طبول الحرب والنقر السوري (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

منذ أكثر من سنتين وسوريا تعيش حالة حرب.
القول بان السوريين، يقتل بعضهم البعض الآخر ليس صحيحا دائما. ففي لحظة تسليح الثورة بدا واضحا أن ذلك القرار ما كان ليتخذ لولا ان هناك رغبة إقليمية ودولية تسنده وتدعمه وتموله.
الحرب في سوريا لم تكن حرب السوريين وحدهم.
مظهريا يتوزع السوريون بين فريق موال للنظام وفريق آخر معارض له. غير أن القتال الدموي الذي ضاقت به الأرض السورية بما رحبت، لم يكن سوريا خالصا. لقد وجدت أطراف إقليمية ودولية الفرصة سانحة أمامها ليكون لها موقع قدم في سوريا. الدولة التي كانت إلى وقت قريب عصية على الاختراق، على الاقل على المستوى الأمني.
بعد الحرب لم تعد سوريا كما كانت من قبل.
صارت البلاد ساحة مفتوحة تسرح فيها جماعات وقوى مسلحة وأجهزة استخبارات قدمت لتساهم في الصراع بما يخدم مخططاتها التي قد تختلف في كل شيء إلا أن واقع ما كانت تنجزه من مهمات يجعلها تتفق على هدف واحد: تدمير سوريا.
ولأن الصراع كان قد خرج من نطاق كونه صراعا وطنيا بين شعب يرغب في الحرية والكرامة وبين نظام أقيم على أساس الغطرسة الأمنية، فإن النتائج التي انتهى إليها ذلك الصراع بسبب تدخل القوى الإقليمية والدولية، مَن وقف منها مع النظام أو مَن دعم قوى المعارضة بالمال والسلاح والجماعات المقاتلة قد انحرفت به (أقصد الصراع) إلى مكان لم يعد فيه الحوار الوطني ممكنا.
فلا النظام ولا المعارضة يملكان القدرة على اتخاذ قرار مستقل في الخروج من لغة الحرب إلى لغة السياسة.
ستكون نهاية الحرب بالتراضي محرجة للطرفين.
فبعد كل هذا الخراب الذي صارت غربانه تنعق في سماء كل متر من الأرض السورية، وبعد أن تجاوز عدد القتلى المئة ألف، وبعد أن هجرت الملايين من مدنها وقراها التي دمرت لم يعد مقبولا سوى أن ينتصر أحد الطرفين فيكون في إمكانه أن يُحمل الطرف المهزوم مسؤولية ما جرى.
على الأرض لم يكن تحقيق تلك الرغبة ممكنا بالنسبة لأي من الطرفين.
لقد اعتمدت الأطراف الداعمة نظرية توازن القوى، وهو ما يعني استمرار الحرب إلى ما لا نهاية.
وكما يبدو فان لعبة الموت التدريجي تلك قد أدت الغرض المطلوب منها وصار لزاما أن تطوى صفحتها. فكانت مأساة الكيماوي بمثابة لحظة القطيعة مع ماضي تلك الحرب ليتم من بعدها فتح صفحة جديدة، يكون فيها التدخل الدولي المباشر في الحرب مبررا. وهو ما صار الغرب يفضل القيام به، من غير الرجوع إلى مجلس الامن.
كل ما يمكن أن يقدمه النظام السوري من أدلة يؤكد من خلالها براءته من استعمال السلاح الكيماوي لم يعد كافيا لإيقاف حركة الآلة العسكرية، بعد أن دُقت طبول الحرب.
فهل سيتكرر في سوريا ما حدث في العراق عام 2003؟
اللغة الدعائية نفسها، وقد تكون لغة السلاح أكثر عنفا. فبعد عشر سنوات من حرب العراق، ربما ستلجأ الجيوش الغربية إلى تجريب أسلحة فتاكة جديدة، من المؤكد أن آثارها ستمحو ما تبقى من سوريا.
كما لو أن صورة العراق الجديد لم تكن كافية لإقناع السوريين والعرب، قبل المجتمع الدولي بان بلدا دمرته آلة الحرب الغربية لن تقوم له قائمة، هناك اليوم من السوريين والعرب مَن صار يرقص طربا لسماع طبول الحرب وهي تقرع حالما بصورة سوريا الجديدة، التي لن تكون أفضل حالا من العراق الجديد.
منذ اللحظة الأولى للازمة، أعلن السوريون عن فشلهم في القدرة على احتوائها، بل أن النظام وهو الذي يعول عليه، كونه الطرف الأقوى قد عبر عن عدم رغبته في ذلك الاحتواء.
يضرب الغرب اليوم على طبول الحرب بقوة مستلهما النقر السوري الذي صار يدور في حلقة من الاقتتال العبثي. بعدها سيقال "هذا ما فعله السوريون بأنفسهم".

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى