‘أشباح بروكسل.. ربيع القتلة’ تنبش في عالم الذئاب المنفردة

 

بخلاصة تجربة قصيرة لكن عميقة من العمل كمراسل صحفي في بلجيكا يثري الروائي والصحفي المصري محمد بركة المكتبة العربية برواية جديدة تشرع النافذة على مصراعيها على مرحلة دقيقة من تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب رواية (أشباح بروكسل.. ربيع القتلة) الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 242 صفحة من القطع الصغير هي الخامسة في رصيد بركة إلى جانب ثلاث مجموعات قصصية تسجل الرواية التي تنضاف الى رصيد ادبي وثقافي ثري في مصر رحلة مكاوي الذي يسافر إلى بروكسل بعد أن قامت مؤسسته الصحفية بانتدابه مراسلا لها بالعاصمة السياسية للاتحاد الأوروبي.

شعوره بالنفي يجعله منذ البداية يتعامل مع مهمة العمل باعتبارها عبئا يثقل كاهله طوال الوقت مما يفسح أمامه المجال لسرد تفاصيل أكثر عن الحياة في بلجيكا، الطبيعة والمباني ونمط الحياة والسكان، سواء الأصليين أو المهاجرين، خاصة من دول الشرق الأوسط.

مكاوي غارق معظم الوقت في تساؤلات الهوية والمقارنة بين القاهرة وبروكسل، بين المدينة المشمسة المزدحمة التي تركها ونظيرتها الأوروبية ذات الطقس البارد والنظام الدقيق وفي بروكسل يلتقي مكاوي مع المصورة الإيطالية كارلا التي يرتبط بها وتمثل له ملاذا آمنا من خيبات تركها خلفه في الوطن وأخرى يعيشها مجبرا في بلد غريب يعلم أن إقامته فيها لن تدوم.

وبالتوازي مع رحلة مكاوي الشخصية تنطلق رحلة أخرى يفرضها واقع جديد أخذ يتشكل في أوروبا وهي رحلة اللاجئين الذين بدأوا في التوافد بطرق غير شرعية من دول تطحنها الحروب والصراعات وعبروا الحدود البحرية والبرية بحثا عن بدايات جديدة في عالم أكثر إنسانية.

ينخرط مكاوي في هذه الظاهرة الجديدة من خلال تحقيق صحفي يجريه لصحيفته القاهرية فإذا بالرواية تغوص في عالم غريب يكتنفه الغموض والقلق والحزن عن بشر فروا من جحيم التفجيرات والعنف إلى لهيب شبكات التهريب والاتجار في البشر.

ومع وقوع هجوم على مفاعل نووي بشمال بلجيكا تنقلب البلاد رأسا على عقب وتبدأ حملة مداهمات أمنية تشمل كل مكان حتى البناية التي يسكن فيها مكاوي وتتصاعد الأحداث حتى يصبح هو شخصيا في دائرة الخطر.

تبحث الشرطة عن متطرفين إسلاميين خاصة من الشبان شكلوا خلايا كامنة في أوروبا وتبدأ مرحلة الفرز والفحص لكل عربي، وهو ما يحيل القارئ تلقائيا إلى اسم الرواية “أشباح بروكسل”.

ورغم أن “الأشباح” في الرواية تحتمل التأويل بين الشخصيات التي قابلها مكاوي منذ وطأت قدماه بروكسل ولم يستطع التكيف معها أو الشخصيات التي تركها خلفه في مصر وظلت تطارده داخل عقله ومنها طليقته وابنته إلا أن المؤلف محمد بركة يؤكد أن “الذئاب المنفردة” هي المقصودة بشكل أساسي من عنوان العمل.

وقال بركة الذي عمل مراسلا لصحيفة الأهرام المصرية في بروكسل بين عامي 2015 و2017 خلال مناقشة للرواية الأربعاء في المركز الدولي للكتاب بالقاهرة “ممتن جدا كمؤلف لأن هناك أشياء تحدث لم تكن لتخطر ببالك ولم تكن تقصدها لكن النص بالنيابة عنك أثارها لدى المتلقي، سواء كان قارئا أو ناقدا وباحثا”.

وأضاف “البعض فسر مصطلح الأشباح بأكثر من وجه، وهذا في رأيي يعتبر ثراء للنص يجعله منفتحا على أكثر من تفسير وليس مغلقا، لكني شخصيا عند كتابة النص كان يمثل في ذهني المتطرفين الذين نفذوا عمليات ضد الشرطة في بروكسل”.

ورغم أن السرد في الرواية يأخذ طابعا تقريريا أو يشبه اليوميات لكن بالعودة إلى طبيعة عمل البطل وكذلك مهنة المؤلف يصبح القالب الذي صيغت به الرحلة بداية من روما وذهابا وإيابا بين القاهرة وبروكسل أكثر منطقية ويضع العمل بمكانة خاصة بين الصحافة والأدب.

 

 

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى