كتب

رواية “المئذنة البيضاء” للكاتب يعرب العيسى.. نزعة الإنسان إلى الأسطورة

يتناول الروائي السوري يعرب العيسى، الدروب المأساوية للمشرق العربي، الذي يعاني من الحروب والنزاعات والفقر والتشرد، في روايته ”المئذنة البيضاء“ التي صدرت عن دار المتوسط للنشر والتوزيع 2021.

وتتمحور أحداث الرواية حول شخصية مايك الشرقي، الذي يطمح أن يجعل من جسده أسطورة غير قابلة للفناء، إذ تبدو تركيبة شخصية الشرقي المعجونة بالشغف تجاه الخلود، مثار تساؤلات كبيرة، حول قدرة الإنسان على إعادة إنتاج ذاته، مع الحركة المستمرة للزمن.

وفيما تتميز شخصيات الرواية بالغرابة والغموض، إذ تقترب في صفاتها وطبيعتها من حراس العالم السفلي، تظهر وتختفي حول مايك الشرقي، الذي يطمح لصنع الأبدية، ببحثه عن السمة الأسطورية.

سياقات مختلفة

وتحمل الرواية طبيعة بحثية تميل للاستقصاء، مبينة جزئيات دقيقة حول محتوى القصة القائمة على السيرة، ودامجة العديد من الأسئلة الوجودية، والإشكاليات المتكررة للإنسان مع ذاته والطبيعة، بالإضافة إلى تأملات حول الموت والحياة، والحزن، والأمل، والطموح البشري.

كما وتبحث الرواية في اقتراب الإنسان من الكائنات المرتبطة بالعالم السفلي، صانعة مواجهة حية بين الطرفين، أما ما ينشب بينهما من مفارقات وحوارات، فهو نية الكاتب الحقيقية لتحريك الأفكار المتناقضة بين أسطر السرد.

كما وتلتقط الرواية الكادر الاجتماعي البائس لعدد كبير من شعوب الشرق، حيث يدفع المواطن الفقير في هذه البلاد، ثمن تاريخ طويل من التكيف مع الهزيمة والخضوع أمام واقع وأحداث شاذة، حيث الحروب والنزاعات، والتفرق المستمر في التزايد بين الأفراد في المجتمعات الشرقية، إذ يكشف الكتاب عن تجارة الدعارة، والمجون والليالي الحمراء الصاخبة، والسرقات، والمكائد السياسية، والتحايل على القوانين.

وتسلط الرواية الضوء على تجميع المال وكنزه لدى فئة معينة من المنتفعين المتنفذين، دائمي الطمع بالحكم والسيطرة، كما تكشف عن جانب من آلية عمل رجال الاستخبارات في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

ونجد في الرواية العديد من الأطروحات الفلسفية فيما يتعلق بالسياق الاجتماعي، وقناعات المجتمع، والمعتقدات المقدسة حول الموت والحياة، والطريق القصير بينهما.

ويدقق العيسى على تفاصيل صغيرة متعلقة بالجسد واختلاطه بالمحيط، سمعيا وبصريا، متناولا التفاعل بين الحواس الإنسانية، والأصوات الغنائية من الطبيعة قائلا ”لا شيء قادرٌ على احتلالك سوى من يُطربك“.

ولا يتوانى الكاتب عن خلط السياق الاجتماعي بالسياسي خلال ترتيب الهيكل السردي الممتد على 424 صفحة من القطع المتوسط.

وعلى الرغم من تعدد الموضوعات المهمة اجتماعيا المشغول عليها في الرواية، إلا أن الأفكار كان من الممكن صياغتها بعدد صفحات أقل، في زمن سرعت التكنولوجيا فيه، من ثيمة الحياة، على جميع الأصعدة.

خارج القالب

وتسعى شخصية مايك الشرقي للوصول إلى قوة خارج سياق الطبيعة، من خلال العديد من التخطيات الروحية والجسدية، التي توضع في ميزان الغرابة السردية والتجديدية في تقديم شخصيات متخيلة، تمتلك المقدرة على صنع الدهشة، وإيجاد عامل الجذب للحبكة السردية برمتها، وقد ظهر هذا في الحوار مع المحيط الغريب من حوله، وكذلك من حواره الذاتي الداخلي.

وفيما تلعب التناقضات في شخصية مايك الشرقي دورا محوريا في تعزيز رؤية الكاتب، إذ يعبث الشرقي في مساحة تجريبية ما بين الخير والشر، بهدف إعطاء ذاته لمحة أسطورية، تثير العديد من الفلسفات داخل السرد، وتفتح الباب أمام الإنسان لطرق تأويلات أخرى في معرفة العالم.

مكونات اللغة

جاءت لغة الرواية، متراصة في المعنى، ومكتنزة بتفاصيل شديدة الصغر. واستطاع الكاتب أن ينشئ تصميما لغويا مثيرا، متمثلا بصوت يقارب الصفات الشعرية في العديد من الفقرات.

كما وامتاز التنقل بين الفقرات بتماسك في تسلسلية الأحداث، واحتواء لمعظم مكونات السرد بما قدمه الروائي من أدوات جذب وتشويق، بدافع إشعار القارئ بالتوتر.

يقول الكاتب ”المدينة التي رفسته بكامل قوّتها، ترفس نفسها الآن. ومن الممتع مشاهدتها وهي تلكم عينها اليسرى بيدها اليمنى، وتضرب قصبة ساقها اليمنى بباطن قدمها اليسرى. المدينة التي تهشم أطراف نفسها (من خلاف) تعيش الآن مشهدا يستحق الشماتة، يستحق سبعا وعشرين سنة من الانتظار. جاشت الريح في صدره. نهض كمن بلغ سدرة المنتهى: امتلأ الزمان يا دمشق“.

وجاء في كلمة الناشر حول الرواية ”ليست ”المئذنة البيضاء“ حكاية وحسب، إنها خلاصة عالم تتكثف داخل رجل يبيع روحه للشر، ثم يريد استعادتها ليبيعها للخير، وبينهما نرى كيف أن الأساطير لا تزال قادرة على خلق نفسها“.

إرم نيوز

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى