هل تشرّع مصر المخدرات ؟

ضحك المصريون كثيراً آنذاك واغرورقت عيون البعض بالدموع لفرط عدم التصديق، بينما حلق البعض الآخر في آفاق الأحلام على أمل أن تتحقق وإن كان اليقين أن الحلم يبقى حلماً. لعله المشهد الأشهر في السينما المصرية الحديثة ذلك الذي أفتى فيه الفنان محمود عبد العزيز في فيلم «العار» بأنه «إذا كان الحشيش حلالاً أدينا بنشربه، وإن كان حراماً أدينا بنحرقه». قهقه الجميع لأن ما قيل كان ضرباً من الخيال، فإذ به يتحول في العام 2015 إلى درب من الأفكار.

فكر إتاحة الحشيش دون تجريم أو تحريم ليست جديدة، وإن كانت في العالم العربي تظل، على رغم انتشار الحشيش انتشاراً كبيراً خصوصاً بين الشباب، تابو غير صالح للتداول الإعلامي أو الحواري أو القانوني، لكنه يبقى دائماً وأبداً صالحاً للتداول بغرض التعاطي.

تعاطي المجتمع مع دعوة مثيرة غريبة أطلقها رئيس «رابطة تجار السجائر» في مصر السيد أسامة سلامة لتقنين تجارة مخدر الحشيش في مصر أثارت بين الشباب ردود فعل أقرب ما تكون إلى تحليل الفنان محمود عبد العزيز، مع الإشارة بالطبع إلى أن حرقه يعني تعاطيه.

وتقدمت رابطة تجار السجائر بمقترح وصفه سلامة بأنه «علمي اقتصادي مبني على تحليلات عملية تقنية» يطالب بتشريع تعاطي الحشيش في مصر. وبرر سلامة المقترح الغريب بأنه «طالما أنه موجود في البلد بشكل غير شرعي، فلنقننه بشكل شرعي ليكون مسموحاً وخاضعاً للضرائب». وتشير أرقام غير رسمية إلى أن قيمة تجارة الحشيش غير الشرعية تتراوح بين 40 و45 بليون جنيه مصري سنوياً، تذهب أرباحها بالكامل الى جيوب التجار من دون أن تستفيد منها الدولة أو المواطن.

وجهة نظر الرابطة مبنية على أساس قاعدة شعبية شبابية قوامها «الممنوع مرغوب»، ما يعني أن الإتاحة ستقلل حتماً من حجم الاستهلاك والإقبال. وقد أقبلت قطاعات كبيرة من الشباب على المقترح فتناوله البعض بالسخرية العلنية حيناً، والرفض المبني على أساس أخلاقي وسلوكي حيناً آخر، أو أيضاً التنديد والتهديد والوعيد مقابل التفكير ملياً في الأمر في السر غالباً.

«أحياناً أتمنى لو كان الحشيش مباحاً للجميع، ولكن الوازع الأخلاقي في داخلي يمنعني من المجاهرة بذلك» يقول محمد خالد (22 عاماً) الذي لا ينفي ولا يؤكد تجربته الحشيش من قبل. ويضيف محمد أنه مقتنع في قرارة بمضار الحشيش، لكنه في الوقت نفسه أنه «منتشر انتشاراً كبيراً في أوساط الشباب».

نسب انتشار التعاطي وأنواعه في مصر تتفاوت تفاوتاً كبيراً بحسب الجهة التي تصدر الأرقام والإحصاءات. بحث حديث أجرته وزارة الصحة المصرية أشار إلى أن نحو 3.7 في المئة من المصريين يتعاطون المخدرات، والنسبة الأكبر هي من سكان القاهرة الكبرى حيث يحتل الشباب مكانة الصدارة من حيث أكثر الفئات العمرية إقبالاً على التعاطي، لا سيما الحشيش وإن كانت أقراص الترامادول تنافسه منافسة شرسة.

ولا تقل شراسة المنافسة بين الحشيش والترامادول عن شراسة المنافسة بين المعجبين بفكرة تقنين الحشيش والمعارضين لها من الشباب. «هذه نتيجة طبيعية للانقلاب على الرئيس الإسلامي محمد مرسي. فالرجل كان يصبو لتأسيس دولة قائمة على معايير الخلافة الإسلامية حيث لا مجال أصلاً لطرح فكرة هزلية قبيحة كتقنين المخدرات. وبدلاً من عزل متعاطي المخدارت حتى لا يفسدوا المجتمع، وتطبيق أقصى درجات العقوبة على من يثبت تعاطيه، فإذا بالنظام غير الإسلامي يسمح بطرح فكرة تقنينه». أسامة عبد العزيز (21 عاماً) ليس وحده الذي يربط بين عدم التدين والتعاطي. كما أنه ليس وحده الذي يعتبر التكتم على الإدمان والمدمنين والتظاهر بأنهم غير موجودين أصلاً أحد سبل إصلاح المجتمع.

مروة حسني (19 عاماً) مقتنعة بأن تسليط الضوء على مشكلات مثل الإدمان والمخدرات يلفت نظر من كانوا ساهين عنها، و»هذا أخف الأضرار» على ما تقول.

لكن أضرار التجاهل في نظر البعض الآخر يعطي المخدرات والحشيش هالة من السرية تجذب أصحاب الأعمار الأصغر من الشباب والمراهقين. السيد حامد عبد الله (معلم ثانوي) يقول إنه يتحدث مع طلابه وطالباته عن قضايا عدة في المجتمع، ومنها الإدمان. ويقول: «في البداية يتخوف الطلاب من الحديث معي من دون قيود. لكنهم بعد فترة قصيرة يعرفون أن غايتي هي الحوار وليس الإبلاغ عنهم. نسبة من الطلاب تدخن الحشيش ويمكنني القول إن الحوار البعيد عن الوعظ والإرشاد، وكذلك التقليل من نبرة الحلال والحرام يؤت ثماراً طيبة في هذا المجال».

أما التقنين، فهو يرفضه شكلاً وموضوعاً. ويقول: «أنا مع الانفتاح بشأن حوار شفاف مع الشباب دون تخويف أو ترهيب، أما التقنين فلا أعتقد أنه مناسب لطبيعة مجتمعاتنا حتى وإن أدى إلى تقليل عدد المتعاطين من باب أن المسموح ليس مرغوباً بالقدر نفسه، لكن في هذه الحالة سيهرع المراهقون إلى أنواع أخرى ممنوعة».

ولحسن الحظ أن جهات رسمية تتعامل مع قضية الإدمان بمقدار كبير من الانفتاح والاعتراف بالمشكلة. فقبل أيام قليلة، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي غادة والي، أن الخط الساخن للصندوق تلقى 9297 مكالمة خلال شهرين، تضمنت طلبات للعلاج، وتضمنت مكالمات أخرى طلبات للمتابعة والمشورة، وذلك من المرضى أنفسهم أو من أقاربهم، إلى جانب استقبال أكثر من 13 ألف مريض بالمستشفيات المتعاونة مع الخط الساخن بينهم أكثر من 4 آلاف جدد ونحو 9 آلاف يترددون للمتابعة.

وقالت والي إن غالبية المكالمات كانت من القاهرة التي جاءت في المرتبة الأولى حيث بلغت نسبتها 35.1 في المئة، تليها محافظة الجيزة بنسبة 17.3 في المئة. وأضافت الوزيرة أن 52 في المئة من الحالات تتراوح أعمارهم بين 21 و35 عاماً، وان ٢.٥ في المئة من المترددين على الصندوق فقط هم إناث.

وسواء كانت الإناث أقل تعاطياً للمخدرات من الذكور، أو أقل رغبة في الإفصاح عن تعاطيهن، تظل مواقفهن تجاه اقتراح التقنين تتأرجح بين التفكير والتكفير، شأنهن في ذلك شأن أقرانهن الذكور.

اللافت أن أحداً من الشباب لم يعط بالاً –تأييداً أو تنديداً- للجانب الاقتصادي من المقترح، وهو ما طرحه سلامة بقوله «الدولة تحارب المخدرات وتضبط 15 في المئة فقط منها، ولا تستفيد من أرباح تجارتها. الـ85 في المئة المتبقية تدخل جيوب التجار والموزعين غير الشرعيين من دون أن تمر بخزانة الدولة». ويبقى السؤال مطروحاً: هل ترضى خزانة الدولة بأموال تدخين الشباب للحشيش نهاراً جهاراً؟! وإن رضيت هي، فهل يرضى الآخرون؟

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى