«فتاة القطار» لبولا هوكينز … ثلاث نساء

بأسلوب سلس ولغة مكثفة وتعدد في الأصوات، سردت الروائية البريطانية بولا هوكينز روايتها المشوقة «فتاة القطار»، ترجمة الحارث النبهان. جاءت الرواية بتقنية اليوميات في وصف أحداثها واستطاعت أن تجسّد شخصيات من عمق الواقع حول ثلاث نساء تلتقي مصائرهن. ريتشل وميغان وآنّا. لوهلة يعتقد القارئ أن لكل منهن حياة خاصة لا تشبه حياة الأخرى، لكن في نهاية الحكاية سيقف القارئ على حقيقة أن الحياة دوَّامة صغيرة تَخُط مصائر أشخاص لا يجمعهم شيء سوى المكان نفسه.

تظهر رواية «الفتاة التي في القطار» فجاجة بعض العلاقات التي تخفي في باطنها كثيراً من الأسرار. سيرى القارئ أن هؤلاء النسوة الثلاث كانت عقدتهن الأمومة، كانت غايتهن أن يكنّ زوجات صالحات وأمهات صالحات كذلك، لقد وئدت أمومة ريتشل قبل أن تبدأ، وهذا ما قضى على حياتها كزوجة لرجل تحبه، الرجل نفسه الذي تكتشف كم أنه كان غريباً عنها، الرجل الذي قضت أكاذيبه عليه، هو نفسه الذي منح الأمومة لآنا لكنه سلبها من ميغان حين قتلها وطفلها كي لا تفضح أكاذيبه وعلاقته السرية بها.

ميغان التي أرادت أن تستعيد الطفلة التي ماتت بين يديها في لحظة إغفاءة في زمن ماضيها وظلت بعدها ليس أمومتها فحسب بل حياتها كلها مهددة، مطاردة، مؤرقة، ومعتمة أيضاً، هذه المرأة التي يشعر القارئ بارتباك أمامها على طول الرواية!

كانت ستكون حياة هؤلاء النسوة أفضل حالاً لو لم يقعن في شراك الرجل نفسه توم الذي كان زوجاً سابقاً لريتش وآنا ومغوياً لميغان، توم الرجل الذي مثّل أدواره بإتقان ككاذب وخائن وقاتل في النهاية.

هذه الرواية تظهر مدى فجاجة بعض العلاقات التي تخفي في باطنها كثيراً من الأسرار، التي تهرب من ماضيها وتحاول ترميمه بأكاذيب مقنعة، بأوهام مختلفة علّها تحدث فارقاً، علّها تُمكّن الروح من الهرب الموقت، لكن الروح تظل معذبة ولا تستكين عذاباتها حتى تسكب ما في قاعها المعتم.

رواية هي أشبه بقطار يمضي في المتاهة نفسها، نحاول خلالها مقاومة الألم ونسيانه، لكن كل شيء يرتدّ على صاحبه، في مثل هذه الظروف المضطربة دائماً يبحث الإنسان عن شبيهه، عمن خاض حياة تماثل تجربته القاسية… ريتشل حين كانت ترى آنا تعبر الدروب التي مشتها من قبل في منزلها، حياتها مع زوجها مقارنة إياها بحياة الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث التي دفعت باهظاً ثمن حبها ووفائها لزوجها تيد هيوز الذي خانها ببساطة مع امرأة أخرى، المرأة الأخرى آسيا التي لاقت مصير سيلفيا نفسه وخاضت برعب الوساوس نفسها حتى انتحرت وبالطريقة نفسها: «أفكر في تيد هيوز عندما جعل آسيا ويفيل تنتقل إلى البيت الذي عاش فيه مع سيلفيا كلاف قبل ذلك، تذكرت كيف كانت ترتدي ثياب سيلفيا وكيف كانت تمشط شعرها بالفرشاة نفسها، أود أن أتصل بآنا وأذكرها بأن رأس آسيا انتهى إلى الفرن مثلما حدث لرأس سيـلفـيا أيضاً».

لقد دفعت آنّا ثمن تهوّرها وكذلك ميغان، وحدها ريتشل التي كانت أكثرهن وجعاً وإحساساً بالذنب على طول الرواية، وحدها من حررت روحها من براثن حياة كئيبة، فتاة القطار التي لم تعد وحيدة، لقد كافأتها الحياة بظفر من نوع آخر حين تصالحت كليّاً مع نفسها، وما عادت الحياة بالنسبة لها مجرد رجل خانها وتركها وحدها تتخبط مع روحها المضطربة بل امرأة تتوق لحياة أفضل، امرأة حياتها كقطار لا يستكين، يهدر بحيوات متجددة.

والنبهان مترجم سوري الجنسية يقيم حالياً في بلغاريا وإليه يعود الفضل في إيصال كتب ثمينة على صعيد العالم إلى القراء العرب، على سبيل المثال لا الحصر، ترجم رواية 1984 للكاتب البريطاني جورج أورويل.

باولا هوكينز كاتبة بريطانية مواليد 26 آب (أغسطس) 1972، اشتهرت بسبب روايتها فتاة القطار التي صدرت في مطلع عام 2015، تصدرت الرواية قائمة نيويورك تايمز للروايات الأكثر مبيعاً لـ16 أسبوعاً حتى الآن في عام 2015، كما تصدرت قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في بريطانيا لعشرين أسبوعاً.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى