نوافذ

عن البلاد والعباد !

خاص

بدأت منذ أشهر أتواصل مع صديقة صينية عبر الهاتف بغية تحسين لغتينا الانكليزية والصينية في آن معا، وذلك تطبيقا للمبدأ الصيني (رابح-رابح) أو ما يسمى بمبدأ المنفعة المشتركة.

كان لكل منا نوع من الفضول تجاه بلداننا، لا سيما فيما يتعلق بالجانبين الثقافي والفكري، فعلى الرغم من أني اعيش هنا في الصين وأعرف الكثير من تفاصيل الحياة اليومية إلا أن هذه الحوارات كانت تمدّني بتفاصيل أخرى تجعلني أكوّن نظرة أكثر عمقا للكثير من الأمور، وبالمثل لم تكن تسمع عن سوريا سوى أنها بلاد عانت من الحرب، ولم تكن تعرف حتى فيما إذا كانت هذه الحرب قد انتهت أم لا!.

وهو ما دفعني إلى الحديث عن سوريا من وجهة نظر ربما لا يعرفها الكثير من الأجانب، فكلمة “الحرب” هي كلمة فضفاضة تحتوي في طياتها على معاناة كبيرة لا يدركها سوى من عاشها.

من المواضيع التي تحدثنا عنها مؤخرا كان “الذاكرة”، وهو ما ذكّرني بالتعريف الذي أطلقتُه حول الوطن مؤخرا  بأنه ذاكرة، فسمحت لنفسي بالتحدث نيابة عن السوريين جميعهم وأخبرتها أننا كسوريين لكلّ منا ذاكرة مميزة، مميزة إلى درجة التعقيد، فمنا من يجد ذاكرته محفوظة في ألبومات الصور، تلك الصور التي التقطناها قبل أن نغادر البلاد ووضعناها في دفاتر خاصة سميناها ألبومات، وحملناها معنا إلى حيث غادرنا، فإذا رغبنا يوما في استنشاق فكرة الوطن نعود إلى تلك الدفاتر التي تجمع صورنا عندما كنا صغاراً، حيث كنا قادرين على الاجتماع في منزل واحد، قبل أن تفرّقنا الحرب ويضطر كلّ منا للسفر إلى دولة كي يكمل مستقبله فيها.

ومنا من يحفظ ذاكرته في نكهة، قد تكون نكهة “المكدوس” عندما يصل إلى باب منازلنا في الغربة، أو رائحة شجرة لا تشبه الشجرة السورية في المظهر إلا أن لها الرائحة ذاتها، هذا عنّا نحن المغتربون الذين نفتقد البلد مادياً ومعنوياً. أما من بقوا في البلاد فإنهم يشعرون أن هذه البلاد باتت جاثمة على صدورهم فهم لا يستشعرون لا النكهة ولا الرائحة ولا حتى يضيعون أوقاتهم في مشاهدة ألبوم الصور، لا بل يريدون التخلص من ماضيهم وحاضرهم في هذا الوطن، فجلّ ما يعنيهم هو محاولة الخروج، وحين يحققون ذلك ويخرجون ويصبحون مثلنا مغتربين يعودون إلى ذاكرتهم المحفوظة في النكهة أو الرائحة أو ألبوم الصور.

مع الأسف، هذه هي حال من يفقدون بلادهم  ويأبون دفنها، فعندما يقتربون منها يعانون من رائحتها وعندما يبتعدون عنها تتحول إلى ذكرى وذاكرة، ومع أن كل منا يتألم على طريقته إلا أننا ومع هذا نأبى أن نقول “انتقلت بلادنا سوريا إلى رحمة الله تعالى” بل ورفضاً للاعتراف بالموت نفضّل القول  “رحمها الله” لأن الرحمة تجوز على الميت والحي.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى