تحليلات سياسيةسلايد

غالبية غير حاسمة لإردوغان: تركيا نحو جولة انتخابات ثانية

بعد يوم ماراثوني بلغت فيه نسبة الإقبال على التصويت 87.6%، كانت تركيا على موعد مع واحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية تقارباً في النتائج بين مرشّح السلطة (تحالف الجمهور) الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان (49%)، ومرشح المعارضة (تحالف الأمّة) كمال كيليتشدار أوغلو (44%)، فيما ظَهر أن حظوظ المرشّح الثالث عن «تحالف آتا» (الأجداد)، سنان أوغان، معدومة (5%)، وإنْ كان دعمه لمرشّح على حساب آخر في جولة إعادة ترتفع حظوظها كثيراً، سيرجّح اسم الفائز بالرئاسة. وربّما تجدر الإشارة، في سياق تقارب النتائج في هذه الجولة، إلى أن الرئيس الحالي حصل، في انتخابات عام 2018 الأخيرة، على 52.59%، تلاه مرشح «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، محرم إينجة، بـ30.64%. ومع رسوّ المعركة – كما يَظهر، على إردوغان – كيليتشدار أوغلو، بدا من نتائج الاقتراع، بعد فرز 90% من الأصوات، أن أيّاً من المرشّحَين لم يَنَل الـ50% (ونيف) اللازمة للفوز من الدورة الأولى، ممّا يعني تالياً أن الانتخابات – إذا لم تحصل أيّ مفاجآت متأخّرة – متّجهة نحو جولة إعادة في الـ28 من أيار الجاري.

على أن اليوم الانتخابي مرّ، أمس، من دون تسجيل أيّ حادثة تُذكر، أو اعتراض من هذا الطرف أو ذاك، أو حتى اتهام أحدهما للآخر بالتزوير. وقد أجمع رؤساء الأحزاب المشاركة في الاستحقاق، على أن انتخابات الـ14 من أيار شكّلت محطّة مضيئة في تاريخ الديموقراطية التركية، لا سيما وأن نسبة المشاركين ممّن يحقّ لهم الاقتراع – وعددهم حوالى 65 مليوناً داخل تركيا وخارجها – بلغت 87%، أدلوا بأصواتهم في أكثر من 190 ألف صندوقة اقتراع، فيما اقترع أكثر من مليون ونصف مليون من أصل ثلاثة ملايين تركي مقيمين في الخارج.

وفي حين لم تمنح استطلاعات الرأي أحد المرشّحَين أفضليّة للفوز على الآخر، وإنْ أظَهرت في معظمها رسوّ المنافسة على إردوغان – كيليتشدار أوغلو، وتأهّلهما إلى الدورة الثانية، إلّا أن المفاجأة كانت، حتى ساعة متقدّمة من الليل، أن مرشّح «تحالف آتا»، أوغان، حصل على أكثر من 5% من مجموع الأصوات، ممّا يعني حسماً من الأصوات التي كان يمكن أن ينالها مرشّح «تحالف الأمّة» المعارض، وتراجع التأييد له قياساً إلى ما كانت تقدّره له استطلاعات الرأي. على أيّ حال، لا يعني ذلك أن كيليتشدار أوغلو سيخسر السباق الرئاسي حتماً، إذ أظهرت النتائج الواردة تباعاً، وفقاً لوكالة أنباء «الأناضول» الحكومية، أن مرشّح المعارضة يتخلّف عن إردوغان، فيما أعطته وكالة «أنكا» أفضليّة (48% في مقابل 47% لإردوغان). وبدا لافتاً أيضاً أن الأرقام التي كانت نشرتها وكالة «الأناضول» صبّت، منذ لحظة بدء فرز الصناديق الأولى للاقتراع، في مصلحة إردوغان، وبفارق كبير وصل إلى 60%، فيما أعطت 38% لكيليتشدار أوغلو. وعطفاً على هذه النتائج، عمّ وسائل التواصل الاجتماعي مناخٌ حَسَمَ نتيجة الانتخابات لمصلحة إردوغان، ومن الدورة الأولى. ومع التقدُّم في فرز النتائج، بدأت وكالة «الأناضول» تُقلّص من نسبة الأصوات التي نالها الرئيس الحالي، لتصل إلى نحو 50%، في مسار تنازلي لنسبة الأصوات التي سيحصل عليها، بعد فرز حوالى 65% من الأصوات، ونزولاً إلى 49.8% بعد فرز 90% من أقلام الاقتراع. ولكن مع الظهور التدريجي لنتائج التصويت في أقلام اقتراع المدن الكبرى، مِن مِثل إسطنبول وأنقرة وديار بكر، حيث لكيليتشدار أوغلو غالبية واضحة، بدا أن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية لن تَظهر بشكل دقيق قبل ساعات الصباح الأولى.

والنقطة الأكثر أهميّة هنا، هي أن عدم حصول أيّ مرشّح على الـ50% ونيّف، يعني حُكماً الذهاب إلى دورة اقتراع ثانية بعد أسبوعين، وفق ما يقتضيه قانون الانتخاب. وفي حال حصل ذلك، فهو سيعتَبر انتكاسةً لإردوغان، إذ إنها ستكون المرّة الأولى التي يفشل فيها الأخير في الفوز من الدورة الأولى، علماً أنه مرشّح لولاية ثالثة مدّتها خمس سنوات. ومع الذهاب نحو جولة إعادة، قد لا تأتي النتيجة كما يشتهيها الرئيس الحالي، في ما لو اختار سنان أوغان الحاصل على 5%، أن يدعم ترشيح كيليتشدار أوغلو، ويدعو قاعدته الناخبة إلى التصويت لمرشّح المعارضة. وقد حذّرت المعارضة، على لسان مسؤولي «حزب الشعب الجمهوري»، ولا سيما كمال كيليتشدار أوغلو، من التهويل الإعلامي للسلطة بإعلان نتائج منتقاة ومنقوصة، فيما حذّر إردوغان، من جهته، من إعلان المعارضة نتائج مغلوطة، داعياً أنصاره إلى البقاء إلى جانب صناديق الاقتراع حتى النهاية.

وعلى هذا النحو، يُتوقّع اشتداد المنافسة وارتفاع حدّة الاتّهامات المتبادَلة كلّما اقترب فرز النتائج من نهاياته، فضلاً عن الاعتراضات الكثيرة التي ستظهر في الساعات المقبلة.

أما على صعيد الانتخابات النيابية، تبدو النتائج متقاربة مع نتائج استطلاعات الرأي، حيث يأتي «حزب العدالة والتنمية» في الطليعة، ومن بعده «حزب الشعب الجمهوري» مع تقدُّم غير متوقّع لـ«حزب الحركة القومية»، شريك الحزب الحاكم في «تحالف الجمهور».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى