كارثة الحكم في مصر (محمد صلاح)

محمد صلاح

 

رغم الأوضاع البالغة الخطورة وكل هذا الضجيج الذي يحدث في مصر، وبالتوازي مع مشاهد جثث الضحايا ودماء الجرحى والانفلات في الشارع والغضب في القلوب والعقول، ووسط مخاوف من تفشي العنف وانهيار الدولة، كان مجلس الشورى -صاحب سلطة التشريع في البلاد- منعقداً بالأمس، وغالبيته بالطبع من «الإخوان» وباقي الإسلاميين، ليبحث في وضع قانون ينظم عملية التظاهر، وأظهرت المناقشات أن هؤلاء الناس الذين تحدثوا في المجلس في واد والأحداث في مصر في واد آخر تماماً، وبدا من متابعة الجلسة أن القادم أسوأ بكثير.
هل يبدو الأمر منطقياً أم أن ما يجري في مصر مفاجئ؟ الإجابة القاطعة أن المؤشرات ظهرت مبكراً وأن البدايات الخاطئة والإصرار عليها سيقود البلاد إلى نهايات كارثية، وأن إلقاء التهم على الإعلام والفلول والمعارضة فقط لن يحل أصغر مشكلة، فما بالك بأكبرها؟! القضية الأساسية الآن أن الحكم لا يدرك أخطاءه، ويعتقد بل ويصدق أنه على يقين بأنه لم يفعل إلا الأفضل، رغم أن الحال أمامه وأمام الجميع هو الأسوأ، وتلك هي الكارثة.
هذه الحقيقة تفسر ما كان يجري في «الشورى» والحوار فيه، فهم يعتقدون أن غياب قانون ينظم التظاهرات هو السبب في الحالة المتردية التي وصلت إليها البلاد، من دون أن يقترب النواب من الأسباب التي دفعت الناس للخروج إلى الشوارع والاحتجاج والاعتصام والتظاهر وممارسة بعضهم العنف غضباً ويأساً.
لن تحل الأزمة المصرية بـ «حوار وطني» يجمع الحكم والمعارضة على طاولة واحدة، فحركة الشارع صارت أسرع من أي حوار مهما كان شكله أو نتائجه. ولن يهدأ الغاضبون بخطاب للرئيس يعزي فيه شعبه أو يبرئ فيه ساحته، أو يؤكد فيه سلامة نواياه، فالمحتجون ليسوا فئة واحدة أو غضبوا لسبب واحد. لن تأتي الحلول إلا بسياسات وقرارات ثورية حقيقية، وليست من تلك التي يعتبرها الحكم أو «الإخوان» أو حلفاؤهم ثورية، بينما هي لدى جموع الناس أو حتى قوى المعارضة «تراجعية» أو تعبر عن المواقف والسياسات نفسها التي يتبناها -ولا يزال- الدكتور محمد مرسي منذ وصوله إلى سُدة الحكم حتى لو بدل الكلمات بأخرى والعبارات بغيرها. وبافتراض أن كل ما يقوله الحكم و «الإخوان» وباقي الإسلاميين سليم مئة في المئة وصحيح إلى أقصى درجة، وإذا جرى التسليم بمؤامرات تهدف إلى إفشال «الإخوان» في الحكم وإبعاد الإسلاميين عن المشهد، وحتى إذا صدق الناس أن إرث الماضي يضغط على الحكم وأن تركة مبارك ونظامه ثقيلة وكئيبة، وأن الإخفاق في التعامل مع الإرث والتركة ووضع حلول لمشاكل الناس وتحقيق «النهضة» ناتج من تحركات المعارضة وارتفاع سقف طموحات الشعب لدرجات تفوق كل الإمكانات، فإن الحقيقة أن الحكم نفسه يتحمل المسؤولية الأكبر في فشله وتسببه في إدخال البلاد في أتون حرب أهلية بدأت نذرها قبل شهور وباتت تطرق الأبواب، بل تدخل منها!
فات أوان الحديث عن الوعود التي أطلقت ولم يوفَّ بها، فالكل يعرفها والحكم نفسه يدركها، ولا مجال للحديث عن تعنت مورس وعناد استفحل وأخطاء ارتكبت أوصلت البلاد إلى خطر الانهيار الكامل، فالمهم الآن هو الحديث عن حلول وليس تأنيب الرئيس أو حزبه أو جماعته أو حلفائه، وبغض النظر عن التخبط في القرارات وإصدارها ثم التراجع عنها، وبافتراض أن الدستور الذي يتباهي به الرئيس وحزبه وجماعته وحلفاؤه أفضل دستور في تاريخ مصر والأحسن بين كل دساتير العالم، فإن مراحل إعداد ذلك الدستور أفرزت ما فيه مصر الآن من تداعيات خطيرة، بدءاً من تشكيل الجمعية التأسيسية ونهاية بالاستفتاء على مواده ومروراً بإقصاء قوى المعارضة وحصار المحكمة الدستورية والإعلانات الدستورية التي حصنت قرارات الرئيس ومجلس الشورى والجمعية التأسيسية نفسها، والمضي في كل ذلك وسط ظروف بالغة التعقيد وبالتّماس مع قضايا أخرى، كقضية مذبحة بورسعيد أو تدني مستوى الخدمات وارتفاع الأسعار وسوء الأحوال المعيشية.
الخطأ الأكبر لدى «الإخوان» أنهم تعجلوا حين كان عليهم أن يتمهلوا وأسرعوا حين كان واجباً منهم التأني. وجد «الإخوان» الحكم بين أيديهم فتعجلوا الانفراد به رغم أن جماعتهم اعتمدت سياسات النفَس الطويل، وهم احتاجوا الى أكثر من 80 سنة ليصلوا إلى سدة الحكم في أكبر بلد عربي، وحين «تمكنوا» أخفقوا، ولو كانوا تمهلوا لأتاهم ما يريدون حيث يكونون.
وضع الحكم الشرطة في مواجهة الشعب فحدثت المواجهات وسالت دماء الطرفين. وتصور مجلس الشورى أن قانوناً للتظاهر كفيل بحل كل المعضلات. وتصور الرئيس أن المناداة بحوار وطني سيلهي الناس أو يشغلهم عن مواصلة الاحتجاج أو وقف الاعتصامات أو منع الصدامات.
مطلوب من أطراف الحكم، رئيساً وحزباً وجماعة وحلفاء، أن يدركوا أولاً أخطاءهم ثم بعدها يبدأ الحديث عن مخرج للكارثة أو الحديث عن أخطاء الآخرين… أو مؤامراتهم.

 

صحيفة الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى