زمنان.. سباق الأرنب والسلحفاة

يزداد مشهد الصراع السوريّ تعقيداً اليوم ويتسارع كثيراً الزمن العسكريّ، بينما يتباطأ الزمن السياسيّ. المعارضة السياسيّة منشغلة بانقساماتها وبإعادة ترتيب أوضاعها في اسطنبول وأستانا والقاهرة وغير ذلك، بانتظار محاولة الرياض لربط المعارضة السياسيّة والعسكريّة. الزمن التفاوضي يتقدّم على وقع استشارات المبعوث الأمميّ دي ميستورا، بانتظار توافق أميركي ـ روسيّ على عقد «موسكو 3» أو «جنيف 3» مباشرةً من دون أن تبدو ملامح ما يُمكن أن يشكّل حلاًّ سياسيّاً. وتتكاثر الأسئلة الجوهريّة، فمن يتّفق مع مَن وعلى ماذا، في وضعٍ يتكرّس فيه تقسيم سوريا ويأخذ البعد العسكريّ فيه موقع المبادرة والريادة!

تبقى المبادرة أوّلاً بيد تنظيم «داعش» الذي بات يهدّد مباشرة حلب والسلميّة ودمشق ودرعا، برغم كلّ ضربات التحالف الأميركي. وها هو في العراق يتمدّد وصولاً إلى الرمادي قرب بغداد، في حين تتوافق بقيّة الأطراف على محاربته. فما بالنا بسوريا حيث يفتح تصاعد الصراع بين الأطراف الأخرى ثغرات تُضعِف جميع هذه الأطراف على جوانبها. وتبقى المبادرة ثانياً بيد «جبهة النصرة» وحلفائها التي ذهبت إلى «حرب تحريرٍ» جديدة، محطّاتها القادمة حماة وحلب. وتبادر قوّات الحماية الشعبيّة في الشمال الشرقي بالتقدّم لإبعاد «داعش» عن مناطق الحكم الذاتي. ويبادر الجيش السوريّ و «حزب الله»، كما يبدو اكتمالاً للمشهد، من جانبهما لإطلاق معركة القلمون، «تورا بورا» سوريا ولبنان.

استمرار هذا التسارع العسكريّ يعني أنّ الوضع الميدانيّ عندما يحين وقت طاولة التفاوض لن يكون كما هو اليوم. ولن يكون هناك معنى لوثيقة «جنيف 1» التي تصرّ جميع أطياف المعارضة السياسيّة أنّها أساس التفاوض. كانت هذه الوثيقة قد وُضِعَت عندما كان النزاع صراعاً وليس حرباً بين سلطة ومعارضة. أمّا التفاوض الذي سيأتي، فربّما سيكون بين قوى الأمر الواقع التي تسيطر عسكريّاً وأمنيّاً على الأجزاء المقسّمة والمتنافرة من الأرض السوريّة والشعب السوريّ، وليس حقّاً بين «المعارضات» السياسيّة السوريّة والسلطة القائمة. فهل سيتمّ التفاوض في النهاية مع «داعش» أو «جبهة النصرة»، أو مع الميليشيات التي تقاتل إلى جانب السلطة؟!

الزمن العسكريّ المتسارع هو بيد القوى الإقليميّة، وعلى الأخصّ تركيا وقطر من ناحية، وإيران من ناحية أخرى. ولا يُمكن تصوّر إعادة ضبط وتيرته كي تبقى هناك إمكانيّة لحلٍّ تفاوضيّ حول سوريا موحّدة لا يحكمها المتطرّفون من كلّ صوب، إلاّ إذا جرى توافق إقليميّ/دوليّ جديد، علنيّ كـ «جنيف 1» أو ضمنيّ، يضمّ هذه القوى الإقليميّة التي تضبط الإيقاع العسكريّ كي يتوقّف العزف على سيمفونيّة التقسيم. الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وحدهم، وخاصّة الولايات المتّحدة وروسيا، قادرون على صنع هذا التوافق الجديد، إن رغبوا!

ولكن ما الثمن الذي ستطلّبه القوى المعنيّة لما استثمرته عبر انخراطها في الصراع السوريّ؟ فما الذي يحفظ لإيران مصالحها وروابطها مع جنوب لبنان إذا ما تخلّت عن الأسد ودخلت من خلال الاتفاق حول الملفّ النوويّ إلى آليّات تهدّئ صراعاتها مع دول الخليج؟ وهل ستكتفي تركيا وقطر بخروج بشّار الأسد من السلطة، أم أنّ الأمر أبعد من ذلك، خاصّة في شمال سوريّا؟ وهل يُمكن لها أن تتخلّى عن دعم «جبهة النصرة» والتنظيمات السياسيّة – العسكريّة التي تساندها لمرحلة ما بعد التغيير؟ وكيف ستقوم الدول الأخرى بضبط تقاسم النفوذ بين المحورين، أو عزله؟

بانتظار حلّ هذه المعضلات التي أُقحِمَت سوريا وشعبها فيها يمكن لسياسيي ووطنييّ البلد وقواه المدنيّة، بل أيضاً لتلك المنخرطة في القتال، أن تفكّر جديّاً في معنى «حلّ سياسيّ» لسوريا موحّدة، ليس فقط في ما يخصّ نظام الحكم وإنّما أيضاً السبل لإيجاد مصالحة ولو تدريجيّة بين ما تمّ تخرّيبه في ذهنيّات السوريين، أكثر من ممتلكاتهم.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى