كتاب الموقعكلمة في الزحام

ما نسجوه لنا من صوف أغنامنا..

ما نسجوه لنا من صوف أغنامنا.. يحطّ مسرح (البولشوي) أو (الشمس) أو( بيتر بروك) أو( فيليب جنتي) أو غيره من التجارب المسرحية الرائدة في العالم، يحطّ رحاله في عاصمة عربيّة، يغنم ما تيسّر من التبجيل والتكريم والأموال،  يصيب شبابنا بالانبهار ثمّ الإحباط.. ثمّ الشعور بالعجز واللاّجدوى، يزعزع ثقتهم بأنفسهم وأساتذتهم ومبدعيهم وجمهورهم ونقّادهم وثقافتهم… يرحلون ويتركوننا نعضّ أصابع الخيبة كمن لحس عسلاً في منامه ثم استفاق على كابوس.
قد يحسب للجهات الثقافيّة الرسميّة استضافتها لهذه التجارب العملاقة والتي تجرّ وراءها إرثاً دسماً من تراكم البحث والمعرفة، لكنّها جعلت شبابنا- وعن غير قصد – يجرّ أذيال الخيبة والتحسّر على عدم نشأته في تلك الربوع… فتعمّق من غربته وتزيد من استلابه.
لننظر قليلاً إلى السياسة الثقافية في العالم الأوروبي عبر مؤسّساتها ومراكزها وبعثاتها في الخارج، نتعلّم منها لغة التسويق الإبداعي قبل الانبهار المجّاني .
إنهم – وفي حال مبادرتهم- يبعثون بالفرق الشابة والواعدة، من الذين لا نقرأ أسماءهم في كبريات الصحف والكتب و(الريبورتوارات )، إيماناً منهم أنّ في هذه الجولات التي تموّلها وتشرف عليها مؤسّساتهم الثقافية إغناءً للتجربة التي نهل منها مسرح (بروك) في(المابهراتا) و(الشاهنامة) ومسرح (روبرتو تشيلو) في طريق الحرير،( بينا باوش)، (أرييل منوشكين)،(جاك لوكوك)،(أنطون فيتاس).. وغيرهم من الذين انبهروا بنا وهم صغار ثم عادوا ليبهروا شبابنا – بل ويشلّونهم- وهم كبار.
إنّنا – وبعيداً عن عقدة الخواجة المزمنة أو المؤامرة البلهاء- ما زلنا نصفّق لمن يضحك علينا .. ونشتري ما نسجه لنا الآخر من صوف أغنامنا… بأغلى الأثمان وأبخس المواقف.
عاد المسرح في العالم الذي أتخمته الصناعة وأتخمها،عاد إلى ينابيعه الأولى، يستشرف بساطة الحكاية، متعة الفرجة وعفويّة الأداء … وذهب شبابنا نحن إلى ما يتخلّى عنه الغرب الآن: تعقيدات التكنولوجيا، صخب الألوان وقرقعة الأصوات المعدنيّة.
نظرنا إلى لاعب الخفّة على أنّه ساحر حقيقي ففقدنا القدرة على اكتشاف حيله. آمنّا بمعجزات دجّال يقلّد معجزاتنا … وفقدنا حتى القدرة على تقليده.
ليس الأمر جلداً للذات وإنّما سعي إلى إيقاظها، والإيقاظ لا يتمّ إلاّ بالصفعات والصدمات… ورغبة في توجيه هذه التساؤلات إلى سلطات الإشراف في العالم العربي.. بعدما فقدنا الأمل في الطلبات المرفقة بطوابع الاستجداء:
– لماذا نجعلهم يبيعون إلينا الرمال في صحرائنا. المياه بالقرب من آبارنا، والجمال في باديتنا، والدموع إلى مفجوعينا.. والربابة إلى منشدينا!؟
– لماذا نحن هكذا، وعلى عكس ذكائهم التسويقي في نشر المنتج الإبداعي، مازلنا نلمّع الملمّع، نعرّف بالمعرّف ونكرّس المكرّس.
– لماذا فقدنا حسّ(التشبيب) في مسرحنا وضخّ الدماء الجديدة ( مع تقدير الرواد وحفظ كرامتهم ومنزلتهم الابداعية).
… لكنّ المفزع في الموضوع أنّ جيل الشباب المسرحي صنفان: صنف فقد بوصلة التاريخ وصنف فقد بوصلة الجغرافيا… أمّا الذين يعيشون( الآن وهنا) فهم قلّة تعيش بين مطرقة ظلم ذوي القربى وسندان دجل الغريب وسطوته.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى