روسيا وإيران والتعاون العسكري

لا شك بأن زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى إيران الإثنين الماضي تكتسب أهمية عسكرية وسياسية، على الأقل لكونها الزيارة الأولى لوزير دفاع روسي إلى طهران منذ خمسة عشر عاما. وهي تكتسب أهمية في جانبها العسكري تحديدا، لأنها أسفرت عن التوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين. ولعل النقطة الرئيسية في هذه الاتفاقية تتمثل في أن روسيا وإيران ستتعاونان في «مواجهة تدخل القوى الخارجية في المنطقة». وهذا سيعني، بحسب الروس، أن البلدين سيوحدان جهودهما في التصدي المشترك للتهديدات والضغوط ذات الطابع العسكري، ناهيك عن مواجهة العقوبات المفروضة عليهما من قبل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وهذا ما أكده وزير الدفاع الروسي في طهران، عندما قال «إن التعاون الثنائي بين البلدين سيتسم بطابع عملي كبير وسيساعد على رفع الجاهزية العسكرية والقتالية للجيشين الروسي والإيراني»، لافتا إلى تشاوره مع نظيره الإيراني بشأن «قضايا الأمن الدولي والإقليمي الملحة، وفي المقام الأول الوضع في الشرق الأوسط وأفغانستان».

لقد ذكرت مصادر إيرانية أنه جرى أثناء زيارة وزير الدفاع الروسي لطهران بحث مشكلة تراجع روسيا عن تزويد إيران بأنظمة الدفاع الجوي من طراز «اس-300» بهدف تسويتها. ويبدو أن روسيا باتت لديها مصلحة في حل هذه المشكلة، لأن ذلك سيعني أن ايران ستسحب الدعوى القضائية التي قدمتها الى محكمة التحكيم في باريس، وطالبت فيها موسكو بتسديد 4 مليارات دولار لعدم التزامها بتنفيذ العقد الموقع بين الطرفين. فروسيا تقترح على ايران تزويدها بنظم دفاع جوي صاروخية بديلة.

إن العلاقات بين البلدين في المجال العسكري شهدت لحظات من الصعود والتراجع. ففي الفترة الممتدة بين عامي 1989 و1991، صعد التعاون العسكري بين الاتحاد السوفياتي السابق وإيران إلى ذروته عمليا، عندما جرى التوقيع على أربع اتفاقيات كبيرة بينهما بأكثر من خمسة مليارات دولار. فقد تضمنت اتفاقية للتعاون العسكري بينهما في العام 1989 بيع إيران طائرات ومروحيات عسكرية ومنظومات مدفعية صاروخية مضادة للطائرات من طراز «إس ــ 200» وغواصات ديزيل ودبابات. غير أن تحولات تسعينيات القرن الماضي في روسيا، جعلت موسكو تستجيب للضغوط الأميركية والإسرائيلية للابتعاد عن طهران بدرجة ما. ولعب بروتوكول «غور ــ تشيرنوميردين» في العام 1995، دوراً مهماً في هذا الابتعاد الروسي، حيث نص على وقف التعاون العسكري المستقبلي بين روسيا وإيران. وبذلك خسرت موسكو آنذاك، بحسب التقديرات الروسية، نحو أربعة مليارات دولار.

وعندما انسحبت روسيا من البروتوكول المذكور بعد هجوم حلف «الناتو» على يوغوسلافيا، بدأت مرحلة جديدة بين موسكو وطهران شملت عملياً أعوام 2000 ــ 2007، حيث احتلت ايران في هذه الفترة المرتبة الثالثة بين المستوردين الكبار للأسلحة الروسية. لكن العلاقات العسكرية بين البلدين أُصيبت مجدداً بالتوتر والفتور بعد قرار الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف في 2010، حظر توريد صواريخ «إس ــ 300» إلى إيران «انسجاماً» مع قرارات مجلس الأمن الدولي. علما أن هذه الصواريخ لا تقع تحت أي حظر دولي، كما أن طهران كانت قد سددت مبلغا ماليا مقدما عنها.

إن الظروف الجيوسياسية والعسكرية الحالية، المحيطة بكل من روسيا وإيران، تجعلهما أقرب إلى «التقارب» مجددا من أي وقت مضى. فإيران تقف، مثلها مثل روسيا، رافضة للهيمنة الأميركية على العلاقات الدولية، وبات أحد أهدافهما المشتركة يتلخص في مواجهة الحركات الإسلامية الراديكالية. وفي هذا المقام يقول مدير «مركز تحليل الاستراتيجيات» بموسكو، روسلان بوخوف، من دون مواربة «إن إيران الشيعية، مثلها مثل روسيا، تقف ضد الحركات الإسلامية السنية المتطرفة في الشرق الاوسط». كما أن إيران وروسيا متضررتان من تراجع الأسعار العالمية للنفط، وتطالبان برفع هذه الأسعار. هذا فضلا عن الوضع المتوتر حول روسيا في أوروبا بسبب أوكرانيا، وفي الشرق الأوسط حول إيران، والعقوبات الغربية المفروضة عليهما. بعبارة أخرى، «لقد بات البلدان يقفان بوضوح في معسكر واحد، وهذا وحده يكفي لجعل علاقتهما تتطور إيجاباً». فكما كانت واشنطن، ومعها تل أبيب، سبباً في تراجع التعاون العسكري بين روسيا وإيران، فإنها باتت اليوم أيضا سبباً لتوثيق هذا التعاون وغيره.

ويبدو أن زيارة وزير الدفاع الروسي إلى طهران، وما سبقها من اتفاقات أولية لتنشيط التعاون الاقتصادي بين البلدين في الشهور السابقة، تستجيب موضوعياً للحالة التي يمر بها البلدان في الوقت الراهن. فقد تراجع التبادل التجاري بين روسيا وإيران في الفترة الأخيرة، حيث انخفض حجمه في 2012 بــ38 في المئة عن العام 2011. وتراجعت الصادرات الروسية إلى إيران بنحو 44 في المئة بين العامين المذكورين. كما تراجع التعاون العسكري بينهما تراجعاً ملحوظاً، حيث يقدر «المركز الروسي لتجارة السلاح» خسائر روسيا من هذا التراجع في السنوات الأخيرة بحوالي 13 مليار دولار.

وينصح البعض في موسكو الكرملين بأنه إذا أراد تعزيز خاصرة روسيا الجنوبية الرخوة، فعليه عدم الأخذ بعين الاعتبار ردود فعل الولايات المتحدة، وعليه تنفيذ العقد المتعلق ببيع صواريخ «اس-300» إلى إيران، لما في ذلك من تلبية للمصالح القومية الروسية على خلفية الضغوط المستمرة من جانب واشنطن و «حلف شمال الأطلسي». ويمكن القول إن «إحياء» التقارب العسكري بين روسيا وإيران مجددا يمثل حاجة موضوعية مشتركة للروس والإيرانيين معا، وسيتوقف على الإرادة السياسية للبلدين. فإذا كان هذا التقارب «خطوة تكتيكية» نتيجة للظروف الروسية والإيرانية الحالية، فمن غير المستبعد أن تعود العلاقات بين البلدين مرة أخرى إلى مرحلة التراجع أو التباطؤ بعد سنوات عدة. أما إذا كان البلدان ينظران فعليا إلى هذه العلاقات على نحو «استراتيجي»، فإن مرحلة صعودها يمكن أن تتواصل لسنوات طويلة مقبلة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى