بشأن أزمة الدراما السورية وهجرة عناصرها

كشفت الأعمال التلفزيونية الدرامية التي شهدها الموسم الرمضاني لعام 2018 عن مسألة جوهرية ينبغي الوقوف عندها، في سياق الحديث عن أزمة الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري جوهرها أن الأزمة لا تعني كساد الدراما السورية بما هي عليه كفن تلفزيوني يقوم على عناصر أساسية معروفة هي : النص والإخراج والتمثيل والمونتاج والموسيقى التصويرية والديكور.. إلخ من احتياجات صناعة الدراما وإنما تعني هجرة عناصر هذه الصناعة، واتكاء الدراما المحلية على رأسمال ضعيف غير قادر على استكمال شروط الإنتاج، وعلى كادرات أقل خبرة في العموم إضافة إلى تراجع الدعم الذي كانت تتلقاه هذه الصناعة بشكل عام !

وفي مراجعة سريعة لأعمال درامية كثيرة تعرضها المحطات التلفزيونية العربية، يظهر العنصر السوري على الشاشات، ولكنه عنصر مهاجر، غيرمرتبط بالإنتاج المحلي، فنتعرف تلقائيا على مسلسلات ، تحمل عدة ملامح ذات معنى هي :

أولا : الاتكاء على كاتب النص التلفزيوني السوري بمهاراته وتميزه رغم كل النقد الذي أثير حول موضوعاته، ويبدو ذلك واضحا من خلال تواجد كتاب دراما سوريين مثل : هوزان عكو، باسم السلكا، وعثمان جحا، ونور شيشكلي، ومازن طه، وسلام كسيري، وإياد أبو الشامات. وهؤلاء الكتاب هم من اشتغل على مسلسلات آسرة بلغة المشاهدة كما هو الحال في مسلسلات : الهيبة (العودة)، وهارون الرشيد، وطريق، ومذكرات عشيقة سابقة، وتانغو، وجوليا، والرحلة 710 .. وكلها أعمال لا يمكن القول إنها ذات طابع سوري، ومن الصعب اعتبارها ضمن صناعة الدراما السورية التي نتحدث عنها داخل سورية .

وكثيرا ماشكى المخرجون السوريون والجهات المنتجة من أزمة في النص، كان آخرها ما أعلنته المخرجة رشا شربتجي في ندوة عامة من أن جذر المشكلة هو الورق (أي النص الدرامي) ، فلماذا لم يكتب هؤلاء نصوصا للصناعة المأزومة في بلدهم ؟!

ثانيا : في هذا النموذج من الأعمال الدرامية التلفزيونية المنتجة عربيا نلاحظ أنها من إخراج فنانين سوريين معروفين كالمخرجين هشام شربتجي، وابنته رشا شربتجي، وعبد الباري أبو الخير، وسامر برقاوي، ورامي حنا، وقد دخل مخرجون عرب على بعض الأعمال التي نتحدث عنها.

ثالثا : الاتكاء على الممثل السوري النجم، وهنا تتسع القائمة لنشاهد النجوم السوريين في صدارة الأعمال المذكورة وغيرها كالفنانين جمال سليمان وقصي خولي وتيم حسن وباسل خياط وعابد فهد  وكاريس بشار  ووفاء موصللي وقيس الشيخ نجيب وباسم ياخور وكندة حنا وسمر سامي وديما الجندي ..

على هذا الأساس، تتضح ملامح الأزمة في الدراما التلفزيونية السورية، وأولها الهجرة خارج البلاد لعدم توفر ظروف ناضجة إنتاجية ورقابية، إضافة إلى ضعف التوظيفات المحلية وفشل سعيها لتحقيق سوق واسع لها مع غياب الزخم الذي اختطفته ظروف الحرب وشتته خارج البلاد . 

وثمة نقطة على غاية الأهمية تتعلق بالشجاعة التي اتسمت بها الرساميل العربية الموظفة في الدراما التلفزيونية من أجل إنتاج أعمال ضخمة ومشتركة يظهر فيها العنصر السوري بوضوح ، فقد كانت هذه الرساميل سخية وواثقة وتحمل خططا إنتاجية قادرة على اقتحام سوق العرض الذي تنافسها فيه الدراما المصرية كما تحمل رغبة في ترويج مضامين محددة ينبغي الوقوف عندها.

إذن هل تكمن الأزمة في رأسمال الإنتاج الدرامي المحلي؟!

ثمة أجوبة كثيرة، لكن الاجتماع الذي عقده منتجو لجنة صناعة السينما والتلفزيون قبل شهور  في فندق الشام بدمشق أجاب على بعض الأسئلة، لكنه عاد يبحث في السوق الداخلي دون البحث في الشروط التي يحتاجها هذا السوق، ومن بينها عودة الكادر الفني للعمل بنشاط ، فانتقد الرقابة ، وطالب برفع سعر الساعة الدرامية إلى الضعف ودعا إلى دراسة مستويات الأعمال المنتجة بشكل موضوعي بعيداً عن المحسوبيات..

ودون تردد رفع صوتا يطالب بإطلاق قنوات فضائية سورية خاصة تعرض الأعمال الدرامية والبرامجية، شرط أن تقوم بعرض عدد محدد من الإنتاج السوري سنوياً أسوة بغيرها من البلدان مثل مصر التي تحتوي على 58 قناة، وقد علق أحد النقاد على هذا الطلب بالسؤال : هل يرغب المنتجون بإنشاء محطات بملايين الدولارات من أجل تسويق أعمال بملايين الليرات السورية؟!..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى