كلمة في الزحام

رسالة إلى طليقة: فشلنا في أن نشيخ سويا

رسالة إلى طليقة: فشلنا في أن نشيخ سويا فشلنا في أن نكبر معا مثل زوج من الذئاب يفترسان الليل، ويستحمان بالعواء وبالقمر.

فشلنا في أن يأتي يوم نكرر فيه نكتة سمجة عمرها سبعين عاما، ننسى أسماء أحفادنا ونتذكر قبلة لا تبقي ولا تذر؟

لن يأتي يوم نردد فيه سويا، سعال الصباح بمنتهى الانضباط والأناقة والانشراح  فتهتز له ورود حديقة المنزل، ترتعش القهوة ثم تنسكب فوق عنوان نافر في الجريدة من بين يدي.. سعال تفزع له القطة في حضنك الدافئ ويطير من حولنا عصفوران مذعوران.

سوف ينجح كل واحد منا في قطع الطريق بنفسه دون خصام ولا كلام.. ولا شتائم تلاحق السيارات والشاحنات.

لن أسألك يوما أين وضعت نظارتي وطقم الأسنان، ولن ألومك على شخيرك وعدم سقاية الأزهار وتعديل الساعة على نشرة الأخبار.

فشلنا في أن ندرك يوما نعيّر فيه بعضنا بالشيب والخرف ثم يدعو كل واحد للآخر بطول العمر وينام.

“المسنون لا يموتون.. إنهم ينامون فقط”.. هل تتذكرين أغنية جاك بريل؟.. مسكين، لم يستطع تطليق زوجته لأنه خجول.. ما أوقحنا أنا وأنت.. هيا اضحكي وحاذري الوقوع.. الدرجة الخامسة مكسورة في سلّم المحكمة وأنت تنتعلين كعبا عاليا.

سوف تكبرين وحيدة، وتهزئين من الفتيات ذوات الكعب العالي، أما أنا فبدأت أسخر باكرا من مدمني البيرة وملتهمي المكسرات وهم يترددون مرارا على دورات المياه.

لن يغيظك في وحدتك سوى وحدتك، ولن تفتقدي إلا للصمت المعفّر بالدخان والسعال، ولشبح رجل ثرثار في نومه، واعتاد الحديث إلى نفسه حتى بات لا يبكيه ولا يضحكه أحد سواه.

فشلت في تطويق أصابعي ورقبتي وطاولتي بالخواتم وربطات العنق وأصدقاء السوء.. ونجحت في البكاء وحيدا مثل زهر صبار قبل أن يفاجئه الصباح.

نجحت أنا في أن أكون حزينا، وفشلت أنت في أن يسعك هذا المركب الذاهب نحو ضباب الشيخوخة وسديم الغياب.

سوف ينفرد العمر بكل واحد منا مثل منتقم جبار. سوف تترقق العظام، تخرّ القوى، تضيق الأنفاس، تبهت الألوان، تنطفئ العيون وتسكت حديقة المنزل عن العصافير المذعورة ويجتاحنا الصمت.. سوف تبتلعنا التجاعيد، لكن الدرجة الخامسة في المحكمة تظل مكسورة ودون كعب عال.

غدا لن يستغرب الأحفاد خناقاتنا الصغيرة، لن يستهجنوا إصرارنا على التمسك بأدوات المطبخ ونهوضنا قبل قطة البيت وزهور الحديقة.. ولن يضحكوا من عراكنا حول الراديو رغم عدم الاهتمام بما يستجد من أخبار.

غدا، إذا لمح أحدنا عكازا أو نظارات مدهوسة وسط زفت الطريق فليترحم على الآخر.. قيل  إن الترحم يجوز على الأحياء إن ظلوا أحياء.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى