افتتاحية الموقع

سورية والمنطقة : مبادرات للحل بمرجعيات غير مجدية !!

يعود الحديث الأردني الرسمي إلى إعلان مساع جديدة لتفعيل الحل السياسي في سورية، وهناك من يقول أو يسمي المسعى الأردني الجديد بـ (حزمة مقابل حزمة)، بعدما كانت المساعي السابقة تحمل اسم (خطوة مقابل خطوة). ويتسرب أن العاهل الأردني أثناء وجوده في نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة، بحث مع الجانب الأمريكي ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية. ويقال أنه حصل على ضوء أخضر أمريكي للمبادرة في طرق أبواب الحل ثانية مع سوريا ومع دول عربية وإقليمية ذات فعالية في هذه الأزمة وبالتالي بالحل. فهل تنجح هذه المساعي؟؟ أم أن مصيرها سيكون كمصير سابقاتها؟؟؟ وما السبيل إلى نجاح أي مساع في إعادة سوريا إلى دورها الطبيعي في المنطقة؟؟؟
‏كل المساعي التي فشلت كانت تحت عنوان القرار 2254. وفي جوهرها كانت تسعى لأبعاد إيران عن دائرة الفعل في سورية تمهيداً للتغيير في النظام أو في سلوكه. وتقوم هذه المساعي على اعتماد المفاوضات بين الحكومة والمعارضة في رسم صورة سورية الجديدة. وهذه المكونات للحل باتت كليشيهات تردد كنصوص محفوظة. ومن كثرة  تكرارها اكتسبت شيئاً من (قدسية مرجعيتها) لأي حل.. السؤال الحقيقي هل ما زالت هذه الأسس والمكونات صالحة ومجدية في إيصال مساعي الحل إلى خواتيمها؟؟؟ وهل يمكن لأي فكر سياسي أن يظل يتعاطى مع أزمة ما بأدوات وطرق يؤثر عليها الواقع بتطوراته ويصيب قدرتها الزمان الذي يتقادم عليها.
‏من وجهة نظر مراقبة لم تعد هذه الأسس ذات جدوى للحل في سورية. فمثلا القرار 2254 عندما تم اعتماده كان الصراع في سورية بين طرفين الحكومة والمعارضة. واليوم لم يعد هناك أي قوى معارضة في الصراع. وهذا ما يجعل الحكومة تنتبه إلى أنه لم يعد هناك أي قوة معارضة تشكل طرفاً ثانياً في الصراع. اليوم الموجود على الساحة حكومة وقوى أجنبية تحتل شمال شرق وشمال غرب سورية، وتستخدم قوى محلية تنفذ سياساتها. إذن الواقع الذي ولد القرار 2254 لم يعد موجوداً، والتغيير الذي يستلزم وجود معارضة لم يعد وارداً لعدم وجود هذه المعارضة. ولم تكن سوتشي واستانه إلا مواربة تتجه إلى الإقرار بحقيقة تقادم وفوات مرجعية 2254 وعدم جدواها. وربما من هنا يأتي الموقف السوري الحقيقي برفض فكرة التغيير وفق القرار 2254. وهذا جوهر ما يعطل أي مساعدة للحل.
‏من منظور العمل السياسي القائم على توازن القوى فإن الحكومة لا تجد أي جدوى أو سبب يدعوها للدخول في عملية سياسية تفضي للتغيير إذا كان صاحب طلب التغيير وهو المعارضة منتف ومعدوم الوجود و الفعالية.. ومع تطور الوقائع على الأرض و رسوخ واقع سيطرة الحكومة، فإنها ( الحكومة) تجد أن من حقها أن ترفض تغيير نفسها، خاصة إذا كان هذا التغيير يهدف للقضاء عليها. فكيف لأي مسعى يريد تحقيق نتائج أن يطلب من قوة سياسية مرتكزه على الواقع أن تتخلى عن قوتها وتنفي ذاتها. وهذا الإصرار على التغيير من قبل الساعين للحل واقعياً يفشل مسعاه ويجهضه.
‏اما عن موضوع إيران و وجودها وفعاليتها في سورية كذلك أمر صورة مستقبل سورية هي قضايا تتعلق بسيادة سورية واستقلالية قرارها. ومن يريد عدم وجود إيران كميليشيات في سورية عليه العمل على نفي أسباب هذا الوجود وعليه مساعدة سوريا في حربها ضد الإرهاب بدل أن يقوم بإرسال الإرهابيين إليها كما فعلت وتفعل بعض الدول. سورية تقول  أوقفوا ارسال الإرهابيين وأوقفوا دعمهم وأوقفوا الحرب على بلدنا تنتفي الحاجة لوجود المليشيات الإيرانية. وهكذا فإن مساعي الحل في موضوع وجود الميليشيات الإيرانية قراره وحله عند من يرسل الإرهابيين ويمولهم ويدعمهم. وليس عند الحكومة السورية فقط التي ترى أن من واجبها لمحاربة الإرهاب الاستعانة بكل الحلفاء والأصدقاء لضمان تطهير سورية من الإرهاب والإرهابيين.
‏بالنتيجة فإنه على كل من يسعى إلى الحل في سورية أن يحترم الوقائع التي طورت الواقع السوري وتجاوزت  تصورات الحل التي طرحت في ظروف أخرى اختلفت وفي وقائع تبدلت. لم نعد في ظروف 2015 ‏ولا في الوقائع التي أفرزت القرار 2254. لذلك علينا وعلى الساعين للحل التعامل مع الوقائع التي تشكل الواقع الجيوسياسي السوري. وعلى الراغبين بإنجاح مساعي الحل اعتماد السبل الواقعية والموضوعية التي تحترم الواقع وقواه، وتتعامل معه مباشرة. و أهم ما في هذا الواقع : 1) الطرف الفاعل في الحل هو الحكومة 2) الطرف الغائب والمنتف هو المعارضة، 3) الحل القائم على التغيير لم يعد مقبولاً ولا معقولاً ولا مجدياً. 4) الاعتراف بأن القضايا المتبقية والتي تحتاج إلى حل هي : قضية الاكراد – قضية اللاجئين – قضية المصالحة المتضمنة المطلوبين والمعتقلين –  و أهم القضايا التي تعيق وتعرقل وتعطل الحل هي الاحتلال التركي والأمريكي في شمال سوريا . وهكذا فإن أسس الحل لم تعد المطروحة سابقاً، وصارت هذه الأسس مستندة إلى الوقائع الجديدة وإلى ضرورة التعاطي مع الحكومة باعتبارها القوة الأساسية والفاعلة في الحل. هذه وصفة الجدوى لأي حل و دون ذلك ستستمر المساعي بالإرتطام بإنتفاء أسس نجاحها وفوات واقعية مرجعيتها.
‏ليس الأردن من يحتاج الحل في سورية فقط، كما طرح الملك عبدالله الثاني على الإدارة الأميركية ، المنطقة كلها تحتاج إلى دور سورية الطبيعي في القضايا الإقليمية. وقبل كل شيء الشعب السوري هو من يحتاج الخروج من هذا الاختناق والاستنزاف الحياتي المستمر و الحصار الإقتصادي الخانق. بالمقابل فإن السياسة الأمريكية الهادفة إلى إبقاء المنطقة كلها في حالة استنزاف هي من يبقي سبل الحل مغلقة بمرجعيات غير مجدية وغير منتجة. و السياسات الأمريكية نفسها تستهدف استقرار وازدهار المنطقة باستهدافها سورية وابقائها في حالة حصار واستنزاف. وعلى المنطقة كلها، ودول المنطقة أن تعي هذه الحقيقة وان تتعاون مع سورية وفق الوقائع القائمة لا وفق السياسة الأمريكية الحريصة على استنزاف و استهلاك الجميع… المساعي السياسية المجدية تتعامل مع الواقع ولا تتعامل مع مرجعيات فات أوانها وانتفت واقعيتها و تأكد لاجدواها.

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى