شعر المناسبات

حين يريد بعض النقاد العرب أن يذموا بعض القصائد الوطنية أو الإجتماعية المتصلة بحدث هام وقع حديثا لا يجدون أفضل من هذه التسمية : ” شعر المناسبات” على أنها نصوص من النظم الذي لا ينتمي إلى فن الشعر إلا بأوزانه وقوافيه فقط …

أكتب هذه الخاطرة لا لشيء سوى أن أحد النقاد العرب تعرض لأحد الشعراء المحدثين بنقد لاذع حين أتهمه بأنه شاعر مناسبات لا أكثر …

فلم أجد للرد على هذا الناقد أفضل مما قاله الشاعر الفرنسي المشهور ” بول إيلوار” في محاضرة مطولة له تحمل هذا العنوان ( شعر المناسبات) ألقاها في قاعة لأحد المؤسسات الثقافية الكبرى و هذا بعض منها :

(( لا يعوز الكثيرين منا غير القليل من الضمير ، ضمير الكفاءات الإنسانية و كفاءات الشعر أيضا. يجب أن نقتنع – كما قال جوته : ” إن كل قصيدة هي و ليدة مناسبة ” – و لكن يجب أن نقتنع أيضا أنه من الضروري لقصيدة مناسبة ما أن تعدو الخاص إلى العام كي تأخذ من هنا المعنى القيم ، و الدائم الخالد ، و أن تتصل المناسبة بأبسط رغائب الشاعر ، بقلبه ، و فكره ، و عقله …

يجب أن تتفق المناسبة الخارجية مع المناسبة الداخلية كأن الشاعر هو نفسه الذي أوجدها ، إنها تصبح بهذا الشكل حقيقية كعاطفة الحب ، أو الزهرة التي يفتحها الربيع ، كالفرصة بأن تنشئ كي لا تموت ، إن الشاعر يتبع فكرته ، غير أن هذه الفكرة تقوده إلى أن ينخرط في الخط الصاعد للتقدم الإنساني …))

لا ياحضرة الناقد المحترم … ما عليك سوى أن تقرأ لبدوي الجبل أو عمر أبي ريشة أو نديم محمد و آخرين إذ لم تستطع أن تراجع شعراء آخرين أجانب كتبوا شعرا في مناسبة وطنية أ إجتماعية . و هذا نموذج للشعر المسمى ” شعر المناسبات” أبدعها

” بول إيلوار ” نفسه خلال الحرب العاليمة الثانية حين فرض على سكان المدن الكبرى خاصة أن تصبغ نوافذ منازلها و مؤسساتها بالصباغ ذي اللون الأزرق الغامق كي يسود الظلام كما حصل مثلا للعاصمة الفرنسية ” باريس ” المسماة ” مدينة الأنوار” فإذا بها تغدو في هذه المناسبة مدينة موحشة معتمة ، فكتب “إيلوار” هذه القصيدة القصيرة التي تحمل هذا العنوان ” لننم ”

لننم يا صديقي العجوز

فقد تأخر الوقت

إنه واجبنا أن نغدوا نهاريين

إنه واجبنا …

و شؤم الآخرين

أن يفتحوا العين في الليل

كي يوقظونا … و لكنهم ناموا

ليس أحد منا مجبرا أن يعبر الطريق

و النسرينات الشائكة

و لا أن يضع الناس في الحفرة

راحاتهم النقية أو الموردة

هذه الراحات التي لم تخدشها شوكة واحدة

لننم يا صديقي العجوز

فقد تأخر الوقت

كفانا لهوا و شرابا

لندع السلاح جانبا

و النطاق الجلدي

و لنضبط أغطيتنا

حيث ترقد البهائم السوداء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى