«قمة موسكو» على إيقاع الانسحاب الأميركي… تصوّر تركيّ (جديد) لمستقبل إدلب؟

 

لم تحمل «قمة موسكو» بين الرئيسين التركي والروسي مواقف حاسمة بشأن شرقيّ الفرات، بالنظر إلى أن الأميركيين لا يزالون يقدّمون تصوراً ضبابياً عن انسحابهم المفترض، رغم ما أُشهر عبرها من تفاهمات عامة بين قطبيها. لكن الحديث عن مستقبل إدلب لمّح إلى وجود «خطوات مدروسة» تتيح «استقرار المنطقة» وفق التعبير التركي و«تطهيرها من الإرهاب» وفق قرينه الروسي.

لم تخرج القمة الروسية ـــ التركية عن عادات سالفاتها في تعويم خطوط التفاهمات العامة بين أنقرة وموسكو في الشأن السوري، بعيداً عن الغوص في تفاصيل مسار التعاون الطويل بينهما، بما حمله ـــ وقد يحمله مستقبلاً ـــ من نقاط تباين أو خلافٍ في المقاربة والأهداف.

 اللغة الحميمة التي طَغت على الجزء المكتوب من حديث الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أدروغان ساعدت على تغليف تلك النقاط بلبوسِ التعاون في «مكافحة الإرهاب» ودفع الحلّ السياسي في سوريا، وحماية وحدة أرضها وسيادتها، إذ تناوب الرئيسان على استخدام وصف «الصديق العزيز» في نص خطابيهما.

أبرز التقاطعات التي ظهرت في المؤتمر الصحافي عقب الاجتماع، في غير الملفّات الثنائية المشتركة، كان تركيز الطرفين على أهمية «منصّة أستانا» بوصفها «المسار الأكثر فعالية لحلّ الأزمة السورية» وفق تعبير بوتين الذي كشف أيضاً عن قمّة جديدة تجمعه ونظيريه التركي والإيراني في شباط/فبراير المقبل ضمن إطار «أستانا».

وينتظر أن يكون لتلك القمة دورٌ في تبني إطار جديد لمنطقة إدلب تحديداً، يراعي التطورات المهمة منذ إعلان «مذكّرة التفاهم» الروسية ـــ التركية في سوتشي، في أيلول/سبتمبر الماضي.

الرئيس التركي لم يفوّت فرصة التأكيد من المنبر الروسي، وإلى جوار بوتين، نياتَ بلاده نقل تجربة مناطق «درع الفرات» و«غصن الزيتون» في ريف حلب الشمالي نحو الشريط الحدودي شرقيّ نهر الفرات، بما في ذلك من منافع لبلاده، خاصة في ملف عودة اللاجئين إلى أراضٍ سوريّة. أردوغان لمّح إلى أن التعاون مع موسكو «الذي يتعزز كل يوم» يجب أن يراعي ضرورة «عدم ترك فراغ تستفيد منه تنظيمات إرهابية» بعد الانسحاب الأميركي المفترض، مشيراً إلى وجود «أطراف» تحاول تقويض هذا التعاون. وبينما أكد أن «لا مشكلات» بين بلاده وروسيا حول مشروع «المنطقة الآمنة»، لفت إلى أنه جرى «نقاش الخطوات التي يمكن اتخاذها للحفاظ على الاستقرار في إدلب».

أما بوتين، فلاقى نظيره التركي في عدد من النقاط، إذ أكّد أن وزيري الدفاع الروسي والتركي ناقشا «خطة عمل تهدف إلى تطهير إدلب من الإرهاب»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن مقاربة الوجود العسكري التركي في شمال سوريا يجب أن تُراعي «وجود اتفاق في شأن مكافحة الإرهاب بين أنقرة ودمشق، منذ عام 1998 (اتفاقية أضنة)».

وبينما تعجّل الولايات المتحدة حسم ملف جيب «داعش» الأخير في ريف دير الزور الشرقي، فإن إنفاذ أي خطط روسية وتركية يرتبط تلقائياً بجدول الأعمال الأميركي هناك. ورغم الاختلاط الطبيعي لأوراق ملفي إدلب وشرقيّ الفرات على طاولات لقاء موسكو، فإن العمل على إدلب ومحيطها معزول إلى حدٍّ ما عن مرحلة انتظار الانسحاب الأميركي المفترض، وإن كانت أنقرة تحاول استغلال تلك المرحلة لتأجيل أي خطوة جديدة تخلُفُ التعثّر في تنفيذ بنود «اتفاق سوتشي»، ولا سيما «إنهاء جبهة النصرة» وإنشاء «المنطقة المنزوعة السلاح».

وتشير سلاسة تعويم نفوذ «النصرة» وجناحها المدني «حكومة الإنقاذ» إلى أن تركيا تعوّل على إنشاء هيكل جديد يمكن تقديمه على طاولات التفاوض بصفته ممثلاً وحيداً لكامل إدلب ومحيطها، ويستطيع تلبية ما طلبته روسيا في «اتفاق سوتشي»، في ظل «استقرار» وقف إطلاق النار. ورغم سمعة أنقرة السيئة في تنفيذ التزاماتها الخاصة بالملف السوري، فإنها تراعي أن ما تبنيه من تفاهمات مع كل من موسكو وطهران الآن سيكون مفيداً جداً في اليوم التالي لانسحاب العسكر الأميركي، إن تمّ، أيّاً كانت هويّة من يخلفه على الأرض.

أما موسكو، فتراهن على ضبط إيقاع التعاون مع أنقرة لإخراج صيغة «مستقرّة» لشرقيّ الفرات، مع تعظيم دورها في إطار المحادثات بين دمشق والقوى الكردية المسيطرة شرقيّ الفرات، بما يضمن عودة سلطة الدولة المركزية لاحقاً، وهو ما ذكره بوتين أمس، بالقول إن بلاده تشجّع تطوّر هذه المحادثات، قبل دقائق من نعت أردوغان تلك القوى الكردية نفسها بـ«الإرهابية».

ورغم حياد ملف «اللجنة الدستورية» عن سخونة تطورات الميدان، فإن روسيا التي تراهن على تتويج إنجازات «أستانا» بصيغة «سياسية» ناجحة، تعرف أهمية الدور التركي وثقله في المعاقل الأخيرة المحسوبة على المعارضة، والتي يمكن مصيرها أن يكون أبرز الأوراق على طاولة «الحلّ السوري» الأخيرة. وكان لافتاً في هذا السياق أن بوتين هاجم إحباط الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا المقترح الذي صاغه «ضامنو أستانا» لتشكيلة «اللجنة الدستورية»، عبر رسالة مشتركة تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة رفض تلك الصيغة.

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى