الجوائز الأدبية، غاية أم إضافة إبداعية!

هل تعتبر الجوائز بمثابة شهادات جودة تحصل عليها الروايات الفائزة؟ هل تسهم فعلا في تطوير الكتابة الروائية العربية أم أنها تسهم في تسليعها وتجذب غير الموهوبين للرواية طمعا في جوائزها؟

فهناك البعض ممن يكتبون فقط من أجل المشاركة في المسابقات ويكتبون وفق مثال مسبق أو وصفة تضمن لهم الجائزة، وقد يصيبون أحيانا، فهل ثمة مواصفات خاصة يمكن أن يتبعها الكاتب لضمان فوزه بإحدى الجوائز السخية الكثيرة في الساحة العربية. توجهنا بالسؤال لعدد من الكتاب من أجيال مختلفة، فماذا كان جوابهم؟

غياب المعايير

ترصد الكاتبة سلوى بكر مفارقة بالنسبة للجوائز الأدبية العربية، فرغم أنها تمثل جانبا إيجابيا إلا أنها تأتي في ظل تراجع ثقافي عام، و في إطار غياب مشروع ثقافي على المستويين العربي والإقليمي.

وتنعكس تلك المفارقة على المعايير التي تحكم منح الجوائز، فهي غائبة أو على الأقل ملتبسة تماماً وغير واضحة واللجان التي تشكل من أجلها الجوائز ليست لها دائماً تلك المصداقية التي تجعلها في موضع الحكم.

والجوائز عندنا وإن كانت تقليدا مهما وجيدا لأفكار ثقافية منقولة عن مجتمعات أخرى تقرأ، وتعتبر القارئ فيها طرفاً حقيقياً في التقييم وفي المشاركة المتعلقة بقيمة العمل الروائي، إلا أنها تأتي في ظل غياب أسئلة تتعلق بدور الثقافة في مجتمعات عربية على الأغلب تجمّل القبح السياسي للأنظمة الاستبدادية العربية.

ومن جانبه يقول الروائي سعيد سالم: ككاتب وكقارىء مهتم بالأدب لا أستطيع وضع معايير أو مواصفات محددة للرواية التى تستحق الجائزة، لكني أميل إلى أن رواية غير تقليدية سواء فى الشكل أو في المضمون، وأن تكون لها رؤية مبتكرة وأن تكون على احتكاك حقيقى بواقع المجتمع فأنا لست من أنصار الفن للفن، وفي مجتمع مثل مجتمعنا لا بد أن يكون للفن دور.

تعددت الجوائز فمنها ما هو مادي وعيني ومنها ماهو معنوي ولكن في عالمنا الثالث تأثر نظام الجوائز والمكافات كما كل الانظمة مبتعدا بها عما وضعت من أجله

وأعتقد أن أغلب اللجان المانحة للجوائز تضع أمامها مثل هذه المعايير عندما تقرر منح الجائزة لعمل ما، وعموما فالجوائز المحترمة حسنة السمعة تفيد الكاتب والقارىء معا، فهي ترفع من معنويات الكاتب وتشعره أن مكافأة ينالها نظير جهده، والقارىء يحصل على أعمال متميزة استحقت الجائزة وتستحق القراءة.

قيمتان للجائزة

بينما يرى الروائي إبراهيم عبدالمجيد أن القيمة المادية للجائزة تساعد الكاتب الحاصل عليها على استكمال الحياة، خاصة وأن الأدب في بلادنا لا يدر دخلا على الكاتب، لكن ثمة قيمة أخرى مهمة للجوائز وهي القيمة المعنوية. فأنت ككاتب تشعر حينما تحصل على جائزة ما أن هناك من يقدر عملك فعلاً. ومن جهة أخرى تساعد على ترويج الكتاب وتقديمه للقارئ. لكن الخطر أن يكتب الكاتب فقط طمعا في جائزة أو أن تمنح الجائزة لأسباب غير أدبية.

صدفة سعيدة

أما القاص منير عتيبة فلا يعول كثيرا على مسألة الجوائز، بحسب رأيه – ويراها مجرد صدفة جميلة تحدث للفائز بها، ويضيف : “موضوع الجوائز بالنسبة لي بسيط للغاية، فقد تقدمت بأعمالي فى مسابقات عدة، فزت فى عدد كبير، ولم أفز فى عدد أكبر، وقمت بتنظيم مسابقات، وكنت محكما فى مسابقات، وانتهيت من هذه التجربة إلى حقيقة مفادها أن المسألة ببساطة، لجنة تحكيم فى مكان معين وظرف زمني محدد، تقرر أن تمنح الجائزة لعمل ضمن أعمال متقدمة، فماذا لو تغير بعض أعضاء اللجنة؟ ماذا لو تغير المكان أو الزمان؟ ماذا لو كانت هناك أعمال أخرى تقدمت أو بعض الأعمال المقدمة لم تقدم، المتغيرات كثيرة، لذلك فالجوائز بالنسبة لي عندما أفوز أمر مبهج يدعو للفرح والشكر خصوصا إذا كانت القيمة المادية أو الأدبية للجائزة كبيرة، وحبذا لو هما معا، أما إذا لم أفز فهو أمر يدعو لأن أرفع سماعة التليفون أو أفتح صفحتي على الفيس بوك لأهنئ الفائز.

كسب الأحلام

الكاتبة منى الشيمي الفائزة بجوائز مصرية وخليجية عديدة لا ترى في الجوائز مؤشرا وحيدا على قدرة الكاتب على الإبداع فثمة كتّاب مجيدين لا يشاركون في المسابقات، وهي ترى أن الفوز في المسابقات لا يضيف لإبداع الكاتب، وإنما يؤكد على موهبته، فالمبدع يحتاج أحيانا إلى أن يكافأ ماديًا عن إبداعه، ليشعر بأن جهده لم يكن هباء، وأنه لا يحرث في البحر. وماذا لو اشتركت ولم أفز في المسابقة؟ سؤال سألته لنفسي عندما أرسلت لهذه المسابقة المهمة، تذكرت طه حسين عندما قال لزوجته عند شرائه شهادة استثمار سيجرى عليها السحب: “لو لم نربح الجائزة ربحنا الأحلام”. ولا يجب أن نغفل آراء المحكمين في الجائزة كما أنها أيضًا تعيد طرح الاسم الفائز وتسويقه من الناحية الإعلامية، وتجعل للفائز حضورًا على الساحة الأدبية.

باب اليقين

أما الروائي والشاعر المصري ماهر محمد نصر وكان من أوائل الفائزين بجوائز سعاد الصباح في الشعر وفي الرواية فيقول : “للجائزة أثر مزدوج على المبدع فهي تمنح المبدع (ولا سيما إذا كانت خارج إطار أخطاء المحكمين) يقينا ما وثقة في الأداء والأساليب حيث يقع الكاتب تحت تأثير خبرته الناجحة في الإبداع مما يجعله يتشبث بإطار وحيد هو إطار الرواية الفائزة بالجائزة ولا يستطيع لفترة طويلة من الزمن الفكاك من سجن التجربة مما يفتح أمامه بابا لخداع وعيه وخداع القارئ بتكرار تجربة ذات الرواية الفائزة والكاتب يخرج من سجنها (التجربة) بحسب قدرته على التمرد.

ويضيف ماهر نصر: باعتباري حصلت على عدة جوائز في الرواية والشعر دعوني أعترف أن الجوائز فتحت لي بابا لليقين والثقة لكنه أفضى إلى باب لخداع الوعي حتى استطعت التمرد، لكني ما زلت أعتز بتذكري لمعاناتي أثناء كتابة رواية “قال محمد الفحام”، فإذا تساءلنا من يمنح الجائزة؟ ينقسم مانحو الجوائز إلى مؤسسات أو أفراد، فالمؤسسات تدعي تشجيع الابداع في الرواية أو أي جنس أدبي وفق شروط اجتماعية محددة سلفا (تدجين الإبداع) لكنها تهدف سرا إلى الحفاظ على ذاتها كأداة اجتماعية تحاول ضبط العملية الإبداعية وفق منظومة قيم محافظة تناقض العملية الإبداعية وتحافظ في الوقت ذاته على قيم ضد طبيعة التطور والإبداع. أما إذا كان مانح الجائزة من الأفراد فإنه يهدف أساسا لغسيل السلطة الاجتماعية التي يمارسها ليتم تبييض الوجه والظهور بقناع اجتماعي مقبول وهذا ما يفسر احتكار الجانب الإعلامي في تلك العملية. ونادرا ما تخرج الجوائز عن هذا السياق إلا أنه ثمة عوامل أخرى تتوقف عليها القيمة الأدبية لجائزة الرواية من أهمها فريق المحكمين والذي يبدو أمام المراقب وكأنه من صناعة النظم التي تهدف للحفاظ على نفسها أمام وعي القراء، لذا لا نستغرب وجود بعض المنحرفين من المحكمين الذين يتم الحديث السري حول تقاسمهم القيمة المادية أو إطار مجاملة أحد أفراد المجموعة الخاصة (الشلة) . كما نلاحظ انحياز بعضهم للأداء الفني المشابه لذوق المحكم، بالطبع هذه ليست أحكام تخص الجميع فمنهم من هو مخلص للإبداع ومشجع للمنجزات الجديدة على مستوى الأشكال.

المحسوبيات والمصالح

أما الشاعرة العراقية نآهد الشمري، فتعرف الجائزه في معناها اللغوي هي العطية أو الهبة سواء كانت مشروطة بأداء عمل أو لا، ولكن مع تعقد الحياة وإتساع مجالات البحث العلمي صار لها معنى جديد فقد صارت تعني المكافأة على انجاز إبداعي وهدفها خلق روح المنافسة لدى المبدعين على أن تحدث فرقا من خلال تركيزها على العمل وإبراز مواطن الجمال فيه للوصول به الى أكبر عدد من المتلقين بمعنى تسليط الأضواء بالتكريم على المبدع للدلالة عليه، وقد تعددت الجوائز فمنها ما هو مادي وعيني ومنها ماهو معنوي ولكن في عالمنا الثالث تأثر نظام الجوائز والمكافئات كما كل الانظمة مبتعدا بها عما وضعت من أجله فنجد إن لجان التحكيم والقائمين على تقييم الاعمال خاضعين للانتماءات الحزبية والفكرية والأنضواء تحت لافتة المصالح المتبادلة دون النظر الى الخبرة والموضوعية في أغلب الأحوال ما أدى إلى إبراز الكثير ممن لا ترقى أعمالهم إلى مستوى النشر أو الإنتشار وإهمال المبدعين الحقيقيين والنتاجات التي تحمل رسائل قابلة للتاثير الايجابي، وهذا طبعا لا يعني عدم وجود جهود واعدة تحاول جاهدة أن تضع لمساتها في هذا المضمار وقد كان ذلك جلياً عند حصول بعض الأعمال الجادّة على جوائز محلية وعالمية من خلال تقييمها من قبل المنصفين غير إني، وبحسب رأيي أرى أن تاثير الجائزة على العمل الابداعي لا يكون بمعزل عن دعم هذا التكريم من قبل إعلام نزيه يعمل كسلطة مستقلّة مخلص للفكر والإبداع دون النظر إلى المحسوبيات والمصالح. (وكالة الصحافة العربية)

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى