كتب

رياض نجيب الريّس: أمير السلطة الرابعة

هَلْ أراد الصحافي رياض نجيب الريّس(لقبه المفضل), الكاتب والناشر, السوري- اللبناني, بينما يصر الريّس على وصف نفسه بالصحافي العربي. أن يكون كتابه ((الصحافة ليست مهنتي- دار رياض الريّس للكتب والنشر- بيروت)), سيرة حياة حافلة بالإنجازات والأمنيات والمطبات, من خلال حوارات أُجريت مع الريّس أو مقالات كتبها عنه بعض الكتاب والصحافيين في عدد من الصحف العربية.

يبدأ رياض الريّس كتابه بمدخل تحت عنوان(حوار أخرس), ومن ضمن الأسئلة, أأنت صحافي, كاتب أم ناشر, ويجيب ((صحافي))(ص14), يؤكد الريّس: أولاً لا أستطيع أن أعرّف نفسي إلاّ بكلمة واحدة, هي أنني صحافي, صحافي أولاً وصحافي أخيراً. حين ينظر رياض الريّس إلى تجربته الصحافية في ميدان الثقافة, وهو الذي جرّب في بداياته الكتابة في الشعر والنقد, يُسلم بأن الصحافي هي الصفة الوحيدة التي يملؤها من دون أوهام(ص50).

وسؤال آخر ما القول الذي تردده كثيراً؟ يقول كلام إخوان الصفا:((هذا زمن السكوت وملازمة البيوت)). البداية كانت في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 1937 حيث وُلِدَ لنجيب الريّس ابن سمّاه “رياض” تيمّناً باسم صديقه, رئيس الوزراء اللبناني الراحل رياض الصلح. ونجيب الريّس أحد رواد الصحافة المناضلة والعروبية في سورية. تصف رندة العزير رياض الريّس:” وصل إلى لبنان أتياً من سورية في سن السابعة ليشترب. مقاهيه وجامعاته ونساءه.. اختار زوجته من هناك من الشمال اللبناني, وبرز من هناك أيضاً في عَالمي الصحافة والنشر”(ص83).

بدأ رياض الريّس, شاعراً قريباً من جماعة مجلة “شعر” ثم صحافياً في لبنان الستينيات فسافر موفداً إلى الخليج وإلى مناطق أخرى ساخنة ليكون شاهداً على الأحداث ناقلاً أميناً لها ومن ثم محللاً لنتائجها, لقد أثارت مجموعة كتبه عن الخليج زوبعة, لأنها وثّقت أحداثاً وسطّرت وقائع. يقول الريّس عن بدايته المهنية:” بدأت حياتي المهنية في تموز/ يوليو عام 1961 حين تقاضيت أول راتب لي بلغ ثلاثمائة ليرة”(ص100).

وتتحدث سعاد جروس عن الريّس:”مغامرات رياض الريّس في النشر والصحافة, جلبت له عداوات كبيرة, وأكسبته مكانة لا تقل عنها حجماً, هذا الرجل يعشق المناكفات والمواجهات, والعناوين الصادمة الصاخبة(ص25)”, في مكتبه بمنطقة الصنائع في بيروت, يجلس رياض الريّس محاطاً بصور لأغلفة مجلتي”الناقد” و “النقاد” إلى جانب لوحات فنية مميزة أغلبها لفنانين سوريين ولوحات كاريكاتير وقصاصات صحف ومجلات.

وتحت عنوان”حاسة الغرور” يتحدث ناظم السيد عن رياض الريّس:أصدر الشاعر, رياض الريّس, مجموعته الشعرية عام 1975 بعنوان ((البحث عن توفيق صايغ)). لكن من سوء القدر احترق الكتاب في المطبعة بعدما صدر عنه خبر يتيم في”النهار”. لم يعاود الشاعر نشر الكتاب, لقد اندلعت الحرب الأهلية في لبنان في نيسان/ أبريل 1975 حزم الرجل أمتعته وسافر إلى لندن(ص21).

يقول الريّس عن الشعراء: اكتشفت مع الممارسة أنني لا أملك مواصفات الشاعر, وعلى رأسها أن يكون لديك كمية كبيرة من الغرور. الذي يمارسونه من دون أي أساس يبرر هذا الغرور(ص22).

ويضيف معلقاً على تركه كتابة الشعر: لا أؤمن بقدسية الشعر الذي لا يتميز بطوباوية أو رسولية معينة(ص22).

يصف الريّس الصحافة العربية: “وصلت إلى حالة من السقوط لم تعرفه في كل تاريخها, وتراجع أسلوبها وممارساتها, فاق تراجعها في حرياتها وكراماتها واستباحة الأنظمة والناس لها”(ص31). ويؤكد الريّس:” الصحافة العربية منذ قرابة عشرين عاماً وإلى اليوم لم تعد مرآة تعكس ما يجري في عالمنا العربي”(ص62).

يصفه حسين بن حمزة:”لعله اليوم من أبرز الناشرين العرب وأنجحهم وأكثرهم جرأة ومغامرة”(ص33). فهو منذ مدة بلا أي منبر صحافي يكتب فيه, وبلا مشروع صحافي خاص يُديره بنفسه بعد توقف أخر مشاريعه, مجلة”النقاد” عام 2003.

ويقول الريّس:”أنا منبوذ من كل الصحافة العربية اليوم. بعد تجربتي في صحف عدّة كانت أخرها”النهار”و “السفير” حيث صار عليًّ حظر”.

لقد كانت سيرة”القبس″ الدمشقية لصاحبها المناضل نجيب الريس(1898- 1952), وإرث الأب, أشبه بتراجيديا شكسبيرية في حياة الابن رياض الريّس. عندما توفي والده سنة 1952 كان هو في الرابعة عشرة من عمره. أدارت والدته الجريدة بمساعدة مسؤولي التحرير فيها(ص35). وحين أغلقت نهائياً إثر تأميم الصحافة السورية أيام الوحدة مع مصر, كان رياض طالباً في كامبريدج. في المرتين لم يكن مهيأ لأن يتسلم الدفة, في الأولى كان صغيراً, وفي الثانية كان ممنوعاً عليه ذلك. في العام 1977 أصدر جريدة”المنار”. ثم أسس″شركة رياض الريّس للكتب والنشر” سنة 1986.

يتحدث الريّس عن دخوله عالم النشر: لم أدخل حقل النشر إلاّ كنوع من التحدي لوضع صحافي صعب لم أستطع اختراقه بعد توقف”المنار… صرت ناشراً بالصدفة البحتة, والسبب في ذلك أنني عندما فشلت في إصدار يومية ترضي طموحاتي التي عشتها في لندن, والذي كان بسبب عدم توفر المال, فكرت في العمل البديل “(ص104).

وعن الانتماء الحزبي لرياض الريّس:” يؤكد الريّس بأنه لم يكن حزبياً, رغم أنني كنت على حافة عدّة أحزاب, ولكنني لم أنتم إلى واحد منها. ولعل السبب في ذلك هو أنني لا أحتمل الفكرة الحزبية, ولا يحتملني الحزبيون”(ص52).

وحول الرضوخ بعد المعارك والخيبات يقول رياض الريّس لا جواب عندي إلاّ جملة واحدة ختمت بها أحد كتبي حيث قلت:” إذا كان لا بد من الانحناء بعد طول تيه, فمن الأفضل أن تموت واقفاً!”(ص69).

وعن النفوذ في الصحافة يوضح الريّس:” أعترف بأنني أنتمي إلى الجيل المحظوظ في الصحافة, وقد عشت عصر الصحافة عصر الصحافة الذهبي, وكان لنا نفوذ وموقع وموقف, ليس النفوذ بالمعنى الإقطاعي, بل الهدف الذي كنا نسعى إليه ونحققه دون عقبات, هذا كله تغير, ومنذ عام 1975- 1976 بدأ عهداً آخر, بدأت الحروب الأهلية وبدأ التطاحن”(ص75)..

وحول مقولة تهديد الصحافة الالكترونية للصحافة الورقية يبين الريّس بأن هناك كذبة في الإعلام تقول: إنّ الإنترنت ومتفرعاته تقضي على الكتابة, وهذا كذب. الانترنت ومتفرعاته مصدر معلومات, ولا يمكن لأي شخص أن يقرأ كتاباً على الانترنت, فعلاقة الإنسان بالكتاب علاقة حميمة(ص75).

وعن جنسية الريّس هل هو سوري الهوية بحكم مكان الولادة, أم لبناني الهوى يقول:” عروبتي أولاً, وأنا أخر شاهد من شهود مقولة شعب واحد في بلدين. وأنا فخور بنصفي اللبناني بقدر ما أنا فخور بنصفي السوري”(ص79).

وبالنسبة للإرث الذي تركه له والده يقول الريّس:” ما تركه لي أبي من سمعة وصداقات ومعارف أهم من أي ثروة مالية. استمتعت بكل هؤلاء الأصدقاء فكانوا نِعْمَ السند”(ص80).

يُشخص رياض الريّس حال المجلات الثقافية العربية:” المجلات الثقافية لا تعيش طويلاً ودائماً تكون ملزمة بسن معينّة حتى لا تشيخ”(ص80).

وعن محاولات رياض الريّس إعادة إصدار جريدة “القبس″ الدمشقية الذي يملك امتيازها الراحل نجيب الريّس:” لماذا أفكر بهذا المشروع الآن, فلأن من حقي بعد تجربة صحافية عمرها ما يقارب 40 سنة, الطموح إلى أن أختم حياتي المهنية في بلدي, مع مشروع لإصدار جريدة أهلية تكون الأولى منذ أربعة عقود. تتمكن من نقل صورة سورية إلى الخارج”(ص113). فهل ياترى يتحقق حلم الريّس المشروع.

رياض نجيب الريّس, الصحافي, الناشر, المؤلف, الشاعر. منذ أن كان في لندن كاتباً صحفياً كان خطهُ واضحاً, العمل بمهنِّية عالية جداً. ومنذ عام 1986 على يديه تأسست إحدى أكبر دور النشر العربية , دار الريّس, (لندن – بيروت) هدفها نشر الثقافة على طول وعرض الوطن العربي.

رياض الريّس ليس كأصحاب الدكاكين (الثقافية). لقد حافظ منذ ذلك التاريخ على نفس النهج في التعاطي مع جميع الاتجاهات السياسية والدينية, ينشر للكل .

أصبحت دار الريس من كبريات دور النشر العربية التي لا تهدف إلى تحقيق الأرباح المادية على حساب جودة الكتاب وإيصاله إلى أكبر عدد ممكن من القراء في الوطن العربي. متخطية الكثير من الحواجز المخابراتية والرقابية العربية والتي تُمارس دورها بامتياز!!وقد ساهمت إلى حدٍ كبير في تشظي الثقافة العربية. فهناك من يعمل على قلب الطاولة التي يدير منها رياض الريس مملكته الثقافية. ولكن رياض الريس يجلس على طاولة بأربعة أرجل وليس ثلاث كما تصور ويتصور البعض. فعلى مايبدو إنّ هناك جهاتاً (بعض العصابات) التي تتطفل على الثقافة تريد لمشروع الريّس الثقافي أن يندثر وهي متضررة منه بالتأكيد!. لربما هناك من يعمل في الظلام على حصار الريّس في بيروت.

و للرّيس في كل عاصمة عربية وعالمية حضور. فهنالك بالتأكيد فرق شاسع بين الذين يبثون الثقافة الحقيقية, وبين الذين يبثون السموم.

 

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى