سورية و حكاية انهيار العلاقات الروسية – الإيرانية

منذ بداية عام 2016 و وسائل التيار الإعلامي الرئيسي في الولايات المتحدة ، و الدول الواقعة في نطاق نفوذ واشنطن، تتحدث عن تهدم العلاقات بين روسيا و إيران بسبب الصراع في سوريه.

تقارير هذه الوسائل تتحدث بشكل مستمر عن كون روسيا قد أضحت خائفة من إيران أو العكس، أي أن إيران تخشى من روسيا. و تتحدث هذه التقارير دائما عن الصراع و الشقاق بين الحكومتين الروسية و الإيرانية بشأن سوريه. و إليك مثالين عن ذلك، ففي 24 شباط 2016 ذكرت صحيفة Financial Times أنه يجب أن تخشى إيران من روسيا. و بعد عدة أسابيع في 16 آذار 2016 قالت Bloomberg أن تقلص حجم الجيش الروسي في سوريه يؤدي إلى خطر الصراع مع إيران .

و لكن منذ عدة أشهر و التيارات المتواصلة من التقارير حول الخلاف الروسي – الإيراني كانت خاطئة تماما. إنها جزء من حملة تزييف (معلومات و تحليلات خاطئة) و تضليل (بروبوغندا) . فالعلاقات بين موسكو و طهران مستقرة ، و تعاونهما استراتيجي. و في الواقع، روسيا تدعم إيران ضد مبادرة الولايات المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة و القائلة أن تجارب الصاروخ الباليستي الإيراني انتهاك لخطة العمل الضاغط المشترك (JCAP) الموقعة بين إيران و الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و ألمانيا و الصين و روسيا .

و بنفس الطريقة، أطلقت تقارير مضللة و خادعة أخرى عن التوترات الإيرانية و الروسية. و بعضها كان حول معدلات تصدير النفط الإيراني، و أخرى حول خلاف بين موسكو و طهران يتعلق بتحويل إيران السلاح الروسي إلى حزب الله في لبنان، و الكثير كان حول توزيع و تسليم النظام المضاد للصواريخ س 300، روسي الصنع ،إلى الجيش الإيراني.

و بالنسبة للخلاف الروسي –الإيراني بسبب إنتاج النفط الإيراني، فإن التقارير ذات الصلة تركز على مطالب السعودية و روسيا بأن تقوم إيران بتخفيض إنتاج النفط. غير أن موسكو قالت بأن إيران حالة خاصة و بالتالي تتفهم أنها تعمل لاسترداد أسواق الطاقة التي خسرتها. و بذلك استثنت إيران من المطالبة بتخفيض تصدير النفط العالمي وفقا لتجميد شامل للإنتاج كجزء من مبادرة تهدف لرفع أسعار النفط. و خلال زيارته لنظيره الإيراني في طهران منتصف شهر آذار 2016، أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أن الحكومة الروسية تتفهم موقف إيران و تتقبله، و الذي يطالب السماح لإيران باستعادة مستويات الإنتاج التي كانت قبل الحصار.

أما بالنسبة لتقارير الإعلام الإسرائيلي حول الخلاف بين إيران و روسيا بسبب تحويل السلاح إلى حزب الله ، فلم يتم إثبات أي إشارة على ذلك، و لم تطلق الحكومة الروسية أي تصريح ضد إيران، و لم يتم إثبات التقارير الإسرائيلية بأي شكل واقعي.

و في الكويت وردت تقارير حول إبطال اتفاق س 300 في التاسع من آذار 2016، و بنفس اليوم أجرت Sputnik لقاءا مع المتحدث باسم الجيش الإيراني ، الذي رفض هذه الادعاءات. و صحيح أنه أصبح معلنا تأجيل تسليم نظام س 300 إلى إيران من قبل روسيا، و لكن هذا لا يعني أوتوماتيكيا وجود توترات بين موسكو و طهران. و قد أنكر كل من المسؤولين الروس و الإيرانيين بشكل متكرر التقارير التي تقول أن الاتفاق قد ألغي، فالتأخير حدث بسبب شروط قانونية و أمور تقنية، و ذلك وفقا لما قاله المسؤولون في موسكو و طهران.

روستيك، شركة تصنيع السلاح المملوكة من قبل الحكومة في روسيا، أعلنت أن أول دفعة من س 300 ستسلم إلى إيران ما بين آب و أيلول 2016. و بعد حوالي ثلاثة أسابيع من بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في سورية (في 27 شباط 2016) أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستبدأ انسحابا جزئيا من سوريه في 14 آذار 2016. و في اليوم التالي بدأ الجيش الروسي بتقليص تواجده في سوريه، و هذه الخطوة قدمت على أنها عقبة بين طهران و الكرملين.

و نشرت التقارير التي تعلن أن إيران محبطة من الخطوة الروسية، و صور الانسحاب الروسي في هذه التقارير على أنه مفاجأة للجانب الإيراني. و لكن الحكومة الإيرانية أعلنت أن خفض حجم القوة العسكرية الروسية في سورية مؤشر ايجابي على النجاح، ما يعني أن إيران و روسيا قد حققتا أهدافهما الرئيسية داخل سوريه.

علاوة على ذلك، لو كانت الخطوة الروسية تضر بالمصالح الإيرانية في سوريه، لما أسفرت عن قيام الرئيس الإسرائيلي ، في 16 آذار 2016، بمناشدة موسكو ضمان عدم استفادة إيران و حزب الله في لبنان من القرار الروسي المتعلق بتخفيض التواجد العسكري. و لم تتفاجأ إيران بقرار الكرملين المتعلق بخفض تواجده العسكري في سوريه، فالضباط و المسؤولون الإيرانيون و الروس كانوا يتنقلون ذهابا و إيابا بين عاصمتي البلدين على امتداد أشهر و هم يتداولون و يخططون بشأن الصراع السوري.

و من المستبعد كثيرا أن يكون قرار موسكو بإعادة تشكيل موقعها العسكري في سورية لم يتم بالتعاون مع الحكومة الإيرانية أو السورية. فطهران و موسكو و دمشق كانت تتشاور بشكل مستمر مع بعضها البعض حول العمليات العسكرية في سورية. و لولا التعاون و التصميم الروسي-الإيراني في سورية ، لما تم تجسيد اتفاق وقف إطلاق النار . و التيار الأحدث من التقارير الزائفة حول التوترات الروسية –الإيرانية في سورية يهدف إلى خلق الشك و توجيه رؤية عملاء الولايات المتحدة.فهذا الاتجاه لا يهدف إلى تضليل الشعوب أو استهداف إيران و روسيا فحسب، بل أيضا يهدف إلى خداع أتباع الولايات المتحدة و شخصيات المعارضة السورية في الشرق الأوسط حول حقيقة الوضع على الأرض في سورية، و هي أن المعسكرات المدعومة من الإيرانيين و الروس في الشرق الأوسط هي المتفوقة.

أي كلام حول نوع من الخلاف الروسي -الإيراني هو تفكير يعبر عن الرغبة، فكلا القوتين تتحركان تجاه تعاون أعمق عبر مساحة واسعة في أوراسيا من ساحل المتوسط و العراق إلى القوقاز و آسيا الوسطى. فليس هناك تعاون عسكري فقط ، فكل من طهران و موسكو تسعيان أيضا إلى تعميق العلاقات الصناعية و الزراعية و المالية و السياسية. انه ليس تحالف مؤقت ، و لكن جزء من ارتباط طويل الأمد و شراكة استراتيجية.

موقع Strategic Culture Foundation

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى