سوريا مضطرة للاستيراد رغم ‘امتلاكها’ ما يكفيها من القمح

باع المزارعون السوريون الذين يعانون ويلات الحرب الأهلية في عامها الخامس كميات من القمح للدولة أقل مما باعوه العام 2014 رغم أن محصولهم كان أفضل وعرضت الدولة سعرا أعلى. وأدى ذلك إلى عجز كبير لابد من سده بالاستيراد من الخارج الأمر الذي يواجه تعقيدات بسبب العقوبات الغربية.

وقد فقدت حكومة الرئيس بشار الأسد سيطرتها على الكثير من مناطق إنتاج القمح في الاشتباكات التي بدأت باحتجاجات للمطالبة بالديمقراطية.

لكن الحكومة، قالت في فبراير/شباط إنها ستتحاشى الاستيراد بشراء القمح من المزارعين السوريين في مختلف أنحاء البلاد.

وكان الهدف وراء ذلك إعادة تأكيد سلطتها وتأمين الامدادات من الخبز المدعم الذي ينتظره المواطنون.

وقالت مصادر حكومية إنه مع اقتراب موسم الشراء المحلي للقمح من نهايته بلغت حصيلة مشتريات الدولة من المزارعين 454 ألفا و744 طنا بالمقارنة مع 523 ألف طن في العام 2014 ومع مثلي هذه الكمية في العام الذي سبقه ونحو 2.5 مليون طن سنويا قبل تفجر الحرب.

ويبدو أن زيادة السعر إلى 61 ليرة سورية (0.2772 دولار) للكيلوغرام من 45 ليرة في العام 2014 لم يكن لها أثر يذكر. ورفعت دمشق سعر رغيف الخبز بنسبة 40 في المئة في يناير/كانون الثاني. ويقول سكان إن كمية الدقيق (الطحين) المستخدمة في صنع الرغيف قلت منذ مارس/اذار من أجل ضمان استمرار المعروض من الخبز.

ومع ذلك فقد باع كثير من الفلاحين محاصيلهم بأسعار أرخص لوسطاء يصدرونها إلى العراق وتركيا أو زرعوا محاصيل أخرى.

وقال تاجر أوروبي “النقل لمسافات طويلة محفوف بالخطر في البلاد بسبب استمرار القتال لذلك فالمجازفة بالإهدار كبيرة أثناء النقل”.

وفر أربعة ملايين سوري من البلاد منذ بدأت الحكومة حملتها على المحتجين وما أعقبها من نشوب الحرب عام 2011. لكن التقديرات تشير إلى أن حوالي 18 مليون شخص مازالوا يعيشون في البلاد نسبة كبيرة منهم في الشطر الغربي الخاضع لسيطرة الحكومة.

ويقول تجار ووسائل إعلام محلية إن الدولة تحتاج بين 1 و1.5 مليون طن من القمح لتوفير الخبز في تلك المناطق.

وقال تاجر سوري يعمل في تجارة السلع الأولية “في الواقع من الأرخص للحكومة الآن أن تستورد القمح من أن تنقل المحصول المحلي السوري من مختلف أنحاء البلاد بكل ما في ذلك من صعوبات كثيرة في النقل بالشاحنات”.

لكن الحكومة لم تصادف سوى نجاح محدود في شراء القمح من الأسواق الدولية لأن العقوبات التي تفرضها على دمشق الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية تزيد من صعوبة التمويل المصرفي رغم إعفاء المواد الغذائية.

وقال تاجر من منطقة الشرق الأوسط يعمل في مجال السلع الأولية ومطلع على الوضع في سوريا “يبدو مجديا أكثر الان أن تتجه الحكومة للاستيراد… أما ما إذا كان بإمكانهم تدبير التمويل فمسألة منفصلة”.

وفي يوليو/تموز قدرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للامم المتحدة أن الحكومة ستحاول شراء 600 ألف طن من القمح من الأسواق الدولية هذا العام في حين أن مستوردي القطاع الخاص سيستوردون 200 ألف طن أخرى.

وحتى الآن طلبت الحكومة مرتين شراء القمح في مناقصات عامة وحاولت إتمام صفقة مقايضة. وبلغ اجمالي الحجم المطلوب في المحاولات الثلاث 450 ألف طن.

ولم يتضح ما إذا كانت هذه الصفقات قد استكملت أو ما إذا كانت منظمة الفاو على علم بالرقم المتوقع لمشتريات الحكومة هذا الموسم عندما أصدرت تقديرها أن الحكومة ستستورد 600 ألف طن.

وتوقعت المنظمة أن تبلغ واردات القطاع الخاص 200 ألف طن وأن يبلغ حجم المساعدات الغذائية 180 ألفا ليصبح العجز على مستوى البلاد 800 ألف طن.

مناطق المعارضة

قال المجلس الوطني السوري المعارض المدعوم من الغرب إنه استخدم منحة قطرية تبلغ 15 مليون دولار في شراء 80 ألف طن من القمح من إدلب وحلب ودرعا وعرض على المزارعين ما بين 230 دولارا و240 دولارا للطن أي ما بين 0.4 و0.3 دولار أقل مما عرضته الدولة.

وقال وليد الزعبي وزير الزراعة في الحكومة المؤقتة للمجلس “الحكومة تشتري من المناطق التي تسيطر عليها. أما معارضوها فيحاولون البيع لنا. لكن الأمر صعب بسبب صعوبة النقل”.

وتقل مشتريات المجلس الوطني من القمح كثيرا عن المطلوب لسد الاحتياجات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة وأغلبها في أيدي أكراد سوريا أو جماعات جهادية اسلامية مثل تنظيم الدولة الاسلامية.

وتسيطر الدولة الاسلامية على محافظتي الرقة ودير الزور اللتين تعتبران سلة غذاء سوريا في حين أن محافظة الحسكة في الشمال الشرقي حيث الأراضي الصالحة للزراعة تخضع إلى حد كبير لسيطرة إدارة كردية ذاتية. ومازالت مناطق في تلك المحافظة ساحة قتال بين ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية والدولة الاسلامية.

ورغم أن تنظيم الدولة الاسلامية يسيطر على مناطق واسعة من الارض بين محافظة الحسكة وغرب البلاد الخاضع لسيطرة حكومة الأسد فمازالت رحلات جوية تتم بين دمشق ومطار مدينة القامشلي الذي يخضع لسيطرة الحكومة في الحسكة حيث تم تجميع أكثر من 300 ألف طن من القمح في العام 2015.

وقال تاجر السلع الأولية السوري “كلفة نقل القمح من الحسكة إلى دمشق يمكن أن ترفع السعر في بعض الأحيان لما يتجاوز ثلاثة أمثال القمح المستورد”.

ويحاول تنظيم الدولة الاسلامية جمع القمح من المناطق التي يسيطر عليها وطحنه وفي العام الماضي نقل كميات كبيرة من القمح من سوريا إلى المناطق الجديدة التي استولى عليها في العراق.

وكانت الحكومة قدرت محصول القمح في البلاد بثلاثة ملايين طن في 2015 بالمقارنة مع أقل من 1.9 مليون طن في العام 2014. وقالت الفاو إن المحصول سيكون أقرب إلى 2.445 مليون طن هذا العام في حين ذكر المجلس الوطني تقدير مليوني طن.

وكان المحصول السوري قبل الحرب يبلغ في المتوسط 3.5 مليون طن.

وفيما يعكس تقلص مساحة الارض الخاضعة لسيطرة الحكومة أقامت المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب (حبوب) في سوريا 22 مركزا لتجميع القمح هذا العام انخفاضا من نحو 31 مركزا العام 2014 ومن 140 مركزا قبل الحرب.

وفي نفس العام، حاولت مؤسسة حبوب أن تبيع للعراق 200 ألف طن من محصول القمح لعام 2013 لم تستطع نقلها من صوامع الحسكة، لكن مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية اجتاحوا محافظة نينوى العراقية وتم إلغاء الصفقة.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى