‘أنا لا أخاف’ للإيطالي أمانيتي تواجه براءة الصغار بحماسة الكبار

“أنا لا أخاف” عنوان الرواية التي ترسخ بفضلها الروائي الإيطالي نيكولو أمانيتي ككاتب عالمي، فنجاحها دفع المخرج غابرييلي سلفاتوراس إلى تحويلها لفيلم سينمائي رشح لنيل جائزة الأوسكار سنة 2004، وقد ترجمها أحمد الصمعي إلى العربية وصدرت أخيرا عن دار بعد البحر، مشيرا إلى أنها تنطلق من عالمين عالم الصغار ببراءته وباندفاعه الحيوي وعالم الكبار الذي فقد براءته وحماسه الحيوي حيث يلتقى العالمان في وفاق وأحيانا في شقاق، من خلال خطاب سردي مقنع وجذاب.

نقطة انطلاق الرواية كما يقول الصمعي في تصديره لها جاءت من خاطر مرّ ببال المؤلف “تولت عندي فكرة هذه الرواية عندما مررت بالسيارة مرة وسط الحقول بين بازليكا وبوليا. لاحظت فيها صعوبة العيش بالنسبة إلى الأطفال في مكان مثل هذا”.
وبالفعل ما يحسه القارئ من أول وهلة هو عزلة هؤلاء الأطفال الذين يعيشون وسط أربعة منازل فقيرة، لا تمر بها طريق رئيسية ولا يصل إليها من عالم الحضارة إلا ما يمر عبر شاشة التلفزيون، وهو عالم صغير مهمش ومنسي، ويعيش على حاشية الحداثة، بل هو ضحية الحداثة التي صنعت كل أسباب الرفاهة التي حرم منها.

تحت شمس حارقة ووسط حقول متعطشة، لا يجد الأطفال من ألعاب إلا التسكع وسط الحقول أو المكوث تحت مستودع، أو تسلق الأشجار. وفي ألعابهم تمتزج براءة الطفولة بقسوة المعاملة إزاء بعضهم البعض أو إزاء بعض الحيوانات الضعيفة.
تجاه هذا العالم يوجد عالم الكبار، غامض ومنغلق، ولكن ليست له براءة الأطفال، بل اتخذ سمات الوحوش المخيفة التي عوضت لدى الطفل ميكيلي الوحوش الخيالية التي كانت تخيفه قبل استسلامه للنوم.

ويضيف “هذا الصيف صيف 1978 سيكون بالنسبة إلى ميكيلي فترة المرور من عالم الطفولة إلى عالم الكبار، فترة تلقينية سيتعلم أثناءها على حسابه أن الوحوش الحقيقية ليست تلك الموجودة في الخرافات، بل تلك التي تعيش إلى جانبنا ويمكن أن تكون أقرب الناس إلينا سيكتشف ميكيلي أن أباه وأصدقاءه هم أسياد الهضبة وأسياد الديدان، يريدون الخروج من عيشتهم الحقيرة ومن فقرهم باختطاف طفل صغير وطلب الفدية من أبويه.

وميكيلي الذي اكتشف صدفة مخبأ الطفل المختطف لم يفهم في البداية ما يحدث، واحتفظ بالسر الرهيب في داخله، إلى أن أدرك أن الطفل ليس لعبة، وأن لعبة الكبار ليست بريئة وأن الموت والأشباح لا يوجدون فقط في الكوابيس المخيفة التي توقظه أثناء الليل. عند ذلك قرر أن ينقذ الطفل من الموت وهو يدرك أن هذا القرار سيعرض حياته للخطر. وهذا الإدراك سيكرس نضج شخصيته وخروجه نهائيا من الطفولة وألعابها البريئة إلى عالم الكبار المشحون بالأخطار وبثقل المسئولية”.

ويشير الصمعي إلى أن الرواية لا تحمل حكما على تصرف الكبار أو درسا أخلاقيا، ولا تضع الشخصيات فوق كتفي ميزان الخير والشر، “بل نشعر نحوهم بنوع من الرأفة تماما مثل ميكيلي الذي رغم معرفته بما صنع أبوه، لا يدينه بل يحبه لأنه يعرف أنه فعل ذلك لأنه يريد تحسين مستوى معيشة عائلته الصغيرة، وأنه ليس شريرا، بل ضحية الظروف القاسية التي يعيشها وضحية الرغبة الجامحة في الحصول سريعا وبسهولة على المال اللازم لتوفير رفاهية أكبر للعائلة”.

ويرى الصمعي أن شخصيات أمانيتي سواء في هذه الرواية أو في روايته الأخيرة “كما يشاء الرب” يعيشون على حاشية المجتمع، محرومين من أسباب الرفاهية التي صنعها التقدم التكنولوجي والصناعي، وهذا الحرمان جعلهم ناقمين على المجتمع خارجين على القانون، ولكن إدراكهم لوضعيتهم يجعل منهم شخصيات إنسانية جديرة بالاحترام وتستحق أن ننظر إليها برأفة وتفهم”.

وأمانيتي كما يلفت الصمعي بدأ مسيرته الإبداعية سنة 1944 بظهور روايته Branchie “خياشيم” وهو لم يتجاوز بعد سن الثلاثين، ومنذ ذلك الحين فرض حضوره على الساحة الأدبية الإيطالية والعالمية، وبرز كأحد الأقلام الأكثر تفردا وتجديدا في الكتابة الروائية المعاصرة، ظهرت له مجموعة من القصص سنة 1996 Fango “وحل” تبعتها سنة 1999 رواية Ti Prendo e ti porto “آخذك وأحملك بعيدا” وهي كتب ما أن تشرع في قراءتها حتى تستحوذ عليك ولا تترك إلا عندما تصل إلى كلمة النهاية.

و ينقل الصمعي عن أمانيتي قوله “فكرتي عن الأدب هي أن يقص عليك أحد حكاية، مثلما يقع مع الأطفال الصغار عند المساء، فإذا لم تجذبك إليها، تتركها ولا تهتم بها، ولكي ينجح الراوي في أسر قارئه يجب أن يتسلى بالكتابة بقدر ما يتسلى القارئ بالقراءة”.
ثم يضيف “في بداية تجربة أمانيتي القصصية كان يتسلى بذلك النوع من الروايات المسكونة بالخوف والظلام والوحوش، على غرار حكايات ستيفان كينغ التي غزت قراءات طفولته “عندما كنت صبيا، قرأت ستيفان كينغ وكنت أعجب كيف أن كتبه التي تدور أطوارها في قرية صغيرة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية كانت مشوقة سواء في الزايير أو في تايلانديا أو في إيطاليا، ويمكن القول إن الأنموذجين اللذين اتبعهما أمانيتي لخلق عناصر التشويق في الرواية هما كلفينيو وكينغ، وكلاهما تميزا بقدرتهما على التحليق في أجواء الخيال دون قطع الصلة بالواقع، سواء مس هذا الواقع حالة الإنسان المعاصر الذي يجد نفسه سجين الحداثة التي صنعها أو المخاوف والوحوش التي تزور كوابيسه.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى