طه حسين .. كيف كان يرى الديمقراطية؟ (أيمن رفعت)

 

أيمن رفعت

 
'الديمقراطية' ظلت أحد الشواغل الأساسية لعميد الأدب العربي منذ أن عاد من باريس حاملاً الدكتوراه 1919.
 ضمن سلسلة تبسيط الأدب التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة صدر كتاب "الديمقراطية" لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. وقام بتبسطيه الكاتب إبراهيم عبدالعزيز، وتأتي هذه السلسلة في إطار السعي نحو تنمية ودعم الوعي الثقافي للمجتمع العربي صغاره وكباره، وتأكيد الهوية العربية وتواصلها مع المستجدات العالمية في قوة واعتزاز، وذلك من خلال تبني المفهوم الواسع للأدب وما يحويه من فكر وتاريخ وسياسة وإبداع شعري ونثرى مسرحي، وهو مفهوم يعيد إلينا قوة حضارتنا في سالف عهدها.
وفي مقدمة هذا الكتاب، يقول الكاتب إبراهيم عبدالعزيز: ظلت "الديمقراطية" أحد الشواغل الأساسية لعميد الأدب العربي د. طه حسين منذ أن عاد من باريس حاملاً الدكتوراه 1919، فلم يكتف بأن يكون مجرد أستاذ للتاريخ القديم في الجامعة، بل شارك الناس حياتهم، ودخل في خصومات وصراعات من أجلهم، وكان دافعه إلى ذلك نابعاً من مذهبه في الحياة، أو كما يقول: "وكذلك عرفت من طبيعة النفس خصالاً هي التي أستطيع أن أقول: إنها كونت مذهبي في الحياة: ظمأ إلى المعرفة لا سبيل إلى تهدئته، وصبر على المكروه، ومغالبة للأحداث، وطموح إلى اقتحام المصاعب في غير حساب للعواقب…"
وساهم طه حسين بنشاطه من خلال التاريخ اليوناني الذي عكف على تدريسه تأليفاً وترجمة، باعتبار أن التراث اليوناني يمثل أحد أعمدة النهضة الحديثة، خاصة في شقها الديمقراطي الذي ولد لأول مرة في تاريخ الإنسان. وفي هذا الإطار ترجم طه حسين سنة 1921 كتاب "نظام الأثينيين" الذي ألفه أرسطو، وهو صورة لسياسة اليونان وديمقراطيتهم، بل "أحسن صورة تمثل الحياة السياسية اليونانية".
ويضيف الكاتب: ولأن ماكتبه طه حسين عن الديمقراطية لا يتسع له كتاب واحد فقد أثرنا أن تبدأ بمقدمة طه حسين الكتاب الذي لم يكتبه عن الديمقراطية ثم نتبعه بعده محاضرات ومقالات محظوظة أملاها طه حسين وجدناها بين إدارته يحدثنا فيها عن ميلاد الديمقراطية في اليونان، ثم النموذج الإسلامي الذي بلغ مداه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ثم نموذج لأعرف الديمقراطيات الحديثة من خلال عرضه لكتاب سفير مصر السابق في لندن د. حافظ عفيفي باشا، وعنوانه "الإنجليز في بلادهم".
أما "ميلاد الجمهورية الديمقراطية في اليونان"، فهذا العنوان وضعناه على هذه الصفحات التي أملاها طه حسين. يقول المؤرخ الروماني العظيم ناستيوس في أولى حولياته المعروفة: "خضعت روما أولاً لسلطان الملوك ثم أقام لوسيوس بروتوسس بناء الحرية ونظام الحكم القنصلي".
كان الملوك في تلك العصور البعيدة يؤمنون وتؤمن معهم شعوبهم بأنهم ظل الآلهة في الأرض، لا لأن الآلهة قد حولهم الملك والسلطان بل لأن الآلهة قد منحوهم الحياة. فكل ملك يتمنى بنسبة من قريب أو بعيد إلى إله من الآلهة، فهو خليفة الإله في الأرض، وقد تلقى الحكم بالوراثة عن آبائه، الذين تلقوه عن جدهم الأعلى المقيم حيث الآلهة، والذي هبط إلى الأرض لظرف من الظروف فملكها وأعتب فيها الولد.
ويقول: ومهما يكن في شيء فقد عرف النظام الجمهوري أول ما عرف في البلاد اليونانية، ثم عرف بعد ذلك فى روما، وكانت نشأته في أول الأمر أرستقراطية خالصة ولكنه لم يلبث على مر الأيام وكر الليالي أن يتطور هو أيضاً حتى ينتهي إلى الجمهورية الديمقراطية.
وبعنوان "عمر بن الخطاب، والحكم الصالح"، ويقول: جمع عمر بين الخصلتين فأحسن ما يمكن أن تجتمعا، كان شديداً إلى أقصى غايات الشدة، وكان لينا أشد اللين، ولكنه لم يبلغ بلينه أو شدته أن يتجاوز حداً من حدود الله أو أمراً من أوامره.
استطاع أن يحول المسلمين الذين حاربهم أبوبكر حتى ردهم إلى الإسلام كرهاً، استطاع أن يجندهم ويبعثهم إلى قوة الفتح في الشام والعراق وأن يصدم بهم الروم في الشام فيفتحها، ثم يفتح مصر، ثم يصدم الفرس فيأخذ منها العراق وأكثر أقطار إيران. كيف أتيح له أن يحقق هذه المعجزة الكبرى، هذه هي عظمة عمر الشخصية وأول هذه العظمة التي استطاعها عمر هو أنه قهر نفسه قبل أن يعتمد الخطوب التي عرضت له، أخذه نفسه بما لم يكن أحد يستطيع أن يأخذ به نفسه وغيره من المسلمين.
وعن كتاب الإنجليز في بلادهم، للدكتور حافظ عفيفي باشا يقول: هذا الكتاب من جهود الدكتور حافظاً أثناء سفارته عن قومه في بلاد الإنجليز، والذي لم أقرأ منه إلى الآن إلا قليلاً ولكن لا أتردد في أن أقول إنه سيبنى بناء طويلاً وسيسجل اسم معه على المسرح في رواية واحدة بل كانت تمثل بعض مشاهد على المسرح في رواية واحدة بل كانت تمثل مشاهد روايات سلامة حجازي أو الأخرى كانت تقف على المسرح لتغني قصائد الشيخ فابتل عليها الجمهور يسمع صوتها الجميل.
ويطرح الكتاب هذ السؤال وهو: ما قيمته عمل الريحاني وهل طريقته المبتكرة ضرورية للحياة التمثيلية في مصر؟
يقول الأديب: من أجل ذلك أكتب هذا المقال: ليس فيما يفعله الريحاني شيء يسمى بتمثيل إذا كنا نقصد بكلمة تمثيل ما تؤديه هذه الكلمة من المعنى الذي يريده أهل الفن – سيمكن المصريين من أن يروا الإنجليز كما هم، ومن أن يروا النظم الإنجليزية كما هي، ومن أن يعرفوا الصلة بين الإنجليز وبين نظمهم السياسية، ومن أن يروا أصدق ديمقراطية عرفها التاريخ وهي تعمل في أرضها الملائمة لها وجودها الملائم لها، وتنتج نتائجها الطبيعية التي جعلت هذا الشعب الإنجليزي أعظم الشعوب حظاً من الحرية في بلاده وأقدر على ظلم البلاد الأخرى الضعيفة وإخضاعها لبأسه الذي لا حد له.
ويذكر الكاتب: إن رقي التعليم في مصر واتساعه ونموه وتعمقه – كل هذا يقارن بوصول الديمقراطية إلى مصر واستقرارها فيها وتغلغلها في نفوس الشعب. وكلما أحست مصر حياة ديمقراطية صحيحة، نقية من الشوائب برئية من الأثرة أحست نهضة علمية صحيحة، وأحست طموحاً إلى التوسع في التعليم. فلم تكد الديمقراطية المصرية تعود إلى الشعب ويشعر بقوتها الصحيحة، حتى أغلى ضمير الشعب للشعب وإذا هو في حاجة إلى أن يتعلم، وإذا هو يدفع حكومته وبرلمانه إلى التعليم والتوسع فيه إلى أبعد حد، وكم أتمنى أن أقول التوسع في التعليم بغير حساب، فهذه هي النتيجة التي لا بد أن يصل إليها – ويضيف: ووسيلة الشعب إلى أن يعرف حقوقه وواجباته ويستطيع الحياة الهادئة المطمئنة التي لا تركد ولا تخمر ولا تدعو للضعة والزلة، وإنما تنمو وتسمو بأصحابها إلى خير يزداد يوماً بعد يوم، ووسيلة الشعب إلى هذا هو العلم، ووسيلة الشعب إلى العلم شيء واحد، وهو أن يتعلم في المدارس.
وإذن كما قال الشاعر: وحاجة من عاش لا تنقضي.
فحاجة الديمقراطية إلى العلم لا تنتهي، وليس المهم أن الديمقراطية تبغض الجهل، فهذا لا معنى للشك فيه، وليس المهم أن ديمقراطيتنا طموحة إلى القيام بهذا، فهذا واضح. ولكن المهم أن تزيل بعض الأوهام التي تختلط بنفوس المثقفين الممتازين وغيرهم من علاقة العلم بالديمقراطية أو علاقة الجامعة بالديمقراطية. فالتعليم الجامعي إما أن يكون خيراً أو شراً، فإذا كان خيراً فالديمقراطية تدعو إلى المساواة، فيجب أن يشترك المصريون في الخير، وإذا كان شراً فيجب الأ يستأثر بهذا الشر طبقة دون أخرى، فيجب أن يتساوى الجميع في هذا الشر، فلا بد من أن يتعلم المصريون تعليماً ممتازاً سواء أكان هذا التعليم نفسه خيراً أم شراً.
إن الديمقراطية، تحتاج إلى العدل، وأخص ما يمكن أن يتصف به في وسائل التعليم هو هذه الفكرة التي أدخلها وزير المعارف في التعليم وهي فكرة "تكافؤ الفرص"، فهذا هو العدل الذي يتيح لكل مصري أن يعطي من النفع لنفسه وأمته وأن يخدم أمته بأقصى ما يستطيع. تكافؤ الفرص هذا لا يقتصر على لون من ألوان التعليم في حياتنا كلها، فأدخل تكافؤ الفرص ووصل إلى التعليم بل سيجاوزه إلى فروع الحياة الأخرى.
وأخيراً، يقول: ومعنى ذلك أن تكافؤ الفرص الذي أدخل في شئون التعليم سيعم ويتسع ويصبح مرادفاً لكمة أخذت تنشر الآن وهي كلمة "العدالة الاجتماعية".

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى