الأوروبي الذي اختاره تنظيم «القاعدة» أميراً لجماعة «جهادية»

يمثل الفرنسي روبير ريشار أنطوان الذي اعتقل في المغرب بتهمة التحضير لعمليات إرهابية نموذجاً للأوروبيين الذين استقطبهم تنظيم «القاعدة» أو جماعات السلفية الجهادية. كما يعتبر حالة متفردة لشخص أوروبي يجري اختياره «أميراً» لواحدة من الجماعات الجهادية، حتى وإن كان مفهوم الإمارة هنا لا يعني الإمارة الدينية بل هو نوع من القيادة العسكرية. وهو يمثل أيضاً واحداً من ضحايا الجماعات السلفية الجهادية في العالم العربي والإسلامي الذين تم استقطابهم وتجنيدهم من المتطرفين بعد اعتناقهم الإسلام من دون تأطير ديني سليم، وتحويلهم مباشرة من تلقين الشهادة إلى العمل الحركي.

وفي الكتاب الصادر حديثاً عن دار «رؤية» في القاهرة تحت عنوان»سَلَفي فرنسي في المغرب… ريشار أنطوان من بيشاور إلى طنجة»، للباحث والكاتب المغربي إدريس الكنبوري، ما يفيد بأنه شارك في تفجيرات قامت بها «مجموعة الدار البيضاء». يحاول الكاتب أن يوضح علاقة هذا الفرنسي بالمغرب والإسلام، وعلاقته بالسلفية الجهادية: عبر الأسئلة التالية: هل أدى دوره المناط به وانتهى الأمر؟ وهل الرجل لم يعد يشكل أي أهمية؟ وهل تم تضخيم ملفه أكثر من اللازم؟

ولد ريشار في 30 كانون الثاني (يناير) 1972 في شامبون فوغيروليس، ضواحي سانت إيتيان، في أسرة مكونة من ثلاثة إخوة، هو الثاني بينهم، حصل على دبلوم في المحاسبة، وتعرّف إلى مهاجرين تركيين تمكّنا من إقناعه باعتناق الإسلام في سن الثامنة عشرة واختار اسماً جديداً له هو يعقوب.

ثم بإيعاز من مسؤولي المساجد التركية في فرنسا سافر إلى قونية التي تؤوي ضريح المتصوف جلال الدين الرومي وتعرف إلى مدرس عراقي، فتعلّم على يديه اللغة العربية وتلقى عنه دروساً في الفكر السلفي على منهج ناصر الدين الألباني، ثم اتجه إلى إسطنبول لتلقي بعض الدروس الدينية في مسجد «كان كورن» وتعرف إلى شخص تركي يدعى عبدالله برامار الذي حدَّثه في شأن السفر إلى الجزائر للالتحاق بـ «الجيش الإسلامي للإنقاذ» أو أفغانستان من أجل الجهاد، فوقع اختياره على أفغانستان وقت خضوعها للاحتلال السوفياتي.

تزامن وصول روبير ريشار إلى بيشاور عام 1994 مع أول ظهور لحركة «طالبان»، والتحق بجماعة المقاتلين العرب في معسكر «خلدن» الذي كانت تشرف عليه جماعة من المنظرين للفكر الجهادي، وتدرّب فيه آلاف «الأفغان العرب» الذين تلقوا دروساً في الفقه والشريعة بالمعنى الضيق؛ إذ كانت عبارة عن مبادئ في التكفير، وتعكس الموقف السياسي للجهاديين من خلال التسويغ الفقهي لموقف رفض الأنظمة القائمة وتكفير الحكام. وتلقى تدريباً عسكرياً لمدة ستة أشهر على كيفية استعمال الأسلحة النارية وتفكيكها وتركيبها، كما تدرب على صناعة واستعمال المتفجرات.

في عام 1995 عاد إلى تركيا بعد إصابته بالملاريا، وعمل مترجماً في شركة للاستيراد والتصدير، وتعرف إلى شخص يدعى شمس الدين كوسكان؛ متزوج من مغربية من مدينة طنجة، فاقترح عليه الزواج من صديقة زوجته المغربية.

وفي طنجة شرع ريشار في نسج علاقات بعناصر تنتمي إلى الجماعات السلفية الجهادية وروى لهم تجربته في أفغانستان والتدريبات العسكرية التي تلقاها في معسكرات بيشاور ولمس لديهم حماسة كبيرة وتشبعاً بفكرة الجهاد وعرض على المجموعة خطته لتنفيذ عمليات انتحارية في فرنسا وطلب منهم مبايعته أميراً عليهم فتم له ذلك.

لكن روبير تعرف إلى المسمى «رشيد.ع» الذي يقضي عقوبة السجن لمدة عشرين عاماً والذي أقنعه باستهداف المصالح الأميركية والغربية في المغرب؛ لأن ذلك سيكون سهلاً ومضموناً. وحكم على ريشار بالسجن المؤبد عقب تورطه في التفجيرات الإرهابية في الدار البيضاء في 16 أيار (مايو) 2003. وقد حاول استثمار جنسيته الفرنسية لإكمال مدة العقوبة في بلاده ولكنه لم يفلح.

ويفسر ريشار اعتقال السلطات المغربية له– خلال استجوابه- بأنها تود إرسال إشارة تقول فيها إن ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة عالمية وليست إنتاجاً مغربياً، وإن هناك أجانب ومنهم فرنسيون يأتون للإرهاب، لذلك فهو يرى أن محاكمته سياسية.

ويختتم الكندوري كتابه بقوله: «إن أي محاولة لربط الدعوة السلفية بالجهاد المسلح ما هي إلا تلبيس على الناس، وتزييف معنى الدعوة السلفية الصحيحة، قام به بعض المبتدعين، ففاض غيظهم وحقدهم على الناس لعله لأسباب شخصية».

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى