أدونيس

“الدين تنهيدة الكائن المقهور”
أدونيس، بهذا الوجه الآرامي المنتبه إلى وسامة الفكرة بدلاً من نور الشباب… أحزنني وأنا
أتابعه من حلقة إلى أخرى في حواره مع قناة الميادين.

ذلك لأن هذا الرجل المثقف المفكر الشاعر النقدي… وصل إلى 85 عقدة زمن، وهو يتوهج من ظلام إلى آخر، بحثاً عن أسئلة، ووصولاً إلى أجوبة. فكانت المقابلة تشبه الإعلان المتكررالذي يقول: نحن لا نيأس. فالفكرة لا تموت، والشعر لا يفنى، والأديان اجتهادات أنبياء.

أدونيس، وقبله ابن رشد مثقفان من زمرة العقل. ولكن العائق ، والعائق دوماً ، كان هذه الأغلبية المتدينة. الأغلبية العددية المتوارثة للصلوات واليقين، الأمر الذي لا يكلف لحدوث الإبادة إلا بضعة حرائق وقليل من فكاهة الخطب العصماء في مراكز التكفير. صحيح أن ابن رشد يعني ما قاله عند إحراق كتبه: “الكتب رماد والفكرة لا تموت”، ولكن الصحيح أيضاً أن الأوضاع السائدة ظلت كما هي لعشرات القرون، كأنما لنا الكلام وللأديان الفعل. لنا الوهم والحلم، ولهم القيادة والتحكم. لهم السيف ولنا القلم.

كان أدونيس يحاول إيصال الفكرة بالشرح، كما يفعل الأستاذ بطلابه في قرية نائية، محاولاً إفهامهم معنى الكون، وكيفيات فيزياء الخليقة.والمعنى العميق للوجود الانساني .على كميات من الأنقاض نتوخى الحذر، ونحن نميز بين الدين كطقس فردي يأخذ بيد المصلي إلى المعبد لينظفها من الآثام التي تلوثت في شظف العيش ، وشغف الحياة… وبين الدين الذي يشطر العالم إلى قسمين: مؤمن وكافر.

يتوخى أدونيس، وغيره ، الحذر من إثارة الأفاعي في منطقة الأنقاض، حيث النكبات مستوطنة الأديان، وتجار الحروب، وقضاة المحاكم الشرعية.
نتوخى الحذر من القول أن الحرب لا تنتهي بانتهاء المعارك… وإنما بإزالة أسبابها.نتوخى الحذرمن القول بأن السلام مستحيل إذا كانت الحلول سماوية، وإذا كان التلقين يمنع الإبداع، وإذا كنا نتفرج على المسلحين وهم يغادرون إلى فرصة أخرى يتلافون فيها أخطاء المعركة التي انتهت، ثم لانفعل شيئاً سوى الاستعانة بالدين واسترضاء الدين، ومزاعم تحسين تطرف الدين.

هذه الحرب يجب أن تفرز، مهما كلف الأمر، قانون المواطنة لا نصوص الأديان. حقوق الإنسان لا استيلاء النخبة. المساواة في الحرية الوطنية، لا الانتماء إلى الطوائف.

مئات ملايين الصفحات التي بشرت بمستقبل الإنسان، وحملت كل أصناف التأمل في المصير البشري لم تمنع حروب البغضاء، وعداوات المصالح، والاستقواء بالانحطاط.

تخيلت مخرج حلقات الميادين، وقد وضع مؤلفات أدونيس إلى جواره… لتحكي أكداسها، بصمتها وحبرها، قصة المحاولة تلو الأخرى، كتاباً بعد كتاب، محاولة ان نجعل هذا العالم مكاناً أفضل للعيش وللسعادة.

العزيز أدونيس… مع ذلك أنا أخذت الدرس:
“الحياة تموت فليكن ذلك…
ولكن لا يجوز للموت أن يعيش”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى