتراه من فوق وهو يهمس لها أن أيتها القلعة الجميلة نامي بأمان، فلا معتد يمكنه أن يقتحم هذا الوادي ليعكر صفو الآمنين في ديارهم.

ومع هذه المكانة الجغرافية والعمرانية يبرز اسم آخر على غاية الأهمية هو أسامة بن المنقذ ، شخصية يعرفها العالم وقد ارتبط اسمه بالزلزال الذي هاجم أرض الشام فدمر الكثير وكسر عنفوان شيزر، وكتب عنه ابن العديم إنه وقع: ” في شهر رجب في سنة 552، بالشام، فخربت حماة، وشيزر، وكفر طاب، وأفامية، ومعرة النعمان، وحمص، وحصن الشميمس عند سلمية.. وأما شيزر، فانقلبت القلعة على صاحبها وأهله، فهلكوا كلهم “.

رثى أسامة بن المقذ سكان القلعة الذين أودى الزلزال بحياتهم فقال :

ماتوا جميعا كرجع الطرف وانقرضوا … هل ما ترى تارك للعين إنساناً

لم يترك الدّهر لي من بعد فقدهم … قلبا أجشّمه صبرا وسلواناً

تماما ، كما حصل في الحقبة الأخيرة من حياتنا، الحرب أحرقت ودمرت وأحزنت، والعدوان أحرق ودمر وأحزن، وكذلك يريد أن يفعل والزلزال، كان يريد أن يسدد الضربة القاضية لنا ..

الأفق، يكاد يكون مغلقا تماما، الطريق الممتد من أرواحنا إلى الحياة لم يعد سالكا بما يكفي، لكن الانسان السوري، صانع الأسئلة، ومكاسر الزمن يطرح الآن سؤاله الكبير : كيف نمر على جسر المأساة إلى الأمل، ومن سيكون معنا؟!

في حكاية قلعة شيزر وابن المنقذ يأتي أسامة إلى دمشق ويسكن فيها، ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا، فأقام به حتى ملك السلطان صلاح الدين الأيوبي دمشق، فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين، فأسكنه دارا بدمشق، تكريما وتقديرا له. وتوفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان سنة 584هـ، ودفن شرقي جبل قاسيون. ليكون شاهدا مثلنا على الحرب والمأساة !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى