شرفات

على هامش قضية رفع أجور دار المسنين ..

دار المسنين:

قبل سنوات، شاهدتُها في ساحة الأمويين. امرأةٌ عجوزٌ، تغضّن وجهُها بتجاعيد قليلة، لكنها بدت لي ابنة عز، فصّحتُها جيدة، قدّرتُ عمرها، فربما تكون قد تجاوزت السبعين سنة.. اقتربت مني، نادتني:

ــ يا ابني ، يا ابني!

سمعتُ صوتها، فاقتربتُ منها، مستغرباً إلحاحها. قالت :

ــ دخيلك يا ابني، هل تدلني على مكان يأوي العجزة ؟!

حدّقتُ في عينيها. حاولتُ أن أقرأ الحزنَ الذي فيهما. فهل هي صادقة، وهل يُعقل أن تكون حجة توقعني من خلالها بحالة عطف ما، فأعطيها شيئا مما معي، ودون أن أدري سألتها:

ــ لماذا ؟! هل أنت بحاجة إلى شيء ما أساعدك فيه ؟!

احتجت ، قالت لي:

ــ لا يا ابني، لا تفهمني غلط. أنا لستُ من هؤلاء، أنا لا أستجديك. أنا فقط أريد أن تدلني على مأوى للعجزة !

سألتها :

ــ وأسرتُك؟ هل أنت مقطوعة من شجرة؟!

ردت بثقة :

ــ لا ، فأنا أمٌ لابنتين متزوجتين وشاب طبيب عنده عيادة !

وتابعت توضح قصتها:

ــ ابنتاي سافرتا نتيجة الحرب، ولا أريد أن أنغّص على ابني حياته مع زوجته. أنت تعرف أن الأم تبدو غريبة في بيت ابنها المتزوج!

ــ وهل ستعيشين في دار العجزة ؟!

ــ هذا أفضل لي، وأدعى لراحة بالي وراحة بال ابني!

انتابتني حالة صمت، والوقت يمضي، وربما تتركني لأسئلتي وتطرح سؤالها على أحد المارة ، لكني فاجأتُها بطلب غريب:

ــ أنا بحاجة إلى أم . هل تقبلين أن تكوني أمي؟!

ضحكتْ، وقبل أن تسخر مني ، مضيت في مشروعي الغريب:

ــ تسكنين معي معززة مكرمة، ولن تكوني إلا بأحسن حال!

رفضتْ. شكرتني، ودعت إليّ بالخير، وعادت إلى سؤالها :

ــ قل لي هل تعرف داراً للعجزة ، لقد سمعت عن دار قريبة من هنا !

أرشدتها على دار المسنين في المزّة، وشرحت لها أن تلك الدار تأخذ من روادها شيئا رمزياً من الأجرة ، وتساعد المسنين على تتمة حياتهم براحة بال .

اهتمت بشرحي، وقالت :

ــ لا يهم، فأنا أملك المال، دلني عليها فقط!

وأرشدتها إلى أن أي سيارة أجرة يمكن أن توصلها إلى هناك، فشكرتني ومضت نحو سيارة أجرة وركبت فيها !

وفي دار المسنين في المزة التي يسمونها (دار السعادة) يعيش العشرات من الفنانين والكتاب والأطباء والمهندسين المسنين، وقد زرناهم مراراً، وتعرفنا على تجربة من أرقى التجارب الاجتماعية الحضارية في بلادنا ، وفجأة سمعنا، قبل أيام، عن قرار بمضاعفة الأجور لرواد تلك الدار،  فهل يمكن أن يفكر المشرفون على الدار فعلاً بهذه الطريقة، أنا أقترح أن يتراجعوا عنه ، كي لاتتشوه إحدى الصور الجميلة في دمشق.. نعم أرجوكم تراجعوا عنه !

 

(يتبع..)

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى