رسالة نتنياهو: مرحلة جديدة من الاعتداءات في سوريا؟

 

من الصعب تجاوز موقف رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام جلسة الحكومة أمس، حيث أقرّ بأن سلاح الجو الإسرائيلي نفّذ في اليومين الماضيين سلسلة غارات استهدفت مخازن أسلحة إيرانية في العاصمة السورية دمشق، ثم أتبع ذلك بموقف مماثل خلال جولته في الجليل، متوعّداً بأن إسرائيل «ستكثّف الهجمات إن اقتضى الأمر ذلك». قد يكون هذا الموقف غير مسبوق من حيث الصراحة والمباشرة، على رغم أن هناك مواقف سابقة انطوت على أكثر من تلميح في السياق نفسه.

صحيح أن موقف نتنياهو لم ينطوِ على أي معلومة جديدة، إن بالنسبة إلى الداخل الإسرائيلي أو حتى في مواجهة أعداء إسرائيل، لكنه يشكّل خروجاً عما أُطلق عليه في الساحة الإسرائيلية «هامش الإنكار»، الذي له منطقه الذي يُستند إليه إسرائيلياً، ويعني عدم التبني الرسمي للاعتداءات. وكان يتمّ في حينه إيكال مهمة الكشف عن ذلك إلى مصادر أجنبية، وإلى الاستنتاجات والتحليلات والتلميحات الإعلامية والسياسية. وفي المقابل، ينطوي توقيت موقف نتنياهو على أكثر من رسالة في الداخل الإسرائيلي، وفي مواجهة تحديات البيئة الاستراتيجية.

يتزامن هذا الموقف الصريح مع تنافس داخلي محتدم على خلفية الانتخابات المقررة في التاسع من نيسان/ أبريل المقبل. وما يضفي على ذلك بعداً استثنائياً إضافياً، هو ما يواجهه نتنياهو على المستوى القضائي. نتيجة ذلك، يسيطر عليه هاجس المحاكمة بتهم الفساد والرشوة التي ستحسم مصيره السياسي والشخصي. ومع الحرص على عدم الوقوع في فخّ المبالغة المتصلة بحجم تأثير البعد الداخلي على هذا النوع من القرارات، فإن من مصلحة نتنياهو تسليط الأضواء على الدور الذي يقوم به في مواجهة التهديدات المحدقة بإسرائيل، وعلى رأسها إيران. يراهن نتنياهو على أن يؤدي التسويق لـ«الإنجازات الأمنية» إلى مزيد من الالتفاف الشعبي حول قيادته، وعلى أن يترجم ذلك في صناديق الاقتراع التي يَفترض أنها ستُحصِّنه سياسياً وشعبياً في مواجهة القضاء. وفي هذا السياق، لفتت «القناة العاشرة» إلى أن نتنياهو أطلق هذا الموقف «بعد عدة أيام على سلسلة مقابلات رئيس الأركان غادي آيزنكوت مع قنوات التلفزة المختلفة، إضافة إلى مقابلة نيويورك تايمز، وهناك شعور بأن نتنياهو أراد الانضمام، والصعود إلى العربة، وبالطبع يجب أن نذكر أننا في فترة انتخابات… ولا يوجد مثل تحمل مسؤولية عن سلسلة طويلة من العمليات، التي في أغلبها ضد الإيرانيين في سوريا، من أجل نيل دعم الجمهور». وانطلاقاً من هذا المفهوم، قد نشهد المزيد من المواقف الاستعراضية لنتنياهو إلى حين إجراء الانتخابات، وخاصة في المحطات التي تنطوي فعلياً على استحقاقات أمنية وخيارات عملانية تبادر فيها إسرائيل إلى اعتداءات مدروسة وهادفة، إن في سوريا أو في مواجهة قطاع غزة.

في المقابل، يأتي الاعتداء الجوي الثاني منذ سقوط الطائرة الروسية في أيلول/ سبتمبر الماضي كرسالة إضافية، تؤكد من خلالها إسرائيل على أن الاعتداء السابق (25 كانون الأول/ ديسمبر) لم يكن حدثاً يتيماً، بل هو استئناف لمسار الاعتداءات الجوية التي كانت قبل المحطة الروسية. وعلى هذه الخلفية، أتى موقف نتنياهو أيضاً، حيث قال إن «سلسلة الغارات الأخيرة تثبت أكثر من أي وقت سابق أن إسرائيل ستواصل العمل ضد التموضع الإيراني في سوريا». يشكل هذا الموقف مواكبة سياسية للمسار التصعيدي في سياق الاعتداءات، ونوعاً من الارتقاء السياسي الذي يهدف إلى توجيه رسائل إلى الأطراف المقابلة كافة، من موسكو إلى طهران مروراً بدمشق. وقد حاول نتنياهو من خلال ذلك التأكيد على أن إسرائيل ماضية في هذا المسار مهما كانت التداعيات.

يعتبر هذا النوع من الرسائل جزءاً من محاولة تعزيز قوة الردع الإسرائيلية، التي باتت تحتاج إلى جرعة إضافية بعد التطورات التي شهدتها الساحتان السورية والإقليمية. وهو ما أشار اليه رئيس قسم البحوث السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية، العميد إيتي بارون، بالقول: «مع مرور ست سنوات (منذ مطلع عام 2013)، يجدر بنا أيضاً فحص إمكانية أن يكون تداخل العوامل، وبخاصة تغيّر شروط الساحة، يستوجب إعادة النظر في نجاعة وضرورة استراتيجية المعركة بين الحروب في السياق السوري ــــ اللبناني». وأضاف بارون إن «من بين هذه العناصر، يشار إلى الوضع العام في سوريا التي تعود لتكون دولة سيادية قادرة على أن تغير سياستها في عدم الرد، واستمرار الوجود الروسي في سوريا، والدروس التي استخلصها الروس من إسقاط الطائرة الروسية، وكذا السياسة الروسية التي ترى أهمية كبيرة في الحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها، إلى جانب التطورات في الدفاع الجوي السوري وسياسة إطلاق النار السورية، التي تؤمن بإطلاق عدد كبير وغير دقيق من الصواريخ، إضافة إلى الدروس التي تعلّمتها الجهات المختلفة من النشاطات الإسرائيلية المتواصلة» (معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب 6/1/2019).

مع ذلك، ينبغي التشديد على حقيقة أن موقف نتنياهو يأتي في سياق مسار لم تكتمل أو تتضح معالمه حتى الآن في مواجهة موسكو، حيث لا تزال المباحثات الثنائية متواصلة حول قيود حركة الاعتداءات الإسرائيلية وهامشها، من منظور روسي. وعلى ذلك، ينبع جانب أساسي من رسائل هذا الموقف من التجاذب القائم بين الطرفين، والذي يتحرك على مسارين سياسي وعملاني. ويراهن نتنياهو من خلال هذه الرسائل على أن يحشر الروسي، ويدفعه إلى التكيف مع السقف العملاني الذي يسعى إلى فرضه و/ أو انتزاع غض نظر روسي عنه. وفي هذا الإطار، ليس من الصعب تلمّس حقيقة أن الموقف الروسي يتراوح بين «غير صدامي» و«تفهم مشروط» لاستمرار الضربات الإسرائيلية غير المنفلتة حتى الآن. ويتلاءم هذا الموقف المرجّح حتى الآن مع التموضع الروسي الذي يشكّل، إلى جانب محور المقاومة، محور مكافحة الإرهاب والتصدي للهيمنة الأميركية. ولا يتعارض ذلك مع كون روسيا تربطها علاقات وثيقة متبادلة مع إسرائيل، بموازاة تقاطع وتضارب مصالح على الساحة السورية.

على خط مواز، تشكل الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة في الساحة السورية، وما تلاها من مواقف صريحة ومباشرة على لسان نتنياهو، مؤشراً استثنائياً إلى مرحلة جديدة من الاعتداءات الإسرائيلية في الساحة السورية، المؤثرة والمتأثرة بأكثر من مسار إقليمي ومحلي ودولي. وهو ما يُعزز من التقدير الذي يقول إن مسار الاعتداءات الإسرائيلية في الساحة السورية بات ينطوي ــــ أكثر من أي وقت مضى ــــ على إمكانية التدحرج إلى ما هو أبعد مدى، على المستويين السياسي والعسكري.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى