الراب يهزم الفن الوتري في تونس

 

في خضم المفاجآت التي تشهدها تونس في النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية وصعود مرشحين الى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية وهما المرشح المستقل قيس سعيد ورئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي القابع في السجن، مر خبر وفاة المطربة التونسية القديرة منيرة حمدي مرور الكرام.

ومع رحيل منيرة حمدي وهي واحدة من عناقيد الفن الجميل والراقي والصوت الطربي، تعمق الفراغ الذي تشهده الساحة الفنية والموسيقية التونسية ويعتبر متابعون للشأن الفني أن الغناء الطربي والوتري في تونس يتقهقر بصفة كبيرة ويتراجع ليترك عرشه لموسيقى الراب التي اكتسحت قلوب الشباب وأصبحت الموضة الفنية الرائجة في تونس.

ويرى نقاد فنيون أن هذه الموجة أحدثت ثورة على الموروث الموسيقي الكلاسيكي، وباتت منافسا جديا للأنماط التقليدية المعروفة في الغناء، رغم محدودية الإمكانيات المادية لهؤلاء المغنين الذين ينحدر معظمهم من الأحياء الشعبية والفقيرة.

وتوفيت الفنانة التونسية منيرة حمدي في الأيام الماضية عن عمر ناهز 54 عاما، بعد صراع مع المرض ونعت وزارة الشؤون الثقافية التونسية الراحلة في بيان جاء فيه: “اشتهرت الفقيدة بصوت طربي عذب قادر على أداء كلاسيكيات الأغنية العربية، كما عرفت بنبرة صوتية أدائية مميزة”.

ومنيرة من مواليد محافظة باجة شمال غربي تونس، وبدأت حياتها الفنية من خلال برنامج “نادي المواهب”، وخلال مسيرتها حصلت على العديد من التكريمات والجوائز، حيث كرمها الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في عام 2003.

وشاركت منيرة في حفل الافتتاح في مهرجان قرطاج الدولي عام 2001، ونالت العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى في مهرجان الأغنية العربية عام 2004 وبرحيل منيرة صاحبة الخامة الصوتية الجميلة التي مكنتها من أداء الاغاني الطربية الشرقية والفن الشعبي التونسي ومقتل النجمة العربية ذكرى التي تألقت بصوتها الشجي والقوي والمنفرد وبتركيز نجوم الصف الأول في تونس على غرار لطيفة عرفاوي وصابر الرباعي على الغناء في مصر “هوليوود الشرق” والخليج واكتفاء كل من الديفا أمينة فاخت والمطربة صوفيا صادق بالغناء في المهرجانات التونسية الدولية دون إنتاج اغان جديدة يتمدد الفراغ في الساحة الفنية التونسية ليبسط نجوم الراب نفوذهم على ميول الشعب الفنية.

كما يأسف خبراء في مجال الفن من تراجع دور الفرقة الراشدية في تونس، التي كانت تقدم سهرات شهرية في المالوف التونسي (أحد أنواع الموسيقى في تونس) واستفاد مغنّو الراب في تونس من مناخ حرية التعبير، فتفتقت قرائحهم بموسيقى العصر التي سلبت عقول الشباب في تونس والعالم. كما استغلوا تطور وسائل التواصل الاجتماعي للانتشار عربياً وعالمياً.

وسجل فيديو كليب “يا ليلي” لفنان الراب بلطي والطفل حمودة على سبيل المثال أعلى نسبة مشاهدة عربياً في عام 2018، كما تصدر كل الأرقام القياسية في تونس في المقابل يكتفي مجموعة من الفنانين الشباب الذين يتمكسون بالأغنية الوترية بالتجديد في بعض أغاني التراث وتهذيبها ونفخ روحا عصرية فيها.

وتعزف شركات الإنتاج المحدودة في تونس على تبني الأغاني الوترية والطربية لتكاليفها الباهظة وقلة عشاقها ومريديها، في حين لا تكلف أغنية الراب صاحبها كثيراً من الأموال اذ انه بوسعه نشر أغنية غلى مواقع التواصل او انشاء قنوات خاصة له على فيسبوك وتويتر مثلا لينال فنه مشاهدات بالملايين.

وفي حين تعج الساحة الفنية بفناني الراب، تظهر بعد مخاض عسير أغنية وترية لا سيما مع فقدان الكثير من الفنانين اليوم الرغبة الحقيقة في المنافسة وخطف الاضواء والأنظار وتركيزهم على تحقيق شهرة سريعة بأغنية وحيدة.

وبعد ان بقي الراب حبيس الجدران الضيقة تفجّر هذا الفن الجامح، وانتقل إلى العلن، وتصدّر المشهد الموسيقي في تونس، ليحتل جميع الحفلات والسهرات الخاصة ومنصات التواصل.

ويعتبر بلطي والجنرال وكافون وكلاي بيبيجي وسانفرا وسمارا وعلاء هم الأسماء الأكثر متابعة على الساحة الفنية الغنائية في تونس فأغلب مطربي الراب نشأوا داخل الأحياء المهمشة والفقيرة وأغانيهم تحاكي الواقع مما جعل الجمهور يقبل عليها واجتمعت مجموعة من أشهر مطربي الراب في تونس بحفل فني مشترك في افتتاح النسخة الأولى من تظاهرة “قرطاج لفنون الراب” التي تميزت بأغاني وموسيقى ثورية ومتمردة.

ولا يتردد نجوم الراب في تونس في فضح الواقع وتعرية ما فيه من سلبيات والنبش في القضايا الاجتماعية كالفقر والبطالة والهجرة غير الشرعية وأوضاع السجون السيئة والعلاقات العاطفية المتلونة والمتغيرة إضافة إلى انتقاد الوضع السياسي ومحاربة الفساد بكلمات مباشرة وصريحة وحتى فضة وتحول الراب في تونس الى ظاهرة فنية وموسيقية وثقافية تستقطب حتى أبناء الطبقات الراقية.

 

 

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى